نصوص من العصر الذهبي للنثر العربي «المنثور والمنظوم» لأحمد بن أبي طاهر

طيفور من نوادر المخطوطات العربية في خزائن العالم

TT

كنيته: أبو الفضل. أصله من مرو الروذ بخراسان.

ولد ببغداد سنة 204 وتوفي بها سنة 280هـ.

بدأ حياته مؤدب كتاب عاما، ثم تخصص وجلس في سوق الوراقين التي كانت في الجانب الشرقي من بغداد.

لم يذكر الذين ترجموا له اسماء شيوخه الذين تلمذ لهم، لكن يبدو من آثاره القليلة المتبقية، ومن المصادر الأخرى أنه روى عن:

أبي تمام الطائي، حماد بن اسحاق الموصلي، ثعلب (أحمد بن يحيى)، ابن الأعرابي ـ الفضل بن محمد اليزيدي، أبي هفان (عبد الله بن أحمد)، العباس بن بكار، الزبير بن بكار، وغيرهم من الشعراء والعلماء والأدباء.

وروى عنه جمهرة من العلماء والأدباء بينهم:

أحمد بن يزيد المهلبي، ابنه عبيد الله، علي بن هارون المنجم، محمد بن خلف بن المرزبان، جحظة، جعفر بن قدامة.

ولم يؤثر عنه أي اتصال بخلفاء وامراء عصره.

وخلّف مصنفات ادبية وتاريخية كثيرة أوردها النديم في (الفهرست) وياقوت الحموي في (معجم الادباء) يبلغ مجموعها نحو 54 كتابا بينها:

«الجواهر»،،«البغداد»، «الهدايا»، «أسماء الشعراء الأوائل»، «المنثور والمنظوم»، «من انشد شعراً فاجيب بكلام»، «مقاتل الفرسان»، «سرقات البحتري من ابي تمام»، «فضل العرب على العجم»، «سرقات الشعراء»، «طل الاسحار ورياض الاشجار» و«حب الاوطان».

وقد انقرضت معظم مؤلفات ابن طيفور ولم يبق لنا منها الزمن سوى «كتاب بغداد» وقد تضمن كثيرا من اخبار الخلفاء والوزراء والكتاب غير انه للأسف فقد معظمه، ولم يبق منه غير الجزء السادس، وقد جمع فيه المؤلف اخبار (المأمون) منذ دخوله بغداد سنة 204 وحتى وفاته سنة 218هـ.

نشره المستشرق Keller في لايبزغ بالمانيا سنة 1908م وترجمه seely الى الانجليزية (نيويورك ـ 1920م).

طبع في القاهرة سنة 1368هـ ـ 1949م واخر طبعاته ـ الخانجي ـ القاهرة 1415هـ ـ 1994م. و«المنثور والمنظوم» و«ديوان ابن طيفور». لابن طيفور شعر متفرق في كتب الادب والتاريخ ـ ولم يذكر الذين ترجموا له أن له ديوانا مجموعا، وقد تولى (هلال ناجي) جمع أشعاره ورسائله الأدبية وكتب له مقدمة تتناول حياته واثاره وترد عنه التهم التي وجهها له (البحتري) وتلامذته وذلك ضمن كتاب: «أربعة شعراء عباسيون» ـ ص 229 ـ 335 (دار الغرب الاسلامي ـ بيروت 1994م).

المنثور والمنظوم يبدو أن المنثور والمنظوم من اعظم كتب (ابن طيفور) واكبرها. وقد اشار (ابن النديم) الى أنه يقع في اربعة عشر جزءا بيد الناس منه ثلاثة عشر جزءا.

وهذا يعني ان جزءا من الكتاب فقد مبكرا جدا بعد نحو قرن من وفاة مؤلفه، ثم فقدت الاجزاء الأخرى مع معظم كتبه الباقية في القرون اللاحقة.

ولم يبق من هذا الكتاب غير ثلاثة اجزاء وصلت الينا في ثلاث مخطوطات هي:

نسخة بغداد (الحكمة 58) وهي أقدم مخطوطات الكتاب، مكتوبة سنة 917هـ وتقع في 338 ورقة.

ونسخة المتحف البريطاني في لندن Add.MSS.18532 مكتوبة سنة 1092هـ وتقع في 157 ورقة. (عليها اعتمدنا في كتابة هذا المقال).

ونسخة دار الكتب المصرية ذات الرقم 581 كتبها (محمود سامي البارودي) ـ الشاعر المعروف ـ واصلها في المدينة المنورة سنة 1297هـ بخط (السيد محمد علي بن عثمان الردوسي الحسني).

وصل الينا من الكتاب:

1 ـ الحادي عشر: في بلاغات النساء وجواباتهن وطرائف كلامهن ونوادرهن واخبار ذوات الرأي منهن وقد نشر في القاهرة ـ 1908م (دون تحقيق).

2 ـ الثاني عشر: نشرت قطعة منه قدم لها مؤلفها بقوله:

(وهذا جزء مفرد من اجزاء هذا الكتاب يشتمل على كل قصيدة ورسالة وصفة لا يوجد لشيء منها مثل ولا اشترك الناس في صفتها).

وقد ظهرت هذه القطعة بعنوان (القصائد المفردات التي لا مثل لها) بتحقيق المرحوم الدكتور محسن غياض عجيل ـ بيروت ـ عويدات ـ 1977م.

المخطوط المتبقي:

أما القسم المتبقي من الجزء الثاني عشر فيشتمل على:

1 ـ فصول من الرسالة اليتيمة لابن المقفع.

2 ـ رسالة عمارة بن حمزة الماهانية.

3 ـ رسالة لاحمد بن يوسف.

4 ـ رسالة ابن المقفع في الصحابة.

5 ـ رسالة يحيى بن زياد الحارثي في مدح الرشيد.

6 ـ رسالة غسان بن عبد الحميد.

7 ـ رسالة عبد الحميد الكاتب.

8 ـ رسالة ثانية له في الشطرنج.

9 ـ رسالة في العيد.

10 ـ رسالة ابي الربيع محمد بن الليث الى ملك الروم.

وتعد هذه الرسائل اركان البلاغة التي استقى منها البلغاء، ثم اعقب هذه الرسائل الطوال العشر بذكر (فصول منتخبة من الرسائل المختارة في كل فن) ومعظم تلك الفصول مقطعات قصار غير منسوبة لأحد.

أما الجزء الثالث عشر فقدمه المؤلف بقوله:

(هذه فصول من رسائل مختارة في كل فن كتب به الكتاب المتقدمون والمتأخرون على تأليف وتصنيف وعلى تفرق في ابواب لا نظير لها).

واستقل النثر بهذا الجزء استقلالا كاملا ولم يشرك الشعر فيه، وقد جعل المؤلف نصف الجزء السابق للرسائل المعروفة التي تفرد بها اصحابها واشتهروا.

وفي هذا الجزء قدم المؤلف نماذج وامثلة للكتابة البليغة في موضوعات مختلفة كالتحميد واوائل الفتوح واواخرها واوائل الكتب واواخرها وفي العصاة ووصف الأولياء والتهاني في كل فن والتعازي وما يكتب به في تولية ولاة العهود والعمال، وفي تولية الحج والولايات، وفي البيعة وما يكتب لأهل البلد الذين يؤخذ منهم العشر وفي بيع الاماء، وفي السواحل وجباية الاسواق ومنع الكلأ، وما يكتب في المعاتبات والاستبطاء والسلامة والشكر والاعتذار والحوائج والتشوق وصفات الاخوان والتماس المودة والاتصال بذي الفضل.

وهكذا يتبين ان (ابن طيفور) كان شموليا في موضوعات الكتابة التي كانت اهم فنون عصره.

ومنه يبدو تألق فن الرسائل الديوانية والاخوانية خاصة والنثر عامة في العصر العباسي. أليس من الغريب ان يبقى (المنثور والمنظوم) بعيدا عن ايدي الباحثين والقراء حتى اليوم؟

ولاتمام صورة هذا المخطوط المهم، نقدم ادناه نماذج منه:

ـ وكتب ابراهيم بن المهدي:

اما بعد، فإنني مذ فارقتك، وغاب عني شخصك، وبعد مني قربك، اجد من نفسي منازعا اليك، واملا واقفا عليك، وشوقا مزعجا الى قربك، والاخذ بالحظ منك، وان عداني عن مشاهدتك باللقاء، أو بكتاب، تقصير مشوب بعذر، وانا اسأل الله راغبا اليه ان يجمعنا في دوام من نعمته، وظل من كرامته، وكفاية من حراسته.

