دول عربية وأوروبية مستعدة لتسليح المعارضة بدلا من واشنطن

تركيز على الملف السوري خلال قمة مجموعة الثماني

TT

تسعى ألمانيا لحث القيادة الروسية على ممارسة مزيد من الضغط على نظام الرئيس بشار الأسد بهدف تهدئة القتال في سوريا، وذلك خلال اجتماعات مجموعة الثماني المزمع عقدها في آيرلندا الشمالية الاثنين المقبل. ووفقا لمصادر دبلوماسية ألمانية، تقع على عاتق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين «مسؤولية خاصة وتأثير قوي في وقف التصعيد العسكري لا سيما أنه مورد السلاح للأسد». وتضيف المصادر أن الخطر لم يعد يتعلق بسوريا إنما بأمن منطقة الشرق الأوسط بالعموم، لا سيما أن الحرب بين السنة والشيعة قد تمتد إلى لبنان والعراق.

وتتلاقى المساعي الألمانية مع جهود سيبذلها رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون مع الروس أيضا لتحقيق ذات الهدف، إذ قال كاميرون أمس إنه سيلتقي ببوتين في لندن الأحد المقبل قبل التوجه إلى العاصمة الآيرلندية، دبلن، للمشاركة في قمة الثماني، وسيكون «الحوار مفتوحا وصريحا مع القيادة الروسية. نود أن نركز على الخطوات الملموسة التي يمكننا اتخاذها للمساعدة في التوصل لعملية انتقال سياسي»، على حد وصف رئيس الوزراء البريطاني.

ويفهم من التصريحات الصادرة عن عواصم الدول الأوروبية في الآونة الأخيرة أن هناك إصرارا على القيام بدور نشط في الصراع السوري، إلا أن الأقوال إلى أن تترجم إلى أفعال بانتظار «تزحزح» في الموقف على الطرف الآخر من الأطلسي، الولايات المتحدة. ومع أن الرئيس الأميركي باراك أوباما لا يزال حتى الآن معارضا للعب دور أكبر فيما يخص سوريا، فإنه عاد قبل أيام وطلب من «فريق الأمن القومي بحث كل الخيارات الممكنة» لمساعدة المعارضة.

وبعيدا عن التصريحات الإعلامية الصادرة عن قادة الدول الكبرى حول سوريا، يسعى الجميع إلى إبقاء الكرة في غير ملاعبهم، إذ تريد واشنطن من الأوروبيين أن يقاسموها «هم ومشكلات» إدارة شؤون العالم، بينما لا يرى الأوروبيون في أنفسهم قدرة على حمل عبء تسليح المعارضة السورية لوحدهم، والدليل على ذلك هو ما نقلته صحيفة «لوموند» الفرنسية على لسان وزير الخارجية لوران فابيوس، الذي طالب أول من أمس «المجتمع الدولي بوقف تقدم قوات النظام السوري بدعم من إيران وحزب الله (اللبناني) باتجاه مدينة حلب»، في إشارة إلى الولايات المتحدة وروسيا.

ويبدو من خلال المشهد العام لمنطقة الشرق الأوسط بالعموم وللمعالجة الدولية للأزمة السورية على وجه الخصوص، أن النظام متعدد الأقطاب ليس بالنظام الذي يستطيع تحقيق الاستقرار والأمن للعالم، في ترجمة حرفية لما كان علماء العلوم السياسية يحذرون منه منذ عقود. ويستطيع الباحثون السياسيون استنباط الكثير من البراهين التي تكشف عورات «التعددية القطيبة»، إلا أن تمحور أفق الحل السياسي في سوريا حول التوافق الأميركي الروسي في جنيف، وربط نجاح الحل العسكري في سوريا بـ«المشاركة الأميركية الفاعلة» لهو أفضل براهن على صحة هذا الاستنتاج.

وتقول النظرية الواقعية، المدرسة الرائدة في تحليل العلاقات الدولية، إن الاستقرار على المستوى العالمي لا يتأتى إلا بوجود قوتين عالميتين تشكلان قطبين يدور حول فلكهما بقية دول العالم. وتبرهن هذه النظرية على صحة ادعائها من خلال حالة «اللاحرب أو الحرب الباردة» التي شهدها النظام العالمي عقب بروز الاتحاد السوفياتي والولايات المتحدة كقوتين عظميين بعد الحرب العالمية الثانية. ونتيجة للقطبية الثنائية تلك، عاشت الدول داخل «مناطق النفوذ القطبي» حالة من الاستقرار السياسي والرخاء الاقتصادي، فـ«العدو معروف والصديق كذلك،» وفقا كينيث والتز، أحد أبرز فقهاء «الواقعية البنوية» في عصرنا.

وتقول نظرية الهيمنة، إن الاستقرار على المستوى العالمي يتحقق في حالة وجود «بنية من القيم والمفاهيم الاقتصادي والسياسية، لا العسكرية، يكون نظاما يديره ويروج لتوسعته دولة عظمى، وتقبله بقية الدول بالرضا»، ويستدل روبيرت كوكس، أبرز منظري هذه المدرسة، بعصر «السلم البريطاني» الذي امتد مائة عام في العالم الغربي (1815 - 1914) وعصر «السلم الأميركي» الذي شهده العالم الغربي أيضا منذ عقد اتفاقية بريتون وودز (1944) وحتى منتصف ثمانينات القرون العشرين.

وعلى الرغم من اختلاف رؤى كلتا النظريتين حول الأسلوب الأمثل لتحقيق الاستقرار في العالم، فإن عاملا مهما يوحدهما، ألا وهو التحذير من النظام متعدد الأقطاب، الذي يحول القوة العسكرية من المفهوم المطلق إلى النسبي، بالشكل الذي يجعل القوة العسكرية عُملة نادرة يسعى الجميع للحصول عليها، ويسعون لمنع الآخرين من التحصل عليها في الوقت ذاته.