قللت أحزاب المعارضة من أهمية جلسات الحوار التي يقودها علي العريض رئيس الحكومة حول الذهاب بالأزمة السياسية نحو بر الأمان والتطورات المتعلقة بمقاومة الإرهاب. وعبرت قيادات من المعارضة عن وضوح الهدف وحذرت من المراوغة التي قد يلجأ لها الائتلاف الثلاثي الحاكم للالتفاف على مطالب المعارضة التي نادت منذ اغتيال محمد البراهمي في 25 يوليو (تموز) الماضي، بحكومة إنقاذ وطني وحل المجلس التأسيسي (البرلمان). ووصفت بعض القيادات السياسية جلسات الحوار بـ«المهزلة» وقالت إنها تراوح في نفس المكان من دون أن تسجل أي انفراج سياسي حقيقي.
وفي هذا الشأن، قالت مية الجريبي الأمينة العامة للحزب الجمهوري المعارض لـ«الشرق الأوسط»، إن إنقاذ تونس مما تردت فيه من مأزق سياسي وأمني يقتضي «حكومة خلاص وطني» بصفة عاجلة تقودها شخصية مستقلة تكون محل إجماع الطبقة السياسية.
وأضافت أن الحكومة المصغرة المكونة من 15 إلى 20 حقيبة وزارية ستكون ملزمة بعدم الترشح للانتخابات الرئاسية والبرلمانية المقبلة. ويطبق أعضاء هذه الحكومة برنامجا عاجلا لمكافحة ظاهرة الإرهاب واستفحال العنف السياسي بعد تسجيل سلسلة من الاغتيالات السياسية.
والتقى أمس علي العريض رئيس الحكومة التونسية ممثلين عن أحزاب سياسية ومنظمات حقوقية وهيئات مهنية بقصري الحكومة بالقصبة وقصر الضيافة بقرطاج (الضاحية الشمالية للعاصمة)، وخصصت جلسات الحوار لبحث آخر التطورات في مجال مكافحة آفة الإرهاب. وعرفت الجلسات مشاركة عدد من الوزراء والمسؤولين العسكريين والأمنيين.
وحول فحوى تلك الجلسات، ذكرت مصادر سياسية مختلفة لـ«الشرق الأوسط» أن المعارضة تسعى إلى الفصل بين الملف السياسي والملف الأمني، في حين أن الحكومة تركز اهتمامها على ملف الإرهاب والعنف وتجعله مركزيا في تفاوضها مع أحزاب المعارضة وترى أنهما على ارتباط وثيق. وأضافت نفس المصادر أن المعارضة تخشى استعمال خطر الإرهاب لإخماد الأصوات المخالفة لتوجهات الحكومة.
وعبر نواب بعض الأحزاب المشاركة في اعتصام الرحيل الذي اتخذ ساحة باردو المقابلة لمقر المجلس التأسيسي (البرلمان) فضاء للاحتجاج ضد الحكومة، عن مقاطعتهم للاجتماع الأمني الذي دعا له العريض للتباحث حول التطورات المتعلقة بمقاومة الإرهاب. وقال إياد الدهماني القيادي في الحزب الجمهوري لـ«الشرق الأوسط» إن أحزاب المعارضة قلقة من تداخل ملف السياسة مع الإرهاب وإنها قد تقاطع كل أشكال الحوار إذا ما لاحظت أنها لن تفضي إلى تحقيق مطلبها الأساسي المتمثل في رحيل الحكومة وحل المجلس التأسيسي.
ويتداخل ملف الإرهاب مع ملف إسقاط الحكومة وحل المجلس التأسيسي بعد تزامن اغتيال محمد البراهمي وقتل ثمانية عسكريين من قبل الجماعات الإرهابية المتحصنة في جبال الشعانبي.
وفي هذا السياق، قال جمال العرفاوي المختص في شؤون الإرهاب لـ«الشرق الأوسط»، إن أحزاب المعارضة تخشى «المتاجرة» والتلويح بملف الإرهاب واستعماله للإبقاء على الحكومة. وأضاف أن حكومة العريض، تسعى خلال هذه الفترة بالذات إلى الاستفادة القصوى من ملف الإرهاب والعنف وسيطرة الهاجس الأمني على التونسيين لتجاوز أزمة الثقة التي هزت أركان الحكومة ووصفت أداءها بالفاشل. لكنها على حد تعبيره قد تصطدم بانتباه المعارضة إلى هذه النقطة وهو ما قد يعسر إنهاء الأزمة السياسية المتنامية.
وتختلف مواقف أحزاب الترويكا من العملية السياسية ودعوة المعارضة إلى حكومة إنقاذ وطني ويدعم حزب التكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات فكرة تشكيل حكومة وحدة وطنية تحظى بدعم وموافقة جميع الأحزاب السياسية.
ولم يتوان مصطفى بن جعفر رئيس حزب التكتل عن التلويح بالانسحاب من «الترويكا» في صورة إصرار حركة النهضة على بقاء حكومة العريض أو توسيع الائتلاف الحاكم. ويقف حزب التكتل إلى جانب اتحادي الشغل والصناعة والتجارة (منظمات مهنية) ويسعى من وراء ذلك إلى استرجاع موقعه السياسي قبل موعد الانتخابات المقبلة بعد تضرره من الاصطفاف وراء مواقف حركة النهضة منذ انضمامه إلى الائتلاف الثلاثي الحاكم بعد انتخابات 23 أكتوبر (تشرين الأول) 2011.
ويساند حزب المؤتمر من أجل الجمهورية مقترح تشكيل حكومة وحدة وطنية. وفي مقابل الموافقة على تحوير حكومي، أبدى حزب المؤتمر رفضا تاما للدعوات المتتالية المنادية بحل المجلس الوطني التأسيسي (البرلمان).
وفي ظل التنافر السياسي بين الحكومة والمعارضة، واصلت قوات الجيش التونسي لليوم الثاني على التوالي قصفها لموقع الجماعات الإرهابية بجبال الشعانبي من دون الإعلان عن نتائج العملية العسكرية ومدتها الزمنية.
وأعلنت حركة النهضة من ناحيتها عن تنظيم اجتماع شعبي ليلة السبت بساحة القصبة بالعاصمة التونسية تحت شعار: «بوحدتنا تنجح ثورتنا»، وهو موجه لدعم الشرعية في حركة متباينة مع اعتصام الرحيل الذي تقوده المعارضة. وقالت مصادر مطلعة من حركة النهضة لـ«الشرق الأوسط» إن الاجتماع سيعرف مشاركة العديد من الأحزاب السياسية والجمعيات الوطنية ولن يقتصر على قيادات الحركة وبقية أحزاب الائتلاف الحاكم.
وكانت قائمة من 17 حزبا سياسيا، معظمها أحزاب صغرى، وبعض الشخصيات الوطنية قد دعمت موقف حركة النهضة في المحافظة على المجلس التأسيسي وتوسيع القاعدة السياسية للحكم.
في غضون ذلك، أعلن الناطق الرسمي باسم وزارة الداخلية أن تونس لا تواجه تهديدا «محددا» بهجمات «إرهابية»، نافيا العثور على قنبلة موقوتة في حي راق بالعاصمة تونس. وقال محمد علي العروي لوكالة الصحافة الفرنسية «ليس هناك تهديد محدد بحصول هجمات إرهابية في تونس». وأضاف أن «خطر مثل هذه التهديدات هو نفسه سواء في تونس أو فرنسا أو أي مكان آخر في العالم».
ونفى العروي عثور قوات الأمن على قنبلة موقوتة يدوية الصنع ليل الجمعة في حي المنزه التاسع الراقي وسط العاصمة تونس مثلما أعلنت وسائل إعلام محلية. وقال إن الشرطة عثرت على صندوق كرتوني مغلق به أسلاك و«ليس داخله متفجرات».
وأوضح أن الأمن عثر مع الصندوق على رسالة تطالب قوات الجيش بالانسحاب من جبل الشعانبي على الحدود مع الجزائر.