الرئيس الدوري لمنسقية المعارضة الموريتانية: نفضل التغيير عن طريق الانتخابات

محمد جميل منصور يتهم في حوار مع «الشرق الأوسط» الرئيس بعرقلة المسار الديمقراطي.. ويدعو إلى ربيع عربي ديمقراطي

محمد جميل منصور
TT

قال رئيس حزب التجمع الوطني للإصلاح والتنمية (تواصل) المعارض، محمد جميل منصور، إن موريتانيا تحتاج إلى «ربيع عربي ديمقراطي، متطابق مع خصوصيات المجتمع الموريتاني»، مشيرا إلى أن وجود الرئيس «معرقل للمسار الديمقراطي، ولذلك طالبنا برحيله أولا من أجل الوصول لانفراج سياسي، ولكننا مستعدون للنقاش والتشاور مع مختلف الأطراف».

منصور، الذي يتولى الرئاسة الدورية لمنسقية المعارضة الديمقراطية، التي تضم 11 حزبا سياسيا وتدعو إلى «رحيل» الرئيس محمد ولد عبد العزيز، قال في مقابلة مع «الشرق الأوسط»، إن مطالبتهم برحيل النظام الموريتاني جاءت بتأثير من الربيع العربي، ولكنها قبل ذلك هي نتيجة لعدة عوامل داخلية متعلقة بالبلد وتقييم أداء النظام، وفيما يلي نص الحوار:

* اعترفتم في حزب «تواصل» الإسلامي، بشرعية الرئيس محمد ولد عبد العزيز بعد انتخابه سنة 2009. ثم انضممتم لمنسقية المعارضة، وطالبتم في البداية بالحوار ثم بالإصلاح، قبل أن يتطور الأمر بالتزامن مع الربيع العربي ليصبح مطالبة بـ«رحيل النظام». هل حقا كنتم تحاولون استنساخ الربيع العربي كما يتهمكم النظام وأنصاره؟

- تطور الموقف السياسي لحزب «تواصل»، كانت تحكمه ضوابط واضحة، فبعد انتخابات 2009 لم نجد ما يطعن في المصداقية العامة لشفافية الاقتراع تقنيا، فأعلنا الاعتراف بهذه النتائج، وبالمناسبة لم نراجع هذا الموقف حتى الآن، قررنا حينها إعطاء فرصة للنظام بناء على الشعارات التي رفعها، ولكن في مارس (آذار) 2011. أي بعد سنة ونصف السنة تقريبا من أداء النظام، رأينا أن الأمور تسير في الاتجاه الخاطئ، وأن القضية الديمقراطية تتراجع بشكل مخيف بناء على النمط الأحادي والاستبدادي لرئيس الدولة وللنظام.

أصدرنا حينها وثيقة «إصلاح قبل فوات الأوان»، ولم نخف أن لموقفنا دوافع أولها سلبية أداء النظام؛ وثانيها منطقه السياسي القائم على الأحادية ورفض منطق الشريك السياسي؛ وثالثها الربيع العربي الذي أعطى نفسا للشعوب فرفعت سقف مطالبها؛ كل هذه العوامل اجتمعت ليتغير موقفنا، ولينتهي بنا الأمر إلى منسقية المعارضة الديمقراطية التي تبنت خيار «رحيل النظام». أود هنا أن أوضح أن «رحيل النظام» لم يكن يوما من الأيام إلا موقفا سياسيا، يتم من خلال العمل الديمقراطي السلمي، في وجه أحادية النظام والتأجيل اللامحدود للانتخابات. أما تأثرنا بأجواء الربيع العربي فليس أمرا سلبيا بل هو إيجابي، لكن قبله تأتي العوامل الداخلية المتعلقة بالبلد وتقييمنا لأداء النظام وموقفنا السياسي كحزب موريتاني.

* كانت النخبة الموريتانية الداعية إلى التغيير، منقسمة ما بين الدعوة للتغيير على طريقة الربيع العربي، والتغيير على طريقة الجارة السنغال، من خلال الضغط الشعبي ثم الانتخابات، هل ترون أن الربيع العربي ما زال قادما في موريتانيا أم أن الخيار السنغالي أصبح هو الراجح؟

- نحن في المعارضة نفضل التغيير بالانتخابات، ونريد أن نجنب بلدنا أي اضطرابات قد تضر بنسيج المجتمع واستقراره وأمنه، ونعتبر الطرق الأخرى هي طرق اضطرارية يدفع إليها عنف الأنظمة واستبدادها.

أعتقد أن أهمية الربيع العربي ليست في شكل التغيير، أي أن يقع بالطريقة الهادئة نسبيا في تونس ومصر، أو الأقوى قليلا في اليمن، أو العنيفة في ليبيا وسوريا؛ المهم هو الروح التي حملها الربيع العربي إلى المنطقة، والتي تقول إن الشعوب ملت الاستبداد، وأصبحت تريد دولة العدل والديمقراطية والحرية والكرامة، أعتقد أن الحالة الموريتانية تحتاج ربيعا عربيا ديمقراطيا، بطبيعة الحال سيكون ذلك طبقا لخصوصيات المجتمع الموريتاني.

* الرئيس الموريتاني يعلن الحرب على الفساد، ويؤكد أنصاره أن هذه الحرب وفرت احتياطات مالية كبيرة، كثيرا ما تحدثت عنها الحكومة، إضافة إلى التقارير المطمئنة التي تصدر عن البنك وصندوق النقد الدوليين.. كل هذا وأنتم تتهمون النظام بالفشل اقتصاديا، كيف ذلك؟

- أولا ينبغي أن نتذكر أن شهادات المؤسسات النقدية الدولية ليست بالضرورة تعبيرا عن حالة اقتصادية ومالية سليمة، ولعلنا نتذكر شهاداتها بشأن نظام العقيد معاوية ولد سيدي أحمد ولد الطائع، الذي صرح وزيره الأول - بعد سقوطه - أنها كانت تقوم على تناقضات وأرقام غير دقيقة، كما نتذكر شهاداتها بشأن نظام زين العابدين بن علي، وها نحن نتابع الحالة الاقتصادية والاجتماعية لتونس ما بعد الثورة؛ كما أن الكثير من المعطيات التي تبني عليها هذه المؤسسات شهاداتها هي معطيات تتحكم فيهــا الأنظمة.

ثانيا، هنالك معلومات – النظام الموريتاني لم يستطع إنكارها ولا تكذيبها - عن مصادر أخرى للسيولة النقدية الكبيرة، ربما تتعلق بصفقة عبد الله السنوسي (مدير مخابرات العقيد معمر القذافي)، وحتى بما يشاع عن صفقات من نوع آخر، ثم إن الارتفاع المذهل في أسعار بعض المواد الأساسية في الأسواق العالمية كان من أسباب هذا الرخاء المالي النقدي، وبالتالي لا يعود الأمر بالضرورة إلى سياسة مالية واقتصادية ناجعة؛ ولكن الأهم هو أن هذه الأرقام لا تنعكس على واقع الناس، فما فائدة اقتصاد ناجع لا ينعكس على حياة الناس، ولا يحد من البطالة، ولا يوفر الخدمات الأساسية الضرورية للمواطنين.

* يلاحظ وجود تراجع في أنشطة منسقية المعارضة في الآونة الأخيرة، إضافة إلى تراجع في حدة الخطاب، هل يعني ذلك نهجا جديدا قد ينهي مرحلة الاستقطاب السياسي الذي تعيشه البلاد منذ سنوات؟

- المنسقية تعتمد رؤية مزدوجة، فهي، من ناحية، تتشبث بموقفها السياسي الداعي إلى رحيل النظام، باعتبار أن تلك هي الخلاصة السياسية التي وصلت إليها، والتي تؤكد أن النظام ليس قادرا على الإصلاح ولا راغبا فيه؛ ومن ناحية أخرى، قدمت المنسقية عريضة واضحة تطالب بانتخابات حرة ونزيهة وشفافة؛ ولذلك فالمنسقية لديها موقف ولديها أيضا قدرة على المرونة السياسية إذا ما توفرت الشروط لذلك، ولكن المؤشرات – للأسف - تؤكد أن النظام لا يريد تغييرا سياسيا جديا عن طريق الحوار.

عموما نحن ننتظر ما ستؤول إليه مبادرة رئيس البرلمان، مسعود ولد بلخير، وسيتضح من القادر على تقديم رؤية سياسية واضحة ومتماسكة، ومن الذي يحاول أن يوظف الوقت للالتفاف على أي خطوة تؤدي إلى الإصلاح والانفراج.

* يقول أنصار النظام إنكم فشلتم في تحريك الشارع الموريتاني، وهو ما أرجعوه إلى مطالبكم التعجيزية وخطابكم الاستفزازي، كما يستدلون على ذلك بانشقاق أحزاب من المنسقية، ودخولها في حوار مع النظام سنة 2011، ما ردكم؟

- ما حدث سنة 2011 أمر عادي لأنه اختلاف في المقاربة السياسية؛ فعدد من أحزاب المنسقية، كان ولا يزال، لا يثق في النظام، وبالتالي لم يكن ليدخل حوارا من دون ضمانات، بينما رأت أطراف أخرى أن تعطي فرصة للنظام بناء على تقديرها السياسي، وهي الأحزاب التي شاركت في الحوار، ما حدث بعد ذلك أظهر أننا كنا محقين، حيث صدرت مبادرة من داخل هذه الأحزاب تدعو لحوار سياسي جديد.

أما فيما يتعلق بالشارع فأعتقد أننا في المنسقية نجحنا في تنظيم فعاليات شعبية بعضها بلغ شأوا بعيدا، وطبيعة النضال الجماهيري أنه مد وجزر، خصوصا مع نظام يضغط على الناس في أرزاقهم وأمنهم.

* مؤخرا أصدرتم وثيقة ضمنتموها شروطا للمشاركة في الانتخابات التشريعية والبلدية نهاية العام الجاري، وقلتم في وثيقتكم إن الرئيس الحالي ووزيره الأول «غير مؤهلين» للإشراف على الانتخابات، هل يعني هذا أن «رحيل النظام» بالنسبة لكم شرط للمشاركة في الانتخابات؟

- نحن لا نتحدث عن أمور نظرية مجردة، وإنما نتحدث عن وقائع وتجارب سابقة مع الرجلين، وعن سلوك سياسي يستمران فيه، ولذلك قلنا إن من يريد تنظيم انتخابات حرة وشفافة تلزمه حكومة توافقية بقيادة وزير أول محايد كامل الصلاحيات.

* وفي ظل وجود الرئيس محمد ولد عبد العزيز؟

- نحن في المنسقية نرى أن وجود الرئيس معرقل للمسار الديمقراطي، ولذلك طالبنا برحيله أولا من أجل الوصول لانفراج سياسي، ولكننا مستعدون للنقاش والتشاور مع مختلف الأطراف، وحينما تتوفر الضمانات من خلال حكومة توافقية فهذا هو الأهم بالنسبة لنا.

* تضمنت وثيقتكم شروطا يعتبرها النظام وموالاته تعجيزية وغير قابلة للتحقيق، كما أنكم تحدثتم عن معايير فنية تتعلق باللوائح الانتخابية وتسجيل السكان يرى البعض أن تنفيذها يحتاج بعض الوقت، فهل تقبلون تأجيل الانتخابات من أجل ضمان تطبيق هذه الشروط؟

- ليس الأمر كذلك، هذه الضمانات نرى أنها معقولة في أي انتخابات حرة وشفافة، ولا تحتاج إلى وقت كبير، ونحن نحتاجها للاطمئنان للجهات القائمة على الانتخابات: حكومة توافقية بقيادة وزير أول محايد تضمن حرية اختيار الناخب يوم الاقتراع، لا توقف الخدمات ولا المشاريع ولا أداء الإدارة، ولكنها توقف التوظيف السياسي لهذه الإدارة والمشاريع والسلطة، فقد لاحظنا أن المساعدات التي تمنح للمواطنين، يقدمها في أحيان كثيرة ناشطون في حزب الاتحاد من أجل الجمهورية الحاكم، وهذا توظيف لإمكانيات عامة في أغراض سياسية.

طالبنا أيضا بمراجعة المؤسسات القائمة على الشأن الانتخابي، قلنا إن مدير الحالة المدنية (الأحوال الشخصية) بناء على تاريخه وواقعه وعلاقته القريبة بطرف محدد ليس مؤهلا للإشراف على أهم عملية في هذا المسار.

