جهات حكومية تباشر سحب المشاريع المتعثرة وإيجاد الحلول لمعالجتها

يتركز 90% منها في قطاع المقاولات وتقديرات ببلوغها تريليون ريال خلال 4 سنوات

أحد مشاريع البنية التحتية في العاصمة السعودية الرياض (تصوير: خالد الخميس)
TT

باشرت الجهات السعودية المختصة ظاهرة تعثر المشاريع بخطوات ملموسة على الأرض، تتمثل في سحب المشاريع المتعثرة من المقاولين، وإسنادها إلى مقاولين آخرين، في الوقت الذي يشتكي فيه قطاع المقاولات من مشاكل تتعلق بعدم وفرة الأيدي العاملة، مطالبا بتمديد مهلة تصحيح أوضاع العمالة المقررة نهايتها الأربعاء المقبل.

وبعد انتشار ظاهرة تعثر المشاريع وتقدير المختصين لحجم الخسائر المادية بتريليون ريال سعودي في مدة لا تتجاوز الأربع سنوات، واجهت الحكومة السعودية هذه الظاهرة بكل حزم وجدية، من خلال موافقة مجلس الوزراء على الترتيبات الخاصة بمعالجة تأخر أو تعثر مشروعات الجهات الحكومية التنموية والخدمية، مطالبا بالإسراع في وضع الآليات اللازمة التي تمكنها من الارتقاء بإدارة مشروعاتها بما يضمن إنجازها وفق البرامج الزمنية المحددة لها.

في هذا السياق أوضحت دراسة بحثية مختصة أن حالات تعثر مشاريع الدولة يتركز 90% منها في قطاع المقاولات، حيث يعتبر قطاع المقاولات من أكثر القطاعات الحيوية التي تضخ فيها الدولة أموالا للارتقاء بالبنية التحتية وتهيئتها في السنوات الأخيرة.

وفي ذات السياق بين لـ«الشرق الأوسط» المهندس جمال برهان عضو هيئة المهندسين أن قرار مجلس الوزراء طالب الجهات الحكومية بالإسراع في وضع الآليات اللازمة، ورفع التقارير الدورية كل ستة أشهر إلى اللجنة الدائمة المشكلة في الديوان الملكي لمتابعة ومراجعة تنفيذ المشروعات تتضمن بيانا بالمشروعات المعتمدة وإيضاح ما أنجز منها وما هو تحت التنفيذ وما لم ينفذ بعد.

وأشار إلى قطاع المقاولات، وأنه يعاني من قدم الأنظمة الحكومية المنظمة له في تصنيف المقاولين الذي يتطلب إعادة النظر فيه وتخصيص تصنيف لمقاولات المساكن، وتشجيع الشباب ودعمهم للعمل في هذا المجال خاصة مع أزمة الإسكان التي تعيشها المملكة والمرتبطة بقصور قطاع المقاولات المتوسطة والصغيرة في مقاولات الإسكان، إضافة إلى خلو الأنظمة الحكومية من إجراءات رادعة في تعثر المشاريع ومحاسبة للمقاولين المتلاعبين بالمشاريع.

ولفت إلى أن السعودية من أكبر أسواق المشاريع الكبرى على مستوى العالم، وقاربت قيمة المشاريع التي تم إنشاؤها في 2011 نحو 250 مليار ريال، بزيادة بلغت 6% عن العام الذي قبله 2010. وارتفعت منذ عام 2012 حتى الآن إلى أكثر من 300 مليار ريال، وقدر إجمالي حجم المشاريع المتعثرة خلال الأعوام الثلاثة إلى الأربعة الماضية بما يقارب تريليون ريال.

وعن تعثر المشاريع بين المهندس جمال برهان أن المشاريع في السعودية ترتبط بمنظومة من الأسباب من بينها لجوء بعض الجهات الحكومية إلى عقود التصميم والتنفيذ في مشاريع ضخمة وهذا النوع من العقود مليء بالثغرات السلبية التي تؤدي إلى تعثر المشاريع.

وبين أن أكثر الأسباب المثيرة للجدل التي نوقشت هي مقاولات الباطن، وارتباط ذلك بالتستر التجاري والفساد الذي يؤدي إلى تداعيات كثيرة في الفساد الإداري والمالي والتلاعب بعقود ومواصفات وجودة تنفيذ المشاريع.

وربط المهندس جمال برهان عضو هيئة المهندسين تعثر المشروع بالتأخر في الانتهاء من تنفيذه خلال الفترة المحددة لإنجازه في العقد، مبينا أن توقف تنفيذ المشروع يعود لأسباب مبررة أو غير مبررة ومنها قصور المقاول ذاته، أو عوامل أخرى تتمثل في ثلاثة مرتكزات رئيسة إدارية، فنية ومالية.

وبين أن المشاريع المتعثرة بالمملكة تخطت أعدادها وقيمها وأحجامها المعدلات المقبولة، مما ينذر بظهور الكثير من الآثار السلبية على المستويين الاجتماعي الاقتصادي ويؤثر بشكل كبير على التنمية وتقديم الخدمات للمواطنين.

وكانت إدارة التربية والتعليم بمنطقة تبوك أصدرت قرارا بسحب 23 مشروعا تعليميا متعثرا من مؤسسات وطنية لم تلتزم بأعمالها ولا بالوقت المحدد في تنفيذها للمشروعات، إضافة إلى سحب الإدارة العامة للتربية والتعليم بمنطقة المدينة المنورة ممثلة في إدارة المباني 19 مشروعا تعليميا ومدرسيا من مقاولين تأخروا في تنفيذها.

ويرى برهان أن ظاهرة المشاريع المتعثرة جديرة بالاهتمام مع خطوات الإصلاح ومكافحة الفساد بالمملكة والتي وجه خادم الحرمين بضرورة الاهتمام بها، من خلال موافقة مجلس الوزراء على الترتيبات الخاصة بمعالجة تأخر وتعثر مشاريع الجهات الحكومية التنموية والخدمية.

إلى ذلك كشفت الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد (نزاهة) الغطاء عن 460 مشروعا صحيا متعثرا في المملكة، مما دفعها لمساءلة وزارة الصحة وطلبها إجراء التحقيق مع المتسببين في تأخير المشروع، وإيقاع الجزاءات بحقهم، وإفادتها بما يتم اتخاذه من إجراءات وخطتها في إكمال المشروع بما يحقق استفادة المواطنين من خدمات المراكز الصحية بمختلف مناطق ومحافظات ومراكز المملكة، منوهة في خطابها إلى ضعف متابعة مديريات الشؤون الصحية في المناطق الذي كان له دور في إكمال هذه المشاريع في الوقت المحدد.

وسحبت وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد، عمليتي توسعة وترميم مسجدين في الرياض وملحقاتهما من المقاول المتعاقد معه لتنفيذ العمليتين، الأولى تتضمن ترميم وتوسعة مسجد أسامة بن زيد في حي السويدي، والثانية ترميم دورات مياه مسجد بن طالب في حي منفوحة في الرياض.

يذكر أن سحب هاتين العمليتين يرفع أعداد المشروعات التي سحبتها الوزارة ممثلة في وكالتها للشؤون الإدارية والفنية من المؤسسات والشركات التي تم التعاقد معها على 12 مشروع.

ويرى المهندس جمال برهان أن تعثر المشاريع أصبح في الآونة الأخيرة يرتبط بالمركزية في الوزارات والجهات الحكومية، والحاجة إلى التنمية المناطقية في الإدارة والتنفيذ والمراقبة والمحاسبة.

وبين أن في السعودية 13 منطقة و104 محافظات وتعيش نموا سكانيا عاليا وهي شبه قارة من حيث المساحة، وأنه لا يمكن تحقيق احتياجات المناطق الخدمية من خلال مركزية الوزارات وتعثر المشاريع، دون أن يكون هناك دور تنموي فاعل للإمارات والمحافظات، مقارنا ذلك بدول العالم التي لا تصل مساحتها لا بربع مساحة السعودية مثل ألمانيا ويتم إدارتها من خلال التنمية المناطقية في كل منطقة ومقاطعة، ووجود أكثر من وزارة وأكثر من وزير للصحة وللتعليم.

وأوضح أن التنمية المناطقية تخلق التنافس الإيجابي بين المناطق وتقضي على تعثر للمشاريع، مقترحا أن تكون هناك هيئة للمشاريع في كل منطقة تشرف على تنفيذ المشاريع الحكومية في محافظات ومدن وقرى المنطقة، تعتمد لها ميزانية مستقلة لمشاريع كل منطقة بالتنسيق مع الوزارات والجهات الحكومية وإمارات ومحافظات المناطق، وأن يكون للهيئة المناطقية المختصة في المشاريع، دور في تنمية وتطوير قطاع أعمال المقاولات في كل منطقة وسوف يخلق ذلك المنافسة الإيجابية بين المناطق في إنجاز المشاريع والمشاركة في التنمية المستدامة.

من جهة أخرى يرى رائد العقيلي نائب رئيس لجنة المقاولين في الغرفة التجارية في جدة أن ليس كل مشروع متعثر يجب سحبه من المقاول، موضحا أن المشروع المتعثر هو المتوقف تماما عن العمل والمتأخر عن الجدول الزمني.

وبين أن كل المقاولين ملزمون بوضع لائحة إلكترونية تحدد الوقت المتبقي من المشروع، إلى جانب التزامه بالجدول الزمني وجودة وتكلفة المشروع، معتبرا هذه العوامل الثلاث من أهم عوامل إنجاح المشروع، وأن الإخلال بأحد هذه العناصر سيخل في فترة اكتمال المشروع وبالتالي ستؤدي إلى توقفه وتعثره.

وعن الأسباب المؤدية لتعثر المشاريع أوضح العقيلي لـ«الشرق الأوسط» أن بعض الأسباب لا تعود بالضرورة على المقاول، وأنها تعود في بعض الأحيان إلى المالك ومنها التأخر في دفع المبالغ المادية الملتزم بها، أو تعود إلى أمور تعاقدية كأن تكون العقود غير واضحة والمواصفات غير مكتملة، أو أسباب فنية مثل عدم وجود عمالة أو التمويل اللازم من خلال تأخر تسليم الدفعات المالية التي تم الاتفاق عليها.

ورفض العقيلي تأييد فكرة سحب المشروع من المقاول إلا إذا كان آخر الحلول، مشيرا إلى التكلفة الكبيرة والمدة الزمنية الطويلة المطلوبة لإرساء المشروع على مقاول آخر بمواصفات جديدة تستدعي عروضا، وأن سحب المشاريع من المفترض أن لا تتم إلا إذا تثبت تقصير المقاول، وهي حالة نادرة.

من جهته، دعا خلف العتيبي رئيس الاتحاد العالمي للتجارة والصناعة رئيس لجنة البناء والتشييد عضو اللجنة الصناعية بغرفة جدة، وزارة العمل إلى سرعة الرفع للمقام السامي لتمديد مهلة تصحيح أوضاع العمالة المخالفة التي تنتهي في الرابع والعشرين من شهر شعبان الجاري، وأكد أن عدم تمديد المهلة سيصيب القطاع الخاص بحالة من الإحباط وسيؤدي إلى تعطيل الكثير من المشاريع.

وقال العتيبي «برهن القطاع الخاص على حسه الوطني الكبير وتجاوب مع قرارات وزارة العمل وأسرعت جميع المؤسسات والمنشآت في تصحيح أوضاع العمالة، لكن كثيرا من المعاملات تأخذ وقتا طويلا وهناك زحام في جميع الجهات ذات العلاقة نتيجة حصر التصحيح في وقت قصير، لا سيما أن الوزارة لم تصدر الضوابط إلا بعد مرور ستة أسابيع من بداية المهلة، الأمر الذي قلل من فرص الجميع في إنجاز كل معاملاتها، رغم أن جميع الجهات ذات العلاقة عملت بشكل متناسق للاستثمار المنحة الملكية والاستفادة من التسهيلات الاستثنائية غير المسبوقة».

وأضاف: «هناك مشكلة أخرى تواجه شركات المقاولات والكثير من الشركات التي تضم عمالة كبيرة، فالنظام لا يسمح بتسجيل الموظف السعودي إلا بعد ثلاثة أشهر، في حين يؤدي تصحيح الأوضاع إلى زيادة العمالة الأجنبية وانتقال بعض المؤسسات من النطاق الأخضر إلى الأصفر والأحمر، الأمر الذي سيساهم في تعطيل مصالح هذه المنشآت ووقف العمل بها، إذا لم يتم تمديد المهلة والنظر في مطالب القطاع الخاص».

وشدد العتيبي على أن رجال الأعمال والشركات الكبيرة يواجهون إشكالية فيما يتعلق بتصحيح أوضاع العمالة؛ لأن الجوازات ووزارة العمل تشترط ألا تزيد المبالغ المالية المسددة للرسوم عن 20 ألف ريال يوميا فقط، مشيرا إلى أن هذا المبلغ قد لا يكفي في بعض الأحيان إلا لثلاثة أو أربعة فقط إذا كان هناك نقل كفالة لثلاث مرات، أو تعديل مهنة، أو وجود مرافقين.

وشدد على أن تمديد المهلة حتى نهاية العام الهجري الحالي على أقل تقدير تتيح الفرصة لإنهاء أوضاع العمالة المقيمة والمخالفة، مشيرا إلى أن مكتب العمل والعمال لم يتجاوب مع هذا الأمر بالصورة المأمولة.

ويرى أن إلزام صاحب العمل بالمراجعة بنفسه عطل مصالحهم، لا سيما أن المعقبين يطلبون مبالغ مالية كبيرة لإنهاء معاملاتهم، كما تواجه أصحاب الشركات والمؤسسات إشكالية كبيرة تتمثل في إحضار شيك مصدق من مؤسسة النقد العربي السعودي بالمبلغ المطلوب إذا كان المقيم من أصحاب الجوازات القديمة، حيث ساهم هذا الإجراء في تعطيل العمل.