حرس الحدود.. أولى خطوط الأمن على المنافذ السعودية

إحباط دخول 159 ألف متسلل خلال ستة أشهر

أفراد حرس الحدود بجازان في صورة خاصة بـ«الشرق الأوسط» يقبضون على مهرب حاول التسلل عبر الحدود البحرية السعودية مع اليمن (تصوير: خالد الخميس)
TT

أطاحت دوريات حرس الحدود في جميع المنافذ السعودية التي تزيد على 33 منفذا، منها 15 منفذا بريا، ونحو 8 منافذ بحرية، بما يربو على 159 ألف متسلل من جنسيات مختلفة حاولوا بطرق متعددة الدخول إلى البلاد، فيما سقط في أيدي رجال حرس الحدود نحو 3328 مهربا فشلوا في إدخال كل الممنوعات، بما في ذلك الأسلحة، إلى الأراضي السعودية، وذلك خلال الأشهر الستة الماضية.

وأحبطت دوريات الحدود منذ منتصف نوفمبر (تشرين الثاني) وحتى مايو (أيار) للعام الحالي، بحسب إحصائيات رسمية أكثر من 125 ألف ذخيرة متنوعة، ونحو 7220 سلاحا متنوعا، وقرابة 98 إصبع تفجير (ديناميت)، إضافة إلى كميات كبير من المخدرات والحشيش والمواد المخالفة لجميع الأنظمة الدولية.

هذه الملاحقات والأعداد التي تسقط في قبضة دوريات حرس الحدود، والمواد الخطرة من أسلحة وذخيرة، تحتاج إلى قدرات وإمكانيات يعتمد عليها، في ضبط حدود السعودية، التي تتخذ أربعة أخماس شبه جزيرة العرب مساحة، وتقدر بأكثر من 2.250 مليون كيلومتر مربع.

ويرى مراقبون أن الزيادة في أعداد المتسللين للمملكة يعود لعدة عوامل، في مقدمتهما قوة واستقرار النظام الاقتصادي في البلاد، الذي يرتكز على الغاز الطبيعي والنفط، إذ تنتج السعودية قرابة سبعة ملايين برميل من البترول، وتملك احتياطيا يبلغ نحو 36.2 مليار طن، فيما تنتج قرابة 75.9 مليار متر مكعب من الغاز طبيعي باحتياطي يبلغ نحو 7919 مليار متر مكعب، علاوة على مساحة المملكة الشاسعة التي تفرز تنوعا جغرافيا، ينتج عنه تعدد في المهام والحاجة إلى العمل، الذي يسعى المتسللون إلى القيام به، ولعل أبسط الحلول تكمن في الانخراط في مهن بسيطة تعود بعوائد مالية كبيرة نوعا ما.

وتحتل السعودية المرتبة الأولى في إنتاج البترول واحتياطه، وخامسا في احتياط الغاز الطبيعي، في حين تحتل المرتبة التاسعة في إنتاج الغاز الطبيعي، إضافة إلى الأعداد الكبيرة التي تفد إلى البلاد لأداء مناسك الحج والعمرة، وهذه المقومات، وما تعيشه الكثير من دول العالم يزيد من أعداد الحالمين بالدخول إلى الأراضي السعودية، للكسب بطرق غير شرعية ومخالفة للأنظمة المحلية والدولية.

ولا يقف دور الحرس عند حماية الحدود البرية والبحرية والمواني، ومكافحة التهريب والتسلل من الداخل والخارج، وإرسال إشارات الإنذار المبكر عن أي تحركات غير عادية على خط الحدود أو بالقرب منه، مع ضبط الأمن داخل المواني والمرافئ البحرية، وإنما يلعب حرس الحدود دورا محوريا في البحث والإنقاذ في عرض البحر داخل المياه الإقليمية وخارجها، وإرشاد التائهين في منطقة الحدود البرية وتقديم العون لهم.

* البداية والتطور

* جاءت بداية إطلاق هذا الكيان، والبنية الأساسية لتشكيله وتطويره فيما بعد، عندما أنشأ الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن - رحمه الله - مراكز ودوريات للمراقبة البحرية والبرية، تتمثل في سفن شراعية صغيرة تسير بمحاذاة الشاطئ تساندها دوريات من راكبي الهجن لمراقبة السواحل في المنطقة الشرقية، وكان ذلك عام 1331هـ، وتطورت العملية بعد ثلاثة أعوام من البداية بتأسيس مصلحة خفر السواحل في غرب البلاد، وتحديدا في جدة على ساحل البحر الأحمر، وبدأ معها التنظيم الفعلي لأعمال الدوريات في المراقبة للمواني والمرافئ.

في عام 1347هـ وحدت الدوريات وأعمال المواني والمرافئ في جدة أعمالها في عام 1347هـ تحت قيادة واحدة باسم مصلحة «خفر السواحل في جدة»، وكان عملها مقتصرا على سواحل البحر الأحمر؛ إذ تقوم بأعمال الدورية مشيا على الأقدام، أو بواسطة الهجن، كما تنوع عملها في تفتيش المداخل والبراري ضمن حدود المملكة وضبط المهربات والممنوعات، فيما أسند إلى الدوريات البحرية التي تعتمد وسائط بحـرية بـدائية كـ«السنبـوك والهواري»، مراقبة السواحل ضمن حدود المياه الإقليمية للمملكة.

ومنذ ذلك التاريخ بدأت تتطور فكرة خفر السواحل إلى أن صدر قرار وزير الداخلية في عام 1399هـ بأن يناط بسلاح الحدود الذي تغير اسمه في السنوات الماضية - مسؤولية حراسة وحماية المواني البحرية كافة في المملكة بدلا من الأمن العام، وبعد 11 عاما عدلت اللائحة التنفيذية لنظام أمن الحدود، وفي سنة 1414هـ صدر المرسوم الملكي بالموافقة على قرار مجلس الوزراء بتعديل اسم «المديرية العامة لسلاح الحدود» إلى «المديرية العامة لحرس الحدود».

* منطقة مكة المكرمة

* تطل منطقة مكة المكرمة التي تقع على مساحة تزيد على 156 ألف كيلومتر مربع، ويقطنها نحو 7 ملايين نسمة، على البحر الأحمر من بوابة «جدة، والقنفذة، والليث، ورابغ» وهي منافذ بحرية تحتاج إلى مراقبة دائمة للسفن داخل وعلى حدود المياه الإقليمية للمملكة، إضافة إلى المراقبة الداخلية للشواطئ وقوارب الصيد، ورصد عمليات الصيد العشوائي لأنواع مختلفة من الكائنات البحرية.

ويقول العقيد بحري صالح الشهري متحدث حرس الحدود في منطقة مكة المكرمة، إن حرس الحدود جهاز أمني من أجهزة وزارة الداخلية، مهمته حراسة حدود المملكة البحرية والبرية من التهريب والتسلل وإنقاذ التائهين في الصحراء، وتتبع آثارهم والتبليغ المبكر عن أي تحرك مشبوه للجيش خلف حدود الدول المجاورة، إضافة إلى الحفاظ على الأمن في منطقة الحدود، وكذلك البيئة، كما يشمل ذلك الإنقاذ البحري بمختلف أنواعه.

وأردف المتحدث الرسمي أن حرس الحدود لديه دوريات بحرية وبرية على مدار الـ24 ساعة، كما يستخدم أجهزة متطورة في رصد أي تحرك في البحر أو البر، من ضمنها الكاميرات الحرارية التي تستخدم على نطاق واسع، وكذلك استخدام طائرات الأمن إذا دعت الحاجة، كما أن حرس الحدود لديه رادارات لرصد أي تحرك على خط الحدود.

وعن نوعية المخالفات التي يتم ضبطها في عرض البحر، قال العقيد بحري صالح الشهري إن المياه الإقليمية منطقة سيادة وطنية، وهناك قوانين ملزمة للجميع، ويتم ضبط صيادين من دول مجاورة خاصة «صيد الكوكيان، خيار البحر» والأسماك، ويتم إيقافهم، لافتا إلى أن دوريات حرس الحدود تقوم بواجباتها، وأي مخالف يطبق بحقه نظام أمن الحدود، التي تصل إلى مصادرة السفينة إذا كانت تحمل، على سبيل المثال، مخدرات، وسجن من قام بمثل هذه المخالفات.

وأكد العقيد الشهري أن عمليات المراقبة بكل الوسائل المتاحة والحديثة التي يمتلكها أفراد حرس الحدود، تمكنهم من ضبط المخالفات، وقد نجحت دوريات حرس الحدود في منطقة مكة المكرمة من القبض على مهربين للمخدرات على وسائط بحرية، وكان بحوزتهم الحشيش المخدر، ولم يتم القبض في منطقة مكة المكرمة على متسللين يلجأون للمنافذ البرية، مشيرا إلى أن العمل التكاملي يسهم بشكل كبير في ضبط الجناة ورصد تحركاتهم.

وعن دور حرس الحدود في مناطق التنزه والسباحة، قال العقيد الشهري إن جميع مناطق السباحة المسموح بها يوجد بها فرق إنقاذ ومراقبون على مدار 24 ساعة، على سبيل المثال شاطئ إسكندرية وشاطئ جنوب جدة (صروم) وكذلك شاطئ الليث والقنفذة ورابغ، ويتم مراقبتها وتوعية المتنزهين عن مواقع الخطر، كذلك لدى حرس الحدود غواصون من الدرجة الأولى، موجودون في كل مركز من مراكز حرس الحدود، إضافة إلى فرق بحث وإنقاذ في كل القطاعات، وتمت الاستعانة بهم في عدة أحداث كبيرة، مثل سيول جدة الأولى والثانية، وتم انتشال العديد من الحالات في معظم أودية المملكة؛ إذ إنهم مجهزون بتجهيز احترافي في مجال الإنقاذ المائي.

وأشار العقيد الشهري إلى أن دور حرس الحدود متنوع ومتشعب؛ فهو يقوم بالأدوار الخارجية والداخلية لحماية البلاد، ومن تلك الأدوار مراقبة قوارب الصيد والتأكد من توفر كل اشتراطات السلامة، والتصاريح اللازمة التي تخوله قيادة هذه القوارب، وتم خلال الفترة الماضي ضبط مخالفات على ملاك القوارب والصيادين، وهناك نظام يحدد تلك المخالفات بغرامات مالية وإيقاف.

وحول ما تقوم به المجندة في حرس الحدود في منطقة مكة المكرمة، أكد العقيد الشهري أن دورها هام ومتميز في حرس الحدود، إذ تقوم بتفتيش المسافرات عبر ميناء جدة الإسلامي، ضمن أداء ومهام حرس الحدود في مراقبة المواني، وتعامل كما يعامل العسكريون من الرجال في جميع المزايا والترقيات.

* منطقة جازان

* جازان المنطقة الجنوبية الغربية للمملكة، والأصغر مقارنة بمناطق البلاد؛ إذ تبلغ مساحتها الإجمالية أكثر من 40 ألف كيلومتر مربع، وتحتضن رغم صغر مساحتها قرابة 80 جزيرة على البحر الأحمر بمساحة تصل إلى 702 كيلومترا مربعا، وتعتبر جازان أحد أهم المواقع السياحية على الخارطة السعودية في موسم الشتاء.

وتواجه جازان لقربها مع دول مجاورة، تدفق المتسللين بأعداد كبيرة تصل إلى 800 متسلل في اليوم الواحد، وتزداد هذه الأعداد في مواسم رمضان وعيد الفطر، وتتعامل دوريات مع هذه الأعداد وفق استراتيجية ومراقبة دائمة، مستخدمة في ذلك الأبراج الحرارية والأجهزة اللاسلكية لضبط الحدود مع الدول المجاورة.

وقال العقيد عبد الله بن محفوظ الناطق الإعلامي لحرس الحدود في منطقة جازان، إن دوريات حرس الحدود في منطقة جازان تقوم بدور مكثف لمراقبة الحدود التي تبدأ من الحتة وتنتهي في منطقة عسير، مستخدمين في ذلك كل وسائل التقنية، والأبراج الحرارية، والدوريات الأمنية المجهزة بكل وسائل الاتصال.

وأشار العقيد بن محفوظ إلى أن عمليات المراقبة للحدود تكون على مدار الساعة من قبل الدوريات، خاصة في فترات الذروة التي تكون في رمضان بخروج العمالة المخالفة لنظام الإقامة من البلاد إلى الدول المجاورة، فيما ترتفع أعداد المتسللين للأراضي السعودية بعد عيد الفطر مباشرة في محاولة من المتسللين لكسب هذه الفترة التي تشهد عودة العاملين في كل القطاعات للعمل.

وعن المراقبة اليومية للنقاط الحدودية والأعداد التي يتم ضبطها، أكد الناطق الإعلامي لحرس الحدود في منطقة جازان، أن عمليات المراقبة تتم وفق استراتيجية واضحة ودائمة، ويتم ضبط نحو 800 متسلل يوميا، من الجنسية اليمنية، تليها الجنسية الأفريقية، ومن ثم تختلف الجنسيات وأعدادها بحسب ما يتم ضبطه في اليوم وخلال الشهر.

وأضاف العقيد بن محفوظ أن عمليات المراقبة للحدود يسقط فيها الكثير من المتسللين والمهربين، إلا أن إجراءات التفتيش والضبط تختلف في كل الحالات، فإن ثبت أن القادم لا يحمل أيا من الممنوعات المحرمة دوليا، ويمتلك جواز سفر أو إثبات هوية، تؤخذ بصماته ويتم ترحيله للجهة التي قدم منها، وفي حال تم ضبط أسلحة بحوزته، أو مخدرات، وغير ذلك من المخالفات القانونية يتم إرساله لجهات الاختصاص للتحقيق معه وتطبيق الأنظمة المعمول بها في المملكة.