عجلة الحياة تدور ببطء في الأحياء الدمشقية ذات الكثافة السكانية المسيحية

أول انفجار داخل أسوار «المدينة القديمة»

TT

يعد تفجير الكنيسة المريمية أول تفجير كبير يعلن عنه داخل جدران القديمة المدرجة على قوائم التراث العالمي بهيئة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة «اليونيسكو» بوصفها أحد أقدم المواقع في الشرق الأوسط حيث يعود تاريخها إلى نحو 4 آلاف عام. ولم يعرف بعد من يقف وراء الهجوم، لكن هناك الكثير من الأهداف المحتملة في المكان. ومن هذه الأهداف الكنيسة المريمية التابعة لطائفة الروم الأرثوذكس التي تجنبت مثل غالبية الكنائس اتخاذ موقف في الصراع السوري.

وتقع الكنيسة في باب توما بالقرب من «الشارع المستقيم» التاريخي الذي يعج بالمباني القديمة ومطعم فاخر كان يرتاده في الماضي الرئيس بشار الأسد وأفراد حكمه المقربون. ويتصل حي باب توما بمناطق وسط دمشق «الهادئة نسبيا» كشارع بغداد والقصاع والغساني وأحياء دمشق القديمة كالعمارة والقشلة، إلا أنه يقع على مقربة من مناطق دمشق المشتعلة كالزبلطاني وجوبر. ويتعرض الحي، الذي يقع فيه أحد أبواب دمشق التاريخية السبعة، إلى سقوط قذائف هاون «طائشة» صادرة من الغوطة الشرقية، تطلقها كتائب الجيش الحر على قوات النظام، كما أنه تعرض أكثر من مرة لتفجيرات «إرهابية»، تضاربت الأنباء حول منفذها، بالإضافة إلى زرع عبوات ناسفة تستهدف شبيحة نظام الرئيس بشار الأسد من سكان الأحياء المجاورة.

ورغم نزوح عدد من أهالي المنطقة إلى لبنان، خصوصا سكان حي القصاع المحاذي للزبلطاني وجوبر، فإن عجلة الحياة ما زالت تدور «ببطء» في الأحياء المسيحية في دمشق؛ فالأسواق تفتح من ساعات الظهيرة وحتى التاسعة مساء، والمطاعم والمقاهي تستقبل روادها، وحركة المرور تبدو اعتيادية. ويتهم سكان القصاع وبابا توما من المسيحيين بوقوف غالبيتهم إلى جانب نظام الأسد ضد الثورة، إذ التزمت الغالبية منهم الصمت الحيادي.

ويقول أحد السكان الذي عرف نفسه باسم «أندريه» إن «المسيحيين انقسموا بين مؤيد علنا للنظام، وبين مؤيد سرا للثورة»، إلا أن الموقف الأبرز الذي يتفق عليه غالبية المسيحيين، الموالين والمعارضين، هو «الخوف من التدمير ومن بطش النظام، ومن تطرف المعارضة الإسلامية؛ فالذين يدافعون عن النظام يبررون ذلك بدفاعهم عن الاستقرار والأمن، أما الذين يعارضونه من المسيحيين فهم يعبرون عن استيائهم من دعايات النظام بحماية الأقليات وإلحاقهم قسرا بطائفته».

ولفت ابن الحي إلى أن حيه المسيحي «المغرق في القدم» تحول في السنوات العشر الأخيرة إلى «منطقة سياحية يملكها رموز النظام وأبناؤهم، بينما هجره سكانه الأصليون، فتغيرت هوية الحي، ولم يعد حيا مسيحيا بل سياحيا» متابعا «مواقف المسيحيين من النظام ومن الثورة لم ترض الطرفين اللذين يرفضان الحياد أو التأييد الصامت، مما جعل المسيحيين هدفا للطرفين سواء بالتضييق عليهم أو استهداف مناطقهم ونهبها».

ويؤكد أندريه أنه «من المؤسف أن سكان سوريا الأصليين هم الآن الحلقة الأضعف في ما يجري، فالكل يتاجر بوجودهم ويهدده». وربما يكون وضع المسيحيين في العاصمة دمشق في ظل الثورة هو الأفضل بين أوضاع المسيحيين في باقي المناطق الأخرى الساخنة، ففي مدينة حمص نزح سكان حي الحميدية الذي دمر بشكل شبه كامل في المدينة القديمة إلى منطقة وادي النضارى (النصارى) حيث تتركز القرى والبلدات المسيحية، ولا تزال تلك المناطق تنعم بهدوء نسبي.

ويتركز سكان حمص من المسيحيين في حي الحميدية حول عدد من أهم وأعرق الكنائس في المشرق، منها كنيسة أم الزنار، بالإضافة إلى المقرات الكنسية للمنطقة الوسطى، والتي تعرضت جميعها للقصف والتدمير، كما يعاني المسيحيون في ريفي حمص وحماه من التضييق والملاحقات من قبل النظام في حال تواصلهم مع جوارهم السني، وأيضا للنهب من قبل عصابات النهب المسلحة المحسوبة على الجيش الحر بزعم أن المسيحيين متعاونون مع النظام. ففي ريف حماه تعيش بلدات الصقيلبية وكفربهم والحواش وغيرها من البلدات المسيحية حالة تأهب دائم، إذ يتعرض سكانها للخطف من قبل عصابات النهب والسلب، كما يكن أهالي البلدات السنية مشاعر العداء لأهالي البلدات المسيحية، لصمتهم عن استخدام النظام لأراضيهم منطلقا للقصف المدفعي والصاروخي، على البلدات المسيحية، مما اضطر المئات منهم للنزوح إلى مناطق أخرى مجاورة في محافظة طرطوس، أما ميسورو الحال منهم ففروا إلى لبنان ودول الخارج.

ويفضل قسم من المسيحيين الذهاب إلى بلدة جرمانا، في ريف دمشق، حيث يتركز عدد كبير من المسيحيين الوافدين إلى دمشق من بقية المدن، بالإضافة لأبناء منطقة القصاع التي توسعت باتجاه الشرق في العقدين الأخيرين، إلا أن جرمانا، بغالبية سكانها من الدروز والمسيحيين، تحولت إلى منطقة شديدة التنوع السكاني، نتيجة حركة النزوح الكبيرة إليها منذ غزو العراق 2003 ولغاية اليوم، وخلال العامين الأخيرين تحولت جرمانا إلى منطقة قلقة، دائمة التعرض للتفجيرات وسقوط القذائف العشوائية، كونها محاطة ببلدات الغوطة الشرقية الملتهبة.