أوباما يعد بإصلاح عمل الاستخبارات وتعزيز الشفافية

الرئيس الأميركي يصف نظيره الروسي «بالطفل غير المبالي» لكنه ينفي سوء العلاقة بينهما

أوباما وزوجته ميشال أثناء مغادرتهما البيت الأبيض باتجاه أورلاندو (فلوريدا) للمشاركة في مؤتمر للمحاربين القدامى، ومنها إلى مارثا فينيارد (ماساتشوستس) لقضاء عطلة (رويترز)
TT

وعد الرئيس الأميركي باراك أوباما مساء أول من أمس بإصلاحات في مجال مراقبة الاتصالات باسم «الشفافية» و«الثقة» لكنه نفى حدوث أي تجاوز بعد الجدل الذي أثارته قضية المستشار السابق للاستخبارات الأميركية إدوارد سنودن.

وقال أوباما في مؤتمر صحافي خصص الجزء الأكبر منه لبرامج وكالة الأمن القومي التي كشفها سنودن اللاجئ في روسيا حاليا، إنه يرغب «في العمل مع الكونغرس لوضع الإصلاحات المناسبة» للمواد الواردة في تشريعات القانون الوطني (باتريوت اكت) التي تتعلق بهذه العمليات.

و«القانون الوطني» هو مجموعة تشريعات أمنية أقرت بعيد اعتداءات 11 سبتمبر (أيلول) 2001. وتستند الإدارة الأميركية إلى مواد في هذه التشريعات لتبرير جمع معطيات هاتفية مثل مدة الاتصالات والرقم الذي تم الاتصال به.. من قبل وكالة الأمن القومي التي تتمتع بنفوذ كبير والمكلفة مراقبة القطاع الإلكتروني.

ووعد أوباما «بعهد جديد» في وكالات الاستخبارات الأميركية «بمزيد من الإشراف عليها والشفافية»، مؤكدا أن الولايات المتحدة لا تريد أن تتجسس على «المواطنين العاديين». لكن الرئيس الأميركي ذكر أن برنامج جمع البيانات الهاتفية «هو أداة مهمة في جهودنا لكشف المؤامرات الإرهابية»، مشددا على أن الحكومة لا تتنصت على مواطنيها. إلا أنه أضاف أنه «نظرا إلى حجم هذا البرنامج أتفهم مخاوف أولئك الذين يخشون سوء استغلال» هذا البرنامج.

ومن بين الإجراءات التي اقترحها أوباما تعزيز الرقابة التي تمارسها محكمة مراقبة الاستخبارات الخارجية، وهي محكمة سرية مؤلفة من 11 قاضيا يعود إليها أمر السماح لوكالة الأمن القومي بالطلب من مشغلي الهاتف والإنترنت الحصول على بيانات مشتركيها. وحتى الآن، كان القضاة يبتون في طلبات الحكومة من دون اعتراض. لكن أوباما قال: إنه ينوي تعيين «صوت مستقل» في الحكومة مع المحكمة لتأمين توازن بين الأمن والحياة الخاصة. وهناك إجراء آخر هو الكشف عن «أكبر قدر ممكن من المعلومات عن هذه البرامج» المخصصة للتنصت ومراقبة الاتصالات، على حد قوله. وأضاف الرئيس الأميركي «لقد سبق لنا أن رفعنا السرية عن قدر غير مسبوق من المعلومات المتعلقة بوكالة الأمن القومي، ولكن يمكننا الذهاب أبعد من هذا».

ومن الإجراءات المقترحة أيضا تعيين وكالة الأمن القومي مسؤولا مهمته السهر على حماية الحياة الخاصة والحريات العامة، والإعلان عبر موقع إلكتروني عن «ما تفعله وما لا تفعله» وكالات الاستخبارات. كما أعلن أوباما أنه سيتم تعيين مسؤول عن الحياة الخاصة في وكالة الأمن القومي، مشيرا إلى أن إدارته سترفع السرية عن وثائق متعلقة بالاستخبارات. وقال: «كشفت كمية لا سابق لها من المعلومات عن وكالة الأمن القومي ويمكننا أن نذهب أبعد من ذلك».

وطمأن أوباما شركاء الولايات المتحدة بشأن برامج الاستخبارات. وقال: «فيما يتعلق بالآخرين في العالم، أريد مرة جديدة أن أذكرهم بأن أميركا لا تهتم بالتجسس على أناس عاديين». وأضاف أن «وكالاتنا الاستخبارية تركز على البحث عن معلومات ضرورية لحماية شعبها وفي الكثير من الحالات حماية حلفائنا».

