الإيرانيون يصوتون اليوم.. وترجيح دورة ثانية لاختيار الرئيس الجديد

الإصلاحيون يطلقون حملة لتشجيع مشاركة عالية بين الناخبين

صورة ضخمة للمرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي يدلي بصوته في أحد شوارع طهران أمس(إ.ب.أ)
TT

يتجه الإيرانيون اليوم إلى صناديق الاقتراع لاختيار رئيسهم الجديد. وفي حال حصل أحد المرشحين الستة على 50% زائد صوت واحد سيكون هو الرئيس الجديد خلفا لمحمود أحمدي نجاد. إلا أنه في حال لم يحصل أحدهم على الأغلبية، وهذا هو المرجح حسب استطلاعات الرأي الأولية، فستكون هناك جولة ثانية يوم 21 يونيو (حزيران). وقد لا تسفر هذه الانتخابات عن تغيير كبير في الجمهورية الإسلامية التي يهيمن المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي على سياساتها، خاصة أن المرشحين المحافظين لم يطرحوا نهجا مختلفا كثيرا. إلا أن المرشح الإصلاحي الوحيد حسن روحاني لا يزال بوسعه تغيير حسابات السباق. وتتطلع القوى العالمية التي تجري محادثات مع إيران بشأن برنامجها النووي إلى أي إشارات تنم عن تغيير في موقف طهران التفاوضي بعد ثمانية أعوام من عدم المرونة في ظل حكم الرئيس محمود أحمدي نجاد.

ويبرز المفاوض النووي سعيد جليلي من بين المرشحين المحافظين يخوضون سباق الرئاسة كما أن حسن روحاني - وهو أحد من شغلوا هذا المنصب من قبل وهو أكثر ميلا إلى المصالحة - نال تأييد الإصلاحيين بعد منع مرشحهم الرئيس الأسبق المعتدل أكبر هاشمي رفسنجاني من الترشح. وكان تشديد العقوبات على إيران بسبب ملفها النووي من القضايا الساخنة خلال الحملة الانتخابية إلا أن أيا من المرشحين الستة لم يثر قضية رئيسية أخرى وهي دعم إيران للرئيس السوري بشار الأسد وجماعة حزب الله اللبنانية في الحرب الأهلية السورية. ولن يفتقد الغرب أحمدي نجاد الذي ألقى كلمات كثيرة دعا فيها إلى محو إسرائيل من على الخريطة وصعد في خطاباته ضد الغرب، لكن ما من توقعات كبيرة بحدوث تغيير جذري في الاتجاه الذي كان متبعا.

وقال دبلوماسي غربي لـ«رويترز»: «من الجيد ألا يكون هناك شخص مثل أحمدي نجاد لكن هذا لن يحدث اختلافا كبيرا. لا ننتظر الرئيس الجديد على أحر من الجمر لأن الزعيم الأعلى يدير السياسة». وأوضح محسن ميلاني وهو خبير في شؤون إيران بجامعة ساوث فلوريدا: «سيكون للرئيس الإيراني.. مقعد إلى الطاولة عند اتخاذ قرارات السياسة الخارجية الرئيسية لإيران وسياساتها النووية.. الانتخابات ليست حرة لكنها مهمة للغاية».

وبعد تأييد خامنئي العلني لأحمدي نجاد عندما شكك محتجون في فوزه بالانتخابات عام 2009 نشب خلاف بينهما بعد أن سعى أحمدي نجاد لاستغلال تجمعات شعبية لتحدي سلطة الزعيم الأعلى. ويقول محللون إن خامنئي يريد رئيسا لا يختلف معه، لكن وقبل كل شيء دون تكرار لاضطرابات عام 2009.

وقال الصحافي الإيراني هومان مجد الذي يعيش في الولايات المتحدة: «هناك فزع ما لدى النظام من احتمال اندلاع المزيد من الاضطراب والاستياء بالشوارع. إنهم يريدون بالفعل التمكن من هذه الانتخابات». وأضاف أن هذه الانتخابات: «غير عادية ومختلفة عما كان عليه الحال في الماضي عندما كانت الانتخابات حرة بشكل أكبر بكثير».واستبعدت السلطات الإيرانية اثنين من المعارضين البارزين من الترشح لتبقى الساحة لأربعة مرشحين محافظين موالين لخامنئي في مواجهة وزير نفط سابق يقول: إنه ليس إصلاحيا ولا محافظا وفي مواجهة روحاني رجل الدين المعتدل.

وأيد إصلاحيون يتقدمهم الرئيس الأسبق محمد خاتمي الذي اكتسح الانتخابات في عامي 1997 و2001 روحاني هذا الأسبوع مما زاد من الضغط على المحافظين. كما نال روحاني تأييد رفسنجاني الذي كلفه بتولي منصب مستشار الرئاسة الأمني حين كان رئيسا.

وجاهر روحاني بانتقاد الانتشار الأمني وتعهد بتحسين علاقات إيران مع العالم الخارجي. واعتقل الكثير من أفراد فريق روحاني ومؤيدوه بعد ترديد هتافات تدعو إلى إطلاق سراح سجناء سياسيين في أحد تجمعاته الانتخابية. ولتجنب الحرج الذي حدث خلال احتجاجات عام 2009 لم تترك سلطات الانتخابات في إيران الكثير للصدفة لضمان مرور الانتخابات بهدوء فاستبعدت مرشحين بارزين وفرضت قيودا صارمة على الحملات الانتخابية والمناظرات التلفزيونية.

ويحتجز مير حسين موسوي ومهدي كروبي وهما مرشحان إصلاحيان قادا «الحركة الخضراء» التي شككت في نتيجة انتخابات عام 2009 رهن الإقامة الجبرية في المنزل كما غابت مسيرات الإصلاحيين التي سبقت تلك الانتخابات.

وأصيب الإيرانيون الذين يتوقون لتغيير حقيقي والذين يقدر بعض المحللين عددهم بما يصل إلى ثلثي السكان بخيبة أمل منذ انتخابات عام 2009 وقد لا يتوجه كثير منهم إلى صناديق الاقتراع غدا.

قالت منى، عمرها 31 عاما، وتعمل محاسبة: «وقفت في الطابور ساعة للتصويت يوم الانتخابات (في 2009).. لكن حتى قبل انتهاء التصويت أعلنوا فوز أحمدي نجاد. تعلمت الدرس قبل أربع سنوات». لكن آخرين يأملون في الحيلولة دون فوز المحافظين. وقال حسين وهو طالب أدب إنجليزي في مدينة أصفهان بوسط إيران: «لست متحمسا للتصويت على الإطلاق. أعتقد أنني سأصوت ليس لأن الأمل يحدوني أو لأنني مهتم لكن لأني أخشى مجيء متشدد آخر إلى السلطة».

وانضم الرئيس الإيراني السابق أكبر هاشمي رفسنجاني إلى المرشد الأعلى علي خامنئي في مطالبة الإيرانيين بالمشاركة في الانتخابات، إذ توجد خشية من عدم إقبال الإيرانيين على الانتخابات. ورغم منعه من المشاركة في الانتخابات الرئاسية، ناشد رفسنجاني أنصاره بعدم مقاطعة الانتخابات وهو ما دعا إليه عدد من الإصلاحيين احتجاجا على منع ترشيح رفسنجاني وغيره من الإصلاحيين.

ونقلت صحيفة «اعتماد» الإيرانية عن رفسنجاني قوله «يجب ألا يقاطع (الناخبون) الانتخابات.. إنني أناشدهم للتصويت». وبدأ الإصلاحيون حملة «واحد لمائة»، أي على كل إصلاحي تشجيع 100 ناخب للإدلاء بصوته. وتقليديا يشارك الإيرانيون بأعداد عالية في الانتخابات، ومعدل المشاركة كانت 67% خلال الانتخابات العشرة الماضية بحسب وكالة أسوشييتد بريس. وكان خامنئي قد أعلن يوم الأربعاء الماضي أن التصويت «عمل وطني»، موضحا في خطابه: «نسبة مشاركة عالية ستحير العدو».

ومن المرجح أن يساعد الإقبال العالي على التصويت روحاني وقضية الإصلاحيين لكنه سيعزز أيضا شرعية حكم رجال الدين المدعوم بسيادة شعبية. وبينما اتحد الإصلاحيون وراء روحاني، تبقى أصوات الراديكاليين والمحافظين منقسمة بين المرشحين الآخرين، مما قد يزيد من حظوظ روحاني. وفي حالة فوز روحاني - إن سمحت به سلطات الانتخابات - فسيزيد التوتر بين الرئيس والزعيم الأعلى على غرار ما حدث خلال سنوات حكم خاتمي وخلال الفترة الثانية لرئاسة أحمدي نجاد.. ذلك التأزم المتأصل بين الشقين الإسلامي والجمهوري في النظام الإيراني.

ورغم أن خامنئي يقول: إنه لا يؤيد أي مرشح في الانتخابات يرى محللون أنه يعول على أحد ثلاثة متنافسين «ملتزمين بالمبادئ» تعهدوا بالولاء القاطع لنظام الحكم الديني. وأولهم جليلي الذي اتخذ موقفا غير مهادن في الكثير من جولات المفاوضات مع القوى العالمية كما أنه يحظى بدعم الحرس الثوري الإيراني. ويعتبر رئيس بلدية طهران محمد باقر قليباف الذي يدعمه الحرس الثوري أيضا ويحظى باحترام سكان العاصمة أكثر اعتدالا مثله مثل المرشح الثالث «الملتزم بالمبادئ» علي أكبر ولايتي مستشار خامنئي للشؤون الخارجية.