طوارئ في مسلسلات رمضان

«خيبر» و«العراف» و«نقطة ضعف» تتصدر القائمة

عادل إمام يعود لشاشة رمضان بـ«العراف»
TT

منذ سنوات قريبة أصبح الحضور التلفزيوني للمسلسلات الخاصة بشهر رمضان الكريم أكثر اختلافا، حتى لا نقول تميزا، عما كان عليه من قبل.

دائما، في الواقع، كان للاحتفاء بالشهر الكريم تلفزيونيا، وضع مختلف. الجيل الأسبق يؤكد أن التقليد بدأ إذاعيا على أثير محطّات مثل «الشرق الأوسط» و«القاهرة» و«صوت العرب»، لكن حتى وإن كان ذلك صحيحا فإن ما أضافته الصورة العربية للاحتفاء الدرامي (أو الكوميدي) بشهر رمضان لا مثيل له في معظم أنحاء العالم.

نحن لا نجد، مثلا، مسلسلات خاصّة بمناسبة ما، دينية أو غير ذلك. طبعا تقوم محطّات بتخصيص برامج لأيام رأس السنة والعيد الميلادي قوامها نقل حفلات دينية أو رفع جرعة الأفلام التاريخية المستعارة من الأرشيف السينمائي، لكن ليس هناك إنتاج لمسلسلات تلفزيونية تعرض على مدى ثلاثين يوما متتابعة كما الحال عندنا. فإذا أضفت إلى ذلك برامج المنوّعات والفوازير، فإنه - ومن زاوية إنتاجية بحتة - هناك موسم فعلي قائم بحد ذاته لا ينتمي إلى أي موسم آخر ولا يشابهه أي موسم آخر.. والجمهور مقبل.

كالعادة، لا تكترث محطّات التلفزيون لتوفير نسب مشاهديها لا في شهر رمضان ولا في سواه، وليس هناك من إحصاء علمي مستقل يرصد البرامج أسبوعيا ليجد أيها أكثر نجاحا أو ليشكل «توب تن» من بينها، إلا أن هناك مسلسلات تسود في كل عام عن سواها وهي ما لا بد من أن تعتبر الأنجح بين المنتج من هذه الأعمال.

أحد أكبر النجاحات في العام الماضي، إذا لم يكن أكبرها فعلا، هو مسلسل «عمر» الذي سرد، وبجرأة ملحوظة، حياة الخليفة عمر رضي الله عنه مع تشخيص فعلي من ممثل هو سامر إسماعيل. محطة mbc واجهت في سبيل إطلاقه الكثير من الاعتراضات لكنها أصرّت وحققت ما أرادت تحقيقه منجزة بذلك نجاحا كبيرا كونها المرّة الأولى التي يخرج بها مسلسل ديني عن التقليد والمألوف فيظهر شخصيات الصحابة والخلفاء الراشدين وجها لوجه. أمر يكشف عن جانب آخر وهو أنه لو كان المسلسل كُتب وصُنع كفيلم سينمائي لما تمكن أحد من تنفيذ لقطة واحدة منه. السبب يكمن في أن الإعلام والمثقفين والكثير من رجال الدين وغالبية الجمهور معا لديهم ميزانان مختلفان واحد يكيلون به المادة التلفزيونية فإذا بها مسموحة، وأخرى يزنون بها المادة السينمائية، فإذا بها ممنوعة.

عرض وطلب من ناحية أخرى، لا يمكن توقع إنتاج مسلسل تاريخي بذلك الحجم مرّة كل عام ضمن ظروف الصناعة ذاتها. يمكن الحلم بذلك أو يصح التمني لكن إنجاز مثل هذا المسلسل سنويا من دون هبوط في المستويات الفنية أو الدرامية أو الإنتاجية هو أمر عسير ولو أنه ليس مستحيلا.

كما هو الواقع حاليا، فإن تكلفة المسلسل الواحد تتراوح بين 50 ألف دولار، إذا ما كان محدود الخامات والطموحات، و200 ألف دولار بالنسبة للمسلسل الكبير حجما وطموحا. ثم هناك الأكبر والاستثنائي، كما الحال مع المسلسل الجديد لعادل إمام، وعنوانه «العراف» وكما كان حال مسلسل «عمر» في العام الماضي. كل منهما تم إنجازه بميزانية وصلت إلى حدود العشرة ملايين دولار أو تجاوزته. وفي ظل غياب القدرة على إنتاج أعمال ضخمة واستثنائية، فإن البديل الطبيعي هو توالي المسلسلات الدرامية والكوميدية. وهو ما نلاحظه أكثر من سواه فيما ستوفّره المحطات التلفزيونية هذا العام.

خليجيا، على سبيل المثال، هناك أكثر من مسلسل كوميدي (حيث الكوميديا هي الأقرب عادة إلى القلوب والأسهل تسويقا من سواها) بينها «البيت بيت أبونا» الذي يقود بطولته حياة الفهد وسعاد عبد الله وإبراهيم الصلال و«أبو الملايين» من بطولة ناصر القصبي وعبد الحسين عبد الرضا. لكن الأمر لا يخلو من دراميات مثل «أي دمعة حزن لا» و«توالي الليل». الأول مع زهرة عرفات وخالد أمين والثاني من بطولة سعد الفرج وإبراهيم الحساوي. والقنوات العارضة لهذه المسلسلات هي «الراي» و«إم بي سي» و«الكويت» و«أبوظبي» غالبا.

وهناك سبب في أن الخطاب في المسلسلات الخليجية يبقى محليا غير قادر على الخروج من المنطقة وهو أن الإقبال عليها خارج منطقة الخليج ما زال محدودا تماما وفي حالات كثيرة معدوم نظرا للتوزيع السكاني والديموغرافي نفسه، وذلك على عكس المسلسلات السورية والمصرية التي اعتادت تجاوز الحدود الجغرافية بفضل قانون العرض والطلب ونسبة لكونها شقّت طريقها منذ سنوات بعيدة عندما ازداد الطلب على المسلسلات السورية من دون أن يخف عن تلك المصرية أيضا.

هذا العام هناك مزيج من الأعمال المنتجة سوريا، مثل «سكر وسط» الذي كتبه مازن طه من بطولة عبّاس النوري وصباح الجزائري، و«صرخة روح» من كتابة فادي فوشقجي وبطولة بسام كوسا وعباس النوري ثم «طاحون الشر 2» وهو أيضا من بطولة بسّام كوسا مع أسعد فضّة ووفاء موصللي، وكلها متوجهة إلى تلفزيونات خليجية مثل «إم بي سي» و«دبي» و«أبوظبي».

هذه الأمثلة، ومعظم ما تأكد إنجازه من أعمال سوريا لشهر رمضان، مثل «ياسمين عتيق» و«قمر الشام» و«لعبة الموت»، من النوع الدرامي والحكم عليها لن يخلو من النظر إلى قيمها الفنية والإنتاجية في ظل الوضع المؤلم السائد في سوريا اليوم.

«لعبة الموت» (من كتابة ريم حنا) هو أحد أكثر هذه المسلسلات عملا على الأسلوب الفني. دراما عاطفية حول فكرة أن يؤدي الحب إلى الموت يضم الممثلة اللبنانية سيرين عبد النور والسوري عابد فهد. والثابت هو أن في سعي الإنتاج السوري للخروج من حالة الحصار السياسي القائم، عمد إلى تصوير مسلسلاته في الخارج بما فيها استوديوهات خليجية. هذا ما شكّل عاملا أساسيا وراء استمراريتها في سنة تميّزت باضطراب الوضع وتأثيراته على الإنتاج المنفذ بكامله محليا.

«إيه المسخرة دي»؟

الحضور الأهم للمسلسل التاريخي - الديني يعبّر عنه «خيبر» عن كتابة يسري الجندي وإخراج محمد عزيزية، وهو يدور، فيما يدور، حول الصراع بين المسلمين واليهود في شبه الجزيرة العربية عند فجر الإسلام وما بعد وكيف ساهمت المحاولات للتفرقة بين العرب في تعجيل نهاية يهود خيبر. متابعة الإعلان الترويجي على الإنترنت لا تشي بوجود أي إنجاز إنتاجي أو فني كبير، بل العمل على تقاليد المسلسل التاريخي المعتاد حيث الغلبة للمواقف المنفّذة حسب المعهود تمثيلا وإخراجا. على أن هذا لا يمنع من احتمال أن يجد المسلسل نجاحا كبيرا بين المشاهدين إذ تعرضه محطة «دبي» كواحد من عشرة مسلسلات درامية جديدة، إن لم يكن بسبب الأسماء التي تزيّنه تمثيلا (في مقدّمتهم أيمن زيدان وأحمد ماهر وسامح السريطي) فلخلو شهر رمضان من هذا النوع من المسلسلات هذه السنة.

مصريا، الأوضاع المحتدمة منذ عامين تركت تأثيرها على العدد المنتج من البرامج هذا العام. من خمسة وستين مسلسلا تم تنفيذه في سنة 2012 إلى نحو 35 مسلسلا فقط. وعلى عكس المتوقع فإن الأحداث التي تشهدها مصر (كما سواها) لم تؤد إلى الرغبة في تنفيذ أعمال لها علاقة مباشرة بتلك الأوضاع، بل اكتفت الكثير من المسلسلات بإشارات - أحيانا خجولة - لما يحدث.

ربما هذا ما يفسر وجود مشاهد كثيرة لملتحين في عدد ملحوظ من المسلسلات المصرية من دون أن تتحدّث تحديدا عن الوضع السياسي أو الديني السائد أو عن الإخوان المسلمين كما كان الحال في العام الماضي. في «نظرية الجوافة»، وهو مسلسل كوميدي من بطولة إلهام شاهين في دور طبيبة نفسية نرى لمحات هزلية في عدّة حلقات. في إحداها نشاهد شابا ملتحيا يخرج من شقّته في إحدى العمارات وبجانبه سافرة تبدو كما لو كانت على علاقة معه، ولو أن هذا لا يمنعه من الصراخ متهما جيرانه بعبارة «إيه المسخرة اللي فوق دي؟».

على ذلك، هناك مسلسلان على الأقل يتعاملان والظاهرة عن قرب وعن قصد. أحدهما هو «الداعية» الذي كتبه مدحت العدل وأخرجه محمد العدل وتم إسناد واحد من الأدوار الرئيسة لسامي العدل. في هذا الفيلم تناول لشاب ملتح (يقوم به هاني سلامة) يمر بمرحلة انتقالية فهو يتديّن لكن تديّنه ليس وفق الجماعات المتطرّفة التي يقول له متحدث بلسانها مهددا: «يا إما تكون سيف معانا أو تكون سيف علينا».

من ناحيته، يقدم عادل إمام نقده اللاذع في هذا المجال وذلك في مسلسل «العرّاف» والمنتظر له أن يشهد نجاحا كبيرا نظرا لنجوميّته غالبا، لكن أيضا - وعلى نحو خاص - نتيجة التماس الساخن الذي وقع بينه وبين جماعة الإخوان عندما اتهم بأنه معاد للدين. المسلسل هو «العرّاف» والإخراج لابنه رامي إمام. والشخصية هي ذاتها في الكثير من أعمال إمام السابقة: متّهم بريء، مشاكس ومحب للنساء. يقول للمحقق «أنا أصلي بخدم لوجه الله، بس ده ما يمنعش كم بوسه هنا، كم بوسه هناك»، وفي الإعلان نراه (وهو ابن الثالثة والسبعين) وهو يقبل فتيات لم يبلغن العشرين سنة من العمر. مسألة قد لا يهضمها المشاهد التلفزيوني كما كان يفعل المشاهد السينمائي سابقا.

تحديات عادل إمام وإلهام شاهين ليسا الوحيدين المتحولين من السينما إلى التلفزيون، وإحدى المشكلات الناتجة عن الوضع الراهن هي توقف حال الأفلام على نحو بعيد وتوجه الكثير من نجوم السينما إلى التلفزيون على نحو متزايد. هناك هذا الموسم آخرون بينهم يسرا التي تؤدي دورا كوميديا خفيفا في مسلسل بعنوان «نكذب لو قلنا ما بنحبّش» وحسين فهمي في «حافة الغضب» وعزت العلايلي في «ربع الغضب» كما جمال سليمان في «نقطة ضعف» وليلى علوي في «فرح ليلى» ونيللي في «موجة حارّة».

صحيح أن جميع هؤلاء ظهروا من قبل ومنذ سنوات، لكن هناك فرق بين وجود سينما يستطيع الممثل الاعتماد عليها مع الظهور من حين لآخر على شاشة التلفزيون، وبين عدم وجود سينما ما يجعل الشاشة الصغيرة هي مجال العمل الوحيد.

المسلسلات المصرية هي الكم الأكبر إذ يحتشد أكثر من خمسة وثلاثين عملا جديدا، والقنوات المتنافسة عليها تشمل معظم ما هو تحت الخدمة حاليا من «دريم» إلى «النهار» و«الحياة» و«القاهرة» في مصر إلى «إم بي سي» و«دبي» والكويت كما لبنان والأردن.

هذه النظرة التي أريد لها أن تكون شاملة تتضمن كذلك حقيقة أن الخيار بين الاستمرارية مهما كانت الظروف، وبين الإذعان للأوضاع السياسية ليس رهن العاملين من منتجين وشركات إنتاج ومشتري برامج وأصحاب محطّات. السوق ذاتها ما زالت مستعدة للبرامج الترفيهية بصرف النظر عن التحوّلات السياسية الجارية في بعض دول الجوار العربي. وطالما أن الجمهور يريد فما على أصحاب المهن التلفزيونية سوى توفير الطلب. لكن الحال هو أن معظم ما هو مطروح سيبقى مقيدا إلى الأساليب الفنية التي في بعض أشكالها باتت بالية. وأن الجهود قد تبذل على الارتقاء بالتقنيات وبالعناصر الإنتاجية، لكن ميادين الكتابة والإخراج والتمثيل تبقى أقل تحدّيا مما يجب.