ورحبت جمعية الدفاع عن الحريات على الإنترنت «بأول مرحلة أساسية باتجاه حوار ديمقراطي ضروري منذ فترة طويلة»، داعية الكونغرس إلى التحرك بلا تأخير «لوقف جمع المعطيات الهاتفية للأميركيين على نطاق واسع». وفي المقابل، دعا الخصوم الجمهوريون للرئيس الأميركي، أوباما إلى ألا ينسى مهمة الاستخبارات الأولى. وقال برندانا باك الناطق باسم رئيس مجلس النواب جون باينر إن «الشفافية مهمة لكن يجب على البيت الأبيض أن يؤكد أن الإصلاح لن يؤثر على عملانية» البرامج.

وكان الكشف عن برامج التنصت الأميركي على الإنترنت أثار حفيظة شركاء واشنطن وفي مقدمتهم ألمانيا. وأضاف أوباما أن «كل هذه الإجراءات تهدف إلى العمل على أن يثق الأميركيون في أننا نحترم مصالحنا وقيمنا» ونقوم بعملياتنا الاستخبارية. وردا على سؤال عن سنودن الذي منحته موسكو مؤخرا حق اللجوء لمدة عام والمطلوب في بلاده بتهمة كشف معلومات سرية للغاية، قال أوباما إن المستشار السابق في وكالة الأمن القومي «ليس وطنيا».

وبخصوص روسيا، اتهم أوباما هذا البلد في ظل رئاسة فلاديمير بوتين باعتماد خطاب معاد للأميركيين، وبأن بوتين يمكن أن يبدو أحيانا «كطفل غير مبال يجلس في آخر الحجرة الدراسية». لكن أوباما خفف في وقت لاحق أمام الصحافيين من حدة تصريحاته الأولى مشددا على طبيعة علاقاته مع نظيره الروسي «البناءة غالبا»، مستبعدا أي مقاطعة للألعاب الأولمبية في سوتشي في 2014. وقال أوباما للصحافيين في البيت الأبيض «لا أقيم علاقات شخصية سيئة مع بوتين» بل على العكس «فإن محادثاتنا صريحة ومباشرة وغالبا بناءة». وأضاف: «أعلم أن الصحافة تحب التركيز على لغة الجسد، وهو غالبا ما يظهر كما لو أنه غير مهتم، لكن في الحقيقة حين نتحادث معا غالبا ما تكون محادثاتنا بناءة».

واعتبر بعض مراقبي الكرملين إرسال بوتين برقية أبدى فيه تمنياته بالصحة للرئيس الأميركي السابق جورج دبليو بوش بعد أن أجرى أطباء جراحة تركيب دعامة بعد فتح انسداد في أحد شرايين قلبه علامة على أن بوتين يرسل رسالة ضمنية لأوباما.

وفي حين كان أوباما يتوجه فيها إلى الصحافيين، كان وزيرا الخارجية والدفاع الأميركيان جون كيري وتشاك هيغل يسعيان مع نظيريهما سيرغي لافروف وسيرغي شويغو إصلاح العلاقات الجمعة في لقاء وجها لوجه. فقد شدد الوزراء الأربعة على مصالح البلدين المشتركة على الساحة الدولية بدلا من التركيز على جملة مواضيع خلافية بينهما وعلى برودة العلاقات منذ قضية سنودن وإلغاء اجتماع القمة بين أوباما وبوتين الذي كان مقررا عقده مطلع سبتمبر في موسكو قبل قمة مجموعة العشرين في الخامس والسادس من سبتمبر في مدينة سانت بطرسبورغ التي سيتوجه إليها الرئيس الأميركي في مجمل الأحوال.

وصرح لافروف بعد اجتماع الوزراء الأربعة «أن الأجواء العامة كانت إيجابية ما يحث على التفاؤل». وأضاف الوزير الروسي «يجب علينا أن لا نرى أي تدهور» في العلاقات متحدثا عن «علاقة طبيعية» بين القوتين العظميين. وقال للصحافيين «من الواضح أنه لا يمكن توقع حرب باردة» بين واشنطن وموسكو، مشيرا إلى أن قضية سنودن «لا تؤثر على الخطوط العريضة للعلاقات» الثنائية. وشدد نظيره الأميركي جون كيري أيضا على «علاقة مهمة جدا تتميز في آن بمصالح مشتركة وأحيانا بمصالح متضاربة».

وقال كيري «نعلم كلانا أن الدبلوماسية هي مثل لعبة الهوكي على الجليد وتؤدي أحيانا إلى اصطدامات»، مؤكدا في الوقت نفسه رغبته في العمل مع روسيا بشأن موضوع سوريا وبخاصة تنظيم مؤتمر سلام في جنيف. وأضاف كيري «أنني وسