بهلوانيو الصين في «مهرجانات بيت الدين» للترفيه عن اللبنانيين

بعد عروض في 115 دولة وفوزهم بـ48 ميدالية ذهبية

TT

بعد عروض في 115 دولة، حطت «الفرقة الوطنية البهلوانية الصينية» رحالها في لبنان، بتقاليدها ولاعبيها ومصابيحها، كما دراجاتها وأراجيحها وشوق فنانيها لتحدي الصعاب بأجسادهم الصغيرة والرشيقة.

انتشر البهلوانيون بين الجمهور، أول من أمس، مفتتحين العرض الأول، الذي سيتوالى لأربع ليالٍ. أرقصوا فوانيسهم الحمراء الملتهبة كورود طائرة. حيوا الجمهور على طريقتهم الاستعراضية، بينما موسيقى قوية تصدح في باحة قصر بيت الدين التاريخي، مالئة النفوس رهبة، معلنة ابتداء العرض الذي سبقته شهرته، ومهارات فنانيه. مع عرض الصحون الراقصة كانت البداية. الصحون التي تتلاعب بها أيدي البهلوانيات وهن يرقصن، ويقفزن، ويقمن بحركات جمبازية مدروسة، في رغبة في انتزاع إعجاب الحاضرين دون كلل.

العمل الذي يحمل عنوان «سبلنديد» ليس بهلوانيا رياضيا فقط، إنه عرض فني متكامل، يقوم أساسا على الجانب البهلواني والمهارات الجسدية العالية للفنانين المشاركين، لكن كل هذا يتناغم مع موسيقى مختارة بعناية، وإضاءة مضبوطة، وملابس باهرة، إضافة إلى كوريغرافيا تجعل الرقص جزءا لا يتجزأ من الفرجة. ورغم أن الفرقة التي تأسست عام 1950 تحرص على تقديم نفسها باعتبارها تمزج بين الأصالة والحداثة، فإن الألعاب التي تقدمها تبقى ضمن الإطار الكلاسيكي، مستخدمة الرموز الصينية، مع مسحة إخراجية ذكية مولعة بالإتقان.

حرص جلي على نعومة في الأداء، جعل العرض شفافا، رقيقا، رومانسيا، بهيجا. وتبقى الخشبة، طوال العرض، زاهية بالألوان، مع اعتماد جوهري على جعل الموسيقى شريكا لحركة الفنانين، ومتناغمة مع أجوائهم، صادحة بقوة أحيانا، لافتة إلى شيء من الخطر في أحيان أخرى، قريبة إلى مناخات جيمس بوند أو رومانسية حالمة حين يستدعي الأمر ذلك.

كل الأدوات والمعدات التي ألفناها مع البهلوانيين الكلاسيكيين كانت حاضرة مع هذه الفرقة الحائزة على 48 ميدالية ذهبية. وخلال 12 فقرة كان الفنانون يدلفون زرافات ووحدانا في كل مرة بروح جديدة، ومهارات مختلفة.

كانت الذروة مع الدراجات، ليس لأن الفتيات الصينيات تمكن من أن يجبن المسرح بمرح وذكاء، ولكن لأن ما يزيد على 12 بهلوانية استطعن التسلق على دراجة واحدة، وهن يقمن بنزهة مرحة على المسرح، في مشهد هو الأكثر إبهارا في هذا العرض، وقدرة على شد الجمهور.

من الألعاب التي حازت الإعجاب تلك التي ذكرت بقدرات رجل العنكبوت الشهير، حيث تسلق شبان ثلاثة أعمدة وتمكنوا من القفز بينها والطيران أفقيا مع الإمساك بيد واحدة، أو عمل تشكيلات بأجسادهم اللدنة، في استعراض لافت لمهارات صلبة ومران قاسٍ.

ألعاب الخفة شملت القفز في داخل حلقات مرتفعة ومتحركة، واللعب بالكرات، والرقص بالشماسي ومراوح اليد، والفوانيس الزجاجية الهشة، كما القفز على الأراجيح الطائرة وعمل تشكيلات راقصة في الهواء، إضافة إلى ألعاب حفظ التوازن.

الخشبة التي تركت فضفاضة، تتسع لحيوية اللاعبين، أغنت جمالياتها مرايا متحركة تعكس الأضواء ومشاهد اللاعبين، بينما استخدمت شاشات جانبية لعرض مؤثرات تضيف إلى المشاهد مناخات لمياه تتدفق أو طبيعة تمتد بآفاقها، أو صورا مختارة تتناسب مع الألعاب.

تعمد الصينيون ربما جعل بهلوانييهم بعيدين بشكل كبير عن الاستخدامات التكنولوجية التي يعمد إليها فنانو «سيرك دو سولاي» على سبيل المثال. تبدو البطولة هنا وكأنها أعطيت للجسد البشري، وطواعيته وقدرته على الذهاب إلى أبعد مدى يستطيعه، دون التفات إلى تصنع أو تكلف، أو مبالغة. ثمانون فنانا صينيا جاءوا للقاء جمهور هارب من محن العنف والمعارك المتنقلة. وفي باحة الأمير بشير وقصره الجميل كان اللقاء، مفرحا لأولئك الذين أرادوا نسيان ألعاب استعراضات الأسلحة النارية باللجوء إلى استعراض العضلات الصينية «السلمي» بجمالية ورشاقة.

المشهد الأخير بألوانه حيث الأرضية الصفراء والملابس السوداء والمغنون الستة الذين أطلقوا حناجرهم، يرينا زملاؤهم، على وقع هذا الغناء، قدرتهم الفذة على القفز في الهواء، وكيف أن البشر بمقدورهم أن يفعلوا بالتدريب والتهذيب ما ليس على بال.

مهرجانات لبنان متواصلة، وتستعد «مهرجانات جبيل» لإطلاق حفلاتها مع الفنان الشهير «يني» يوم 30 من الشهر الحالي، بينما تستضيف «مهرجانات جونية» المغني المعروف ميكا يوم 2 يوليو (تموز)، بينما لا تزال «مهرجانات بعلبك» تعكف لجنتها على دراسة أوضاعها وفقا للتطورات الأمنية، بعد أن وصلت الصواريخ السورية إلى المدينة التاريخية.