الجيش اللبناني يخلي «شقق حزب الله» وينفي أي مشاركة «حزبية» في عملياته

مصدر عسكري: لم تشكل تهديدا للسلم الأهلي

صور الدمار في محلة عبرا بعد مرور 3 أيام على الاشتباكات في محيط مسجد بلال بن رباح (أ ف ب)
TT

استكمل الجيش اللبناني مهمته الأمنية في صيدا، حيث وقعت معارك بينه وبين أنصار أمام مسجد بلال بن رباح الشيخ أحمد الأسير الذي لا يزال مصيره مجهولا. وفي حين أطلقت في اليومين الأخيرين حملة في وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي اتهمت حزب الله بالمشاركة في عملية الجيش الأخيرة، نفت قيادة الجيش اللبناني الصور ومقاطع الفيديو التي تم تداولها، واصفة إياها بـ«المفبركة».

وفي موازاة ذلك، أخلت القوى الأمنية ما يعرف بـ«شقق حزب الله»، المجاورة لمقر الأسير، والتي شكلت العنوان الأساسي لحراك الأسير خلال نحو عامين، وهو ما عادت وطالبت به جهات سياسية ودينية وشعبية خلال اليومين الأخيرين.

وكان الرئيس اللبناني ميشال سليمان قد تلقى أمس اتصالا من وزير الخارجية الأميركية جون كيري، قدم له فيه التعزية بالشهداء الذين سقطوا في عملية صيدا، مؤكدا استمرار بلاده في دعم الجيش الذي أثبت أنه الضامن الوحيد للاستقرار والسلم الأهلي ومكافحة البؤر الإرهابية، مثنيا على السياسة التي يتبعها رئيس الجمهورية والدولة اللبنانية للحفاظ على الاستقرار الداخلي.

ميدانيا، أخلى حزب الله شقتين قريبتين من المجمع الذي كان يتحصن فيه الأسير، والذي كان يتهم حزب الله بتخزين الأسلحة فيهما واستخدامهما لمراقبته. ونقل عن مصدر في حزب الله قوله إن «الحزب أخلى الشقتين بهدف إعادة الهدوء إلى مدينة صيدا»، وذلك بعد احتجاجات لا سيما في صفوف الطائفة السنية طالبت بـ«المساواة» في التعامل مع المظاهر المسلحة و«إغلاق الشقق الأمنية» التابعة لحزب الله في صيدا. وفي هذا الإطار، لفت مصدر عسكري لـ«الشرق الأوسط» إلى أنه و«بهدف سحب فتيل المشكلة التي عرفت بـ(شقق حزب الله)، وبناء على دعوات من جهات سياسية قامت قوة من الجيش بإخلاء الشقق». وفي حين كانت بعض الجهات تؤكد على وجود الأسلحة في هذه الشقق، نفى المصدر الأمر، قائلا: «لا مجال للمقارنة بين الاثنين، فهذه الشقق وإن كانت تحتوي على الأسلحة التي أصبحت موجودة في كل بيت لبناني، وبغض النظر عما إذا كان يسكنها عسكريون أو أمنيون، لم تشكل تهديدا للسلم الأهلي، كما أنه لم يتم الاعتداء منها على الجيش، في حين أن العملية العسكرية التي استهدفت الأسير وأنصاره تم تنفيذها إثر استهداف حاجز للجيش وقتل 3 عناصر وإصابة 17 آخرين، وهذا ما سيحصل في أي مرة يتم فيها الاعتداء على الجيش».

وفيما يتعلق بمقاطع الفيديو والصور التي تم تداولها في وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعية وأظهرت مسلحين ملتحين وبعضهم يضع شارات صفراء على أيديهم، متهمة عناصر من حزب الله بالمشاركة في هذه الاشتباكات إلى جانب الجيش، إضافة إلى فيديو أظهر عناصر عسكرية تنهال بالضرب المبرح على أحد المدنيين، أصدرت قيادة الجيش اللبناني بيانا استنكرت فيه ما اعتبرته «فبركات»، مؤكدة أن «الجيش قاتل وحيدا في صيدا». واعتبرتها «اغتيالا ثانيا للشهداء»، محذرة من أنها «لن تسكت عن التعرض لشهدائها إعلاميا، ومحتفظة لنفسها بحق اللجوء إلى القضاء المختص».

وفي حين شدد المصدر العسكري في تصريحاته لـ«الشرق الأوسط» على أن «الجيش ليس بحاجة إلى أن يقاتل أحد إلى جانبه»، اعتبر أن «المؤسسة وتركيبتها لا تحتمل أن يشارك معها أي جهة حزبية، لا سيما أنها تضم مختلف الفئات والطوائف». وأكد أن «معظم مقاطع الفيديو التي يتم تداولها متهمة مشاركة عناصر حزبية في عملية صيدا إلى جانب الجيش هي مفبركة»، مشيرا في الوقت عينه إلى أنه «ثبت صحة المقطع الذي سرب حول الاعتداء بالضرب على مدني من قبل عسكريين، وقد بدأت الشرطة العسكرية التحقيق بالأمر لمعرفة حيثيات الحادثة وأسبابها ليبنى على الشيء مقتضاه»، مشددا على أن «قيادة الجيش مصرة على محاسبة أي عنصر يرتكب خطأ».

وفيما يتعلق بالصور والمشاهد التي أظهرت مسلحين مدنيين في مناطق وأحياء صيداوية، لفت المصدر إلى أنها «خضعت للتحليل، وتم التأكد من أن تاريخ معظمها يعود إلى ما قبل 5 أيام، وتحديدا خلال مواجهات الأسبوع الماضي بين عناصر الأسير وحزب الله»، مشيرا في الوقت عينه إلى أن ما يعرف ببقعة العمليات أو «المربع الأمني للأسير» لم يشهد أي وجود لمدنيين مسلحين، بينما قد تكون بعض هذه الصور مأخوذة من أماكن أخرى في صيدا خارج هذه البقعة، وهو أمر ليس مستبعدا، لا سيما أن المنطقة شهدت ظهورا مسلحا من قبل عناصر تابعة للأسير ولجهات أخرى، خلال تنفيذ العملية.

وكان رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي قد اعتبر أمس «أنه من الضروري أن يتعامل الجيش اللبناني مع جميع المواطنين بشكل متساو وعادل»، داعيا قيادة الجيش إلى «فتح تحقيق في بعض الأفلام والصور التي يتم تداولها عن الأحداث في صيدا والتي تشكل إساءة إلى صورة المؤسسة العسكرية وانضباطيتها».

ودعا ميقاتي خلال لقائه قائد الجيش العماد جان قهوجي إلى «تحييد المؤسسة العسكرية عن التعرض لها؛ لأنها مؤسسة تخضع للقانون وتعمل تحت إشراف الدولة اللبنانية بكاملها»، مثمنا «دور الجيش اللبناني وتضحياته للحفاظ على لبنان، كل لبنان، أرضا وشعبا».

وقالت قيادة الجيش في بيانها إنه «في وقت كان الجيش اللبناني يخوض معركة شرسة ضد مجموعة مسلحة تعمل على نشر الفتنة والعبث بأمن البلاد، وبينما كانت تشن عليه حملة تكفير ودعوات إلى الجهاد ضده، فوجئ الجيش بحملة إعلامية وسياسية لبنانية رخيصة، من خلال فبركة أفلام وتسجيلات صوتية وصور مركبة، حول دخول الجيش إلى منطقة عبرا ووجود مسلحين يقاتلون إلى جانبه».

وأضاف البيان: «لقد انتظرت قيادة الجيش عبثا حتى يعي القائمون بالحملة خطورة ما يقترفونه بحق الجيش وشهدائه، وجرحاه الذين لا يزالون في حالات الخطر، وفي حق لبنان، عبر بث مشاهد مزيفة وبعيدة عن مناقبية الجيش وتربية ضباطه وعسكرييه. فالجيش قاتل وحيدا في صيدا». ولفت البيان إلى أنه بالنسبة إلى وجود بعض المدنيين المسلحين، فهم من عناصر مديرية المخابرات يرتدون اللباس المدني. وأكدت قيادة الجيش أن أي تجاوز أمني أو أخلاقي من قبل جندي أو وحدة عسكرية سيكون عرضة للتحقيق العسكري الداخلي، ولاتخاذ أقصى الإجراءات التأديبية.

من جهة أخرى، وفي خطوة استباقية لما قد تشهده منطقة صيدا من مشكلات أمنية عقب صلاة الجمعة (اليوم)، قرر علماء المدينة إثر اجتماع لهم في دار الإفتاء برئاسة المفتي الشيخ سليم سوسان، حصر إقامة صلاة الجمعة هذا الأسبوع في مسجد واحد وهو (مسجد الزعتري)، وإغلاق باقي مساجد صيدا في الوقت نفسه».