ـ ولعبد الله بن خاقان الى ابي الجهم:

اما بعد فاني ان بدأت بصفة فضلك، وما خصك الله به، فأنت افضل مما اصفك، وان قدمت الصفة لنفسي في الاخبار عنها بما هي عليه في المودة والهوى، رأيتك قد ابتدأت متفضلا متطولا بما لا يؤمل اكثر منه، ولا يلتمس على الاستحقاق في حد الجزاء.

ـ وكتب محمد بن مكرم الى ابراهيم بن المدبر:

الحمد لله رب العالمين، حمدا يجوز حمد الحامدين، الذي جعل قضاءه خيرة لك، فإن زادك نعمة وفقك لشكرها، وان امتحنك ببلوى من نفث حاسد، أو كيد كائد، انار برهانك، وافلج حجتك، وجمع بين وليك وعدوك في الشهادة لك، وان نقل امراً عن يدك فربما يرجعه اليك مختلا لفقدك، هذا الى ما جعل عندك من خواص النعم التي ان ذكرها فاطنبنا، أو تجوزنا فقصرنا، كان غايتنا الى الحسور (أي الانقطاع)، دون مدى غايتك، وقد زادك الله بهذا الحادث فضلا عظيما، لما ظهر من وله العامة اليك، وتطلعها الى ما كانت فيه، من لين انصافك وكريم اخلاقك، ووحشة الخاصة لما فقدت من حسن معاملتك، وكثير تفضلك، وايقن اهل الرأي والتأمل لصفحات الأمور ان كل ما خرج عنك فعائد اليك، ومتصل به غيره، حتى تستقر في يدك عرا الأمور ومعاقدها، وتفتح برأيك وتدبيرك ابوابها ومغالقها، فليهنئك ان كل مازاد غيرك نقصا، زادك فضلا، وكل ما نقص من الرجال وحطها، الحق بك شرفا فزادك الله وزادنا منك، وجعلنا ممن يقبله رأيك، ويقدمه اختيارك، ويقع من الأمور بموافقتك ويجري منها على سبيل طاعتك.

تعزية:

ـ وكتب سعيد بن حميد:

اذا استوى المعزى والمعزي في النائبة، استغنى عن الاكثار في الوصف لموقع الرزية، والعذر في التأخر يكاد ظهوره ينبئ عن التنبيه عليه، وانت اولى بما تتطول به في قبوله، وانا اقول: انا لله وانا اليه راجعون، اقرارا له بالهلكة، واعترافا بالمرجع اليه، وتسليما لقضائه، ورضا بمواقع اقداره، واسأل الله ان يصلي على محمد صلاة متصلة بركاتها، وان يوفقك لما يرضيه عنك قولا وفعلا، حتى يكمل لك ثواب الصابر المحتسب، وجزاء المطيع المتنجز للوعد، ويرحم فلانا ويحله اعلى منازل اوليائه الذين رضي سعيهم، وتطول بفضله عليهم، انه ولي قدير.

رجاء:

ـ وكتب سعيد بن عبد الملك:

كتابي اليك لك، فإن قبلته كان شبيها بكرمك ونعمة الله عندك، وما اقبل منك الا ان تقبله ولا تؤخره، وهو انك قد عرفت ما يجب لفلان، وما كتبت به له، وما ارجع عليه بلوم في حسن ظنه بك، وصبره عليك، ووفائه لك، ولا ارضى منك ان تغفل عنه، وان تجعل حاجته في ما تدافع به او تعتل فيه، فقد ضمنت له عنك ان يكون جوابه النجح، وقد اقتصر على كتابي واقتصرت له عليه، وارجو الا تخل به، ولا ترده بغير حظ ان شاء الله.

في الشكر:

ـ وكتب عبد الله بن أحمد:

إن من حق النعمة ان تذكر وتنشر، ومن كفرها ان تنسى وتسر، وما احب ان اتزين بنعمتك واكون عطلا من شكرك، ولا ان تكون مننك موفرة عندي وأنا ناقص الحظ من رعاية ما اوليتني، لنعم اذن ما اتيت اليّ، اذ صرفت افضل نظرك نحوي، ولبئس ما اخترت لنفسي اذ حرمتها فضل الشكر لمن انعم عليّ فجعلت حظي في قضاء حق النعمة، وما في الشكر من استيجاب الزيادة.

في المدح:

ـ وكتب رجل الى مالك بن طوق لما عزل عن عمله:

أصبحت والله فاضحا متعباً: اما فاضحاً فلكل والٍ قبلك بحسن سيرتك، واما متعباً فلكل والٍ بعدك ان يلحقك.

=