* لكن الحالة المدنية قطعت مراحل كبيرة.. هل تريدون مراجعتها؟

- لا أبدا.. نريد تحقيقا فيما هو موجود لكي نكتشف الخلل ونعالجه في الوقت المناسب، لأن هنالك أنباء عن تجنيس مجموعات غير موريتانية في الشمال والشرق، بهدف تكثيف الناخبين لصالح طرف معين، وهنالك أحاديث أخرى عن أمور فنية لا أريد الدخول في تفاصيلها؛ يجب أن نبني على ما هو قائم، ونصحح ما فيه من اختلال، ويكمل المهمة من يمكن أن يكون موضع ثقة لدى مختلف الأطراف.

وبالتالي فكل هذه الضمانات - إذا توفرت الإرادة - لا تؤخر الأمور، وإنما تنضج الآليات وتحسن الأداء.

* ما الضامن بالنسبة لكم لتجنب تكرار ما حدث بعد اتفاقية دكار، حيث دخلتم في حكومة وحدة وطنية أشرفت على انتخابات 2009. ولكن ذلك لم يمنع البعض من التشكيك في نتائجها؟

- بالفعل.. كانت في اتفاق دكار نقطة فرضها ميزان القوى ودعم بعض الأطراف الدولية للنظام، وهي أن الحكومة لا تستطيع أن تغير ما كان قائما قبلها، من الإداريين الذين كانوا متورطين في زبونية سياسية لصالح طرف معين، هذا الأمر ينبغي أن لا يتكرر، لأننا نريد حكومة ذات صلاحيات كاملة، تستطيع أن تعاقب من يحور عمل الإدارة والشأن العام لصالح طرف سياسي، كما أنها لن تكون حكومة الأسبوعين أو الثلاثة، وإنما عدة أشهر، وستكون قادرة على توفير حد معقول من حرية الناخبين.

* بوصفكم الحزب الإسلامي الأكبر في موريتانيا، هل ترون أنكم قادرون على تحقيق ما حققه نظراؤكم في المغرب وتونس ومصر، وكيف ستتعاملون مع المعادلة الانتخابية في موريتانيا، والتي يتحكم فيها رجال القبيلة ورجال المال ورجال المؤسسة العسكرية؟

- نحن واقعيون ونبتعد عن القياس والإسقاط، مع وجود الفارق، ونعتقد أننا حزب سياسي مهم ويتوسع باستمرار، له قاعدة جماهيرية مقدّرة، لا ندعي ما ليس لنا ولا نضخم من قوتنا، وبطبيعة الحال لا يمكن أن نقارن أنفسنا بأحزاب سياسية ذات مرجعية إسلامية في بلدان أخرى هي أقدم زمنا وأعرق تجربة بالضرورة.

ولكن مع ذلك نعتقد أنه إذا جرت انتخابات حرة وشفافة ونزيهة في هذا البلد، سيكون لنا فيها شأن، ونرجو أن يكون طيبا.

* لقد أصبح من شبه المؤكد أن موريتانيا ستشارك في قوات حفظ سلام أممية سيتم نشرها في شمال مالي، هل يعني ذلك بالنسبة لكم دخول الحرب الذي كنتم تعارضونها بشدة؟

- صحيح أن المشاركة في قوات أممية أخف وأقل خطرا وحرجا من المشاركة المباشرة في الحرب كما كان مطلوبا، وكما قيل إن النظام قام ببعض الخطوات المخفية فيه، ذات الطابع الإسنادي، ومع ذلك نحن في «حزب تواصل» نفضل أن تبتعد موريتانيا عن الحريق المالي، وأن لا تبذل فيه جهدا إلا وساطة بين أطرافه أو مساعدة على تفاهمهم، أو استقبالا للاجئ أو تأمينا لحدود، لأن كل ما يخالف ذلك قد تكون له تكلفة أمنية خطيرة على البلد.

مالي بلد يعيش أزمة طاحنة بسبب وجود جماعات متشددة متطرفة، وظلم وتهميش بعض مكوناته، إضافة إلى تدخل أجنبي لا يمكن أن يكون مصدر خير بحكم تاريخه وعلاقاته التاريخية بالمنطقة؛ كل هذه العوامل جعلت الحريق المالي أمرا مزعجا، فهو بلد كبير وجار شقيق، وبالتالي ينبغي على الدولة الموريتانية أن تتعامل معه بحذر.