صوفيا كوبولا لـ «الشرق الأوسط»: رغبتي هي البحث في تأثير الإعلام على الجيل الجديد

إنطلاق العروض التجارية لفيلمها الأخير

كاتي تشانغ في لقطة من «ذا بلينغ رينغ»
TT

لا يزال يخطر للبعض منـا كيف كان استقبال النقاد والإعلام الغربي بصفة عامـة لصوفيا كوبولا عندما قامت بتمثيل دور رئيسي في فيلم أبيها فرنسيس فورد كوبولا «العراب 3» (1990)؛ إذ تم تمزيق حضورها كما لو أن هناك ثأرا قديما بينها وبينهم. ما كان يدعو للعجب هو أنها لم تكن الممثلة الوحيدة في الفيلم، بل شاركت ممثلات أخريات في تكملة تلك الملحمة الكبيرة، ومنهن تاليا شاين ودايان كيتون وبردجت فوندا، لكن لا أحد سواها كان محط نقد مكثـف على هذا النحو.

الآن، وبعد ثلاث عشرة سنة على تحولها للإخراج (وإحدى عشرة سنة على آخر ظهور لها كممثلة) انقلبت المواقف على نحو كامل. صوفيا كوبولا (42 سنة) ينظر إليها اليوم كفنانة أميركية مهمـة في سياق الفيلم المستقل. أعمالها تحتل دائما حيـزا كبيرا من الاهتمام، وهذا هو حال آخر أفلامها «ذا بلينغ رينغ» الذي عرض في مهرجان «كان» الأخير وينطلق هذا الأسبوع في عواصم عالمية.

استقت المخرجة موضوعها من قصـة حقيقية عاشتها مدينة لوس أنجليس قبل عدة سنوات عندما قامت عصبة من المراهقين والمراهقات (الميسورين معيشيا كما يجب أن نضيف) بالسطو على منازل عدد من المشاهير، بينهم أورلاندو بلوم وباريس هيلتون (عدة مرات) ولندساي لوهان وميغان فوكس من بين آخرين. ولم يتسن للشرطة القبض على العصابة بالجرم المشهود إلا بعد نحو سنة من نشاطها، حيث أثار ما نشر عنها اهتماما إعلاميا ملحوظا دفع بمجلة «فانيتي فير» لكتابة تحقيق طويل عن الزمرة التي سمت نفسها بـ«عصبة الجواهر اللامعة» (العنوان الحرفي للفيلم).

قبل فيلم كوبولا انبرى فيلم تلفزيوني لمعالجة هذا الموضوع بالعنوان نفسه سنة 2001، لكن فيلم كوبولا، كونه افتتح مظاهرة «نظرة ما» في دورة هذا العام من «كان»، هو الذي شهد الانتشار والاهتمام الأوسع ولو أنه ورد ثانيا.

«اهتممت بالموضوع قبل عام 2001، لكني انشغلت عنه أكثر من مرة». تقول لنا خلال حضورها المهرجان في مايو (أيار) الماضي.

وتضيف: «وفي مرات كنت أتوقف عن الكتابة لأنني كنت أبحث عن الأسلوب الصحيح لعرض هذه القصـة. لم أكن أريد سرد الحكاية على واقعيتها بطريقة تقليدية، بل بحثت كثيرا عن الأسلوب الذي يمكن لي معالجة الموضوع من خلاله».

* أفلامك عادة ما تتضمن رسائل معينة. هي لا تقصد مطلقا أن تكتفي بسرد الحكاية. لكن ما الذي قصدت إلى طرحه هنا؟

- أحاول ذلك. أردت أن أصنع فيلما يجعل المشاهد يشعر بأنه شريك في التجربة التي كانت هذه العصبة تقوم بها. شريك أيضا في فهم أن هذه السرقات لم تتم لأن القائمين بها كونوا عصابة إجرامية كبيرة. هذه الزمرة من المراهقين لم تكن مثل سواها.

* لكن أفعالها مطابقة لما قد تقوم به أي عصابة محترفة.

- صحيح. لكن هدفي هو أن لا أحكم على أفرادها. لم أرد أن أتدخل في الرأي الذي سيكونه المشاهد.

* لماذا؟

- لماذا؟! لأني فكرت أن القصة مثيرة بحد ذاتها. تعلق على الثقافة المعاصرة وأنها مناسبة للتعليق على موضوع الإعلام، خصوصا إعلام الثقافة الشعبية. هذا هو محط اهتمامي أكثر من أن أنصرف لمحاسبة هؤلاء على أفعالهم. لقد تم القبض عليهم وتم للقضاء محاسبتهم. هذا ليس شأني. رغبتي الأساسية هي البحث في حياة الشهرة ذاتها وكيف تستطيع بسهولة التأثير سلبيا على الجيل الحاضر.

بلا حكم مسبق فيلم صوفيا كوبولا يختلف حتى عن أعمالها السابقة. يختلف عن فيلمها الجيد «في مكان ما» (2010) وعن أفلامها الأخرى «انتحارات العذراء» (1999) و«مفقود في الترجمة» (2003)، وخصوصا عن فيلمها الوحيد ذي الإنتاج الكبير «ماري أنطوانيت» (2006)، لكنها ليست المرة الوحيدة التي تتعامل فيه المخرجة مع موضوع الإعلام: «مفقود في الترجمة» عن ممثل (بيل موراي) يلجأ لتصوير مشاهد له في طوكيو محيطا نفسه بستار من العزلة عن الإعلام. بطلها في «في مكان ما» (ستيفن دورف) ممثل انشغل بشق طريقه الناجح إعلاميا لدرجة أنه تجاهل واجباته العائلية.

* هل الإعلام يشكل لديك هذا القدر من الأهمية بالفعل؟

- نعم. لأننا بتنا أقرب إلى رموز في صورة كليـة. ليس من الضروري أن تكون نجما أو أن ترشحك أعمالك لأن تكون نجما. أي منا قد يستطيع تحقيق هذه النجومية ولو لفترة بسيطة، وذلك بسبب صحافة التابلويد وتلفزيون البرامج الواقعية.

* في الوقت ذاته توحين في هذا الفيلم بأنك تلقين بقدر من المسؤولية على الأهل.. لسلي مان التي تقوم بدور والدة إيما واطسون في الفيلم هي نموذج للأم التي لا تعرف كيف تحمي ابنتها.. هل هذا هو قصدك؟

- أعتقد أن المشكلة هي نتاج عدة عوامل. أفراد هذه العصبة كانوا في سن صغيرة. لم يتجاوز أحدهم السادسة عشرة من العمر. وكانوا يبحثون عن مستقبلهم تحت الأضواء متأثرين بالباهر والبراق. في وسط ذلك كله يبدو أن الآباء لم يرتبطوا تماما مع أولادهم. لم يُبدوا حيالهم أي اهتمام، ولم يلعبوا دور المرشد وهو دور مطلوب.

* ماذا عن شخصية لسلي مان؟

- لم أكن أرغب في أن أحكم على الشخصيات، لكن بالتأكيد هذه الأم لم تكن بعيدة عن المسؤولية. هي أيضا فكرت في الشهرة على حساب ابنتها.

* لذلك هناك المشهد الذي تقوم فيه صحافية بمقابلة الابنة فتتدخل الأم كثيرا في محاولتها سرقة الضوء إليها.

- تماما. لذلك لم يكن هناك ثقافة اجتماعية وعائلية لدى هذه الشخصيات، بل ثقافة الصورة المبثوثة للتأثير، وهي تحمل تأثيرات سلبية كثيرة بالفعل.

* هل يمكن القول إن هذا التعليق على الإعلام هو السبب الأول لاهتمامك بهذه الحكاية؟

- ليس تماما لأنني أيضا أحببت الموضوع بحد ذاته. أحببت أن أصنع فيلما عن بنات وشباب من هذه السن المبكرة، ووجدت أن القصـة بمثابة مناسبة صحيحة، لكن على صعيد آخر كان مهما عندي لكي أنظر وأتحدث عما بدا لي موضوعا كبيرا في حياتنا لا نعي جميعا تأثيره، وهو الإعلام وصحف التابلويد، وأنا أضم البرامج التلفزيونية التي تلاحق النجوم وحكاياتهم إلى هذا النوع من الصحافة. ولم أكن أريد أن أمنح الفيلم رسالة خاصـة، أو أن أجيب على أي من الأسئلة التي يمكن للبعض أن يطرحها، بل تقديم الموضوع وما يفرزه من حالات، وأعتقد أنها كانت واضحة لا تحتاج إلى تعليق.

* كيف تعاملت مع الممثلين والممثلات؟ إيما واطسون ولسلي مان محترفتان، لكن هناك آخرين غير معروفين.

- لقد اشتغلت كثيرا على الممثلين. أردتهم جميعا شخصيات أمام الكاميرا وليس ممثلين يؤدون أدوارا. طلبت منهم أن يحرصوا على أداءات طبيعية تماما. لذلك تجد أن تمثيل واطسون لا يختلف في منهجه عن تمثيل كايتي تشانغ، رغم أن واطسون لديها خبرة سنوات في حين أن تشانغ لم تظهر في دور رئيسي من قبل.

* إذن لا بد أنك عمدت إلى التمارين.

- نعم. أنا دائما أفضل التمارين. وفي هذا الفيلم قررت أن أساعد الفريق بأن أطلب منهم تمضية أوقات طويلة بعضهم مع بعض قبل التصوير؛ لأن هذا التعايش سيساعدهم على قبول كل منهم للآخر كما لو كانوا أصدقاء فعليين. سيساعدني أيضا على أن أحصل منهم على ما أطلبه وهو طبيعية الأداء.

* كاتي تشانغ تؤدي الدور جيدا.

- اخترتها من بين العديدات من الممثلات الكوريات الشابات. أجريت لها اختبارا مبكرا، ثم أجريت اختبارات لممثلات أخريات، لكنها هي الوحيدة التي بقيت في ذهني. تلمست قوة شخصيتها المناسبة للشخصية التي أدتها.

ذكريات مهمـة رغم هفوات واضحة، ومعالجة لم تصل إلى نقد فردي أو اجتماعي، فإن الفيلم شهد إعجاب النقد الغربي حين عرضه في مهرجان «كان». وهذا بالطبع ليس فيلم صوفيا الأول الذي يعرض هناك؛ إذ كانت عرضت هناك أيضا «ماري أنطوانيت» قبل ست سنوات. ذلك الفيلم قصد أن يحكي مرحلة من تاريخ فرنسا، ما أثار عددا من النقاد الفرنسيين الذين اعتبروا المخرجة متطفلة على الحقبة وشخصياتها.

* لم يلق فيلمك «ماري أنطوانيت» رحابة صدر من قبل النقاد الفرنسيين. فهل ترك ذلك في نفسك انطباعا معينا؟

- هذا ليس صحيحا تماما. هناك من أعجب به وهناك من انتقده، وهذا حال كل فيلم لكل مخرج. من هذه الزاوية أستطيع أن أتكلم، لكني لا أستطيع التعميم، لكن نعم هناك من انتقده بالطبع.

* بعض النقد كانت له علاقة بعملية الإنتاج. مخرجة اعتادت على تحقيق أفلام مستقلة نجدها في فيلم تاريخي كبير.

- ربما. لكن هذا كمن يعتبر أن على المخرج الالتزام بموضوع معين أو بنوع إنتاجي محدد لا يمكن تغييره. أعتقد أن النقد الذي أحب أن أقرأه هو ذلك الذي يفصل الفيلم عن تاريخ مخرجه والأفلام السابقة التي حققها. لا يمكن التعميم أو الاستنتاج. هذا في رأيي خطأ.

* ماذا عن تجربتك في مهرجان «كان» إلى الآن؟

- أحب الذهاب إلى مهرجان «كان». عندي الكثير من الذكريات المهمة بالنسبة لي. كنت طفلة حين جئت إلى هذا المهرجان بصحبة والدي، وفي هذه المرة بالتحديد كنت أكثر سعادة من أي وقت سابق. شعرت أنني تربيت هناك.

* بالعودة إلى «عصبة الجواهر اللامعة» أجد من اللافت طريقة تعاملك مع المجموعة ككل. لا أقصد كممثلين، فقط تطرقنا إلى هذا الموضوع، بل إلى مفهوم العصبة ذاتها. هل كان من بين أهدافك الحديث عن الزمالة أو الصداقة أو العمل كفريق واحد؟

- أتذكر حين كنت في المعهد أن تفكيرا نمطيا كان يسود الطلاب. وأعتقد أن هذا أمر منتشر حتما في كل مكان. هناك حلقات تتألـف من الطلاب الذين يريدون إثبات وجودهم على نحو أو آخر.

هناك ثقافة من التعنيف والانحراف والميل لاستخدام ضعف الآخرين كسلاح ضدهم. نعم أستطيع أن أرى صحة رأيك ولو أنني لم أقصد الحديث عن هذا الجانب من البداية أو بشكل محدد. كنت في ذلك العمر وأعلم الرغبة في السيطرة أو التعرض لسيطرة الآخرين على البعض.

* سطت هذه العصبة على منزل باريس هيلتون عدة مرات. طبعا ليس من ضرورات الفيلم تقليد عدد الزيارات. لكن ماذا كان شعورك تجاه هذه الحقيقة؟

- تعجبت فعلا في البداية. «ذا بلينغ رينغ» دخلت منزل باريس هيلتون خمس مرات أو ستا، وفي كل مرة سطا أفرادها على جواهر وساعات وملابس ثمينة. وجدت ذلك عجيبا كون العصابة كانت تفعل الشيء نفسه مرة بعد أخرى والضحية هي ذاتها.

* خلال أو بعد الفيلم هل أخذت حيطة إضافية: طورت أجهزة الأمان وأجهزة الإنذار مثلا؟

- (تضحك) لا. لست امرأة مشهورة على هذا النحو. وأعيش حياتي على نحو خاص ولا أحاول أن أتصرف كنجمة، وليس عندي أي طموح في هذا الشأن. لكني ككل الناس الطبيعيين أقفل أبواب البيت دائما.