دارة الملك عبد العزيز تكمل التوثيق وتدرج التحولات الاقتصادية والثقافية للتاريخ السعودي

مشروع يرصد تطور سيمياء المجتمع المحلي

تتطلع دارة الملك عبد العزيز إلى إثراء الحركة العلمية التاريخية بإضفاء الجوانب المكملة للتاريخ بعدما وثقت التاريخ السياسي السعودي («الشرق الأوسط»)
TT

تتحضر دارة الملك عبد العزيز لإطلاق المشروع العلمي «توثيق الحياة الاجتماعية والاقتصادية والثقافية في السعودية»، وتسعى من خلاله لضم الجهود المحلية المتفرقة الفردية والمؤسساتية إلى جهودها الميدانية في هذا المضمار في مشروع توثيقي واضح، يخدم الحركة العلمية التاريخية، ويكمل عقد التاريخ السعودي بعد إضافته إلى التاريخ السياسي الذي يحتاج مزيدا من التحليل بعدما دونت كل تفاصيله وأحداثه ووقائعه.

ويشكل المشروع الذي سينطلق خلال الفترة القريبة المقبلة، أهمية قصوى لرصد وتوثيق جوانب الحياة الاجتماعية والاقتصادية والثقافية بالسعودية، ويرصد التفاعلات البينية بين الدوائر الثلاث، للخروج بسبر تاريخي لتطور السمات الاجتماعية والسلوكيات العامة، داخل البنى المجتمعية الصغيرة والكبيرة، ومستويات الثقافة والاقتصاد عبر تاريخ البلاد.

ويقف خلف المشروع الكبير على مستوى منهجه ومستوى جغرافيته وعمق تاريخيته الأمير سلمان بن عبد العزيز ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع السعودي رئيس مجلس إدارة دارة الملك عبد العزيز، حيث تعود إليه نجاحات الدارة العلمية وتطورها في مجال البحث العلمي التاريخي والجغرافي والأثري الوطني.

وتعقد دارة الملك عبد العزيز الآمال في تنفيذ مشروع يليق بتلك التبدلات والتغييرات في سمات المجتمع السعودي، بعد مرور أكثر من قرن وعقد من الزمان على نشأته، بداية من الشخصية السعودية الإنسانية، إلى الأثر الاجتماعي والاقتصادي والثقافي المشترك على تلك الشخصية وإضافاتها الحضارية إلى تاريخ المنطقة والإقليم والعالم، والتطور المدني المرئي وغير المرئي وتفاعل الإنسان السعودي اجتماعيا وثقافيا واقتصاديا معه.

وبينما يحاول باحثون من داخل السعودية ومن المنظمات العلمية الإقليمية الشاملة لعضوية الدارة دفعها بالتحفيز والتشجيع للبدء في تنفيذ المشروع، فإن الدارة رأت تنظيم ورش عمل يشارك بها متخصصون وخبراء سبقوا بصورة فردية أو ضمن مؤسسات بلدانهم العلمية، بتنفيذ مشروع مماثل وخبروا جوانب تطبيقية يمر بها مثل هذا العمل العلمي الطموح، وحققت الدارة من هذه الورش المحلية والدولية التي نظمتها في الرياض وجدة الهدف المطلوب بالوقوف على العوائق التي قد يواجهها النشاط الميداني للمشروع.

واستطاعت من خلال استقصاء آراء كثيرين من المتخصصين المؤهلين بناء منهج موحد وواضح المعالم لخطوات هذا العمل العلمي والوطني الكبير، حتى يتحقق استثمار الوقت وتجنب إهدار الجهد والمال، والوصول بنوعية هذا التوثيق إلى أقصى درجات الكفاءة والكفاية العلميتين بعد بناء نقطة انطلاق قوية وإيجابية، خصوصا أن مثل هذا المشروع بحجمه يعد مشروعا رائدا.

وتحمل الدارة تجربة سابقة تؤهلها للتصدي لهذا التوثيق، تكمن في مشروع توثيق المصادر التاريخية في السعودية، إذ إن هذه التجربة العريضة والمشهودة أثرت رصيد الدارة الميداني بكثير من الخبرة والدراية في التعامل مع الجمهور ومعطيات واقع البيئات المختلفة والاقتصاد في التكلفة المعنوية والعلمية والمالية.

يشار إلى أن المشروع يهدف إلى توثيق الحياة الاجتماعية والاقتصادية والثقافية في السعودية بتنوعاتها الثلاثة والاستفادة من التنوع الاجتماعي (أنظمة اجتماعية) والبشري في تنوعه الجغرافي (مناطق جغرافية متنوعة) والتنوع الثقافي (قيم وعادات وتقاليد وممارسات ثقافية متنوعة في المناسبات المختلفة) بشكل واقعي وصحيح على مستوى مناطق الوطن وخصوصياتها الشعبية والثقافية والتراثية المختلفة.

ويتوقع وفق مخرجات ورش العمل السابقة وأيضا تصور اللجنة العلمية في الدارة، أن يسلك المشروع سبلا واضحة وعامة مستعينا بآليات عمل معينة مثل دعوة من لهم تجارب سابقة في توثيق أحد تلك الجوانب الثلاثة أو فروع منها ويمتلكون منهجا علميا محكما، وكذلك ضرورة تحقيق شمولية المشروع وأعماله ونتائجه لمناطق المملكة العربية السعودية ثم الربط بينها.

وستفتح الدارة ثلاثة مسارات متوازية أثناء تنفيذ المشروع الميداني الذي من المخطط له أن يكمل أربع سنوات منذ سنة الانطلاق، الأول مع أجهزة الدولة ممثلة في الوزارات ذات الاختصاص، والمسار الثاني مع المؤسسات التعليمية والعلمية، وعلى رأسها الجامعات السعودية وخاصة الأقسام التي لها علاقة بالتراث الاجتماعي والثقافي، والمسار الثالث من خلال الخبرات المحلية والإقليمية والعالمية، بحيث يتم الاستئناس بآرائها في المنهجية عند البدء في مراحل التنفيذ المختلفة وأيضا الاستعانة بهذه الخبرات في التدريب المستمر للباحثين والمشاركين في جمع المعلومات.

وستقوم الدارة أثناء وبعد هذا المشروع ببناء قاموس إلكتروني تصحح من خلاله الكثير من المفاهيم والمصطلحات الاجتماعية والثقافية بتغذية راجعة من المشروع نفسه، كما تطور الدارة برنامجا حاسوبيا يتناسب مع أهداف المشروع بحيث يسهل عمليات الجمع والتحليل والمقارنة والعرض والتطوير حسب الحاجة، يقوم عليه خبراء برمجة يستطيعون أن يطوعوا التقنية لخدمة التراث.

وكانت قد قسمت الدارة البناء الاجتماعي والاقتصادي والثقافي المكون للمجتمع السعودي إلى اثني عشر نسقا كبيرا، تندرج تحت كل نسق عناصر تفصيلية وجوانب مادية ومعنوية يقوم المشروع بدراسة مسحية اجتماعية إنثرولوجية تاريخية موثقة لكل جانب، مع الأخذ بالاعتبار التداخل الحتمي والطبيعي بين العناصر كلها والتأثير البيني لمكونات البناء الاجتماعي الكلي، وكذلك الأخذ بأهمية كبرى تغير الحيز المكاني والبيئي من منطقة جغرافية لأخرى، والتحديث الزماني لكل مكون منذ ظهور الدولة السعودية عام 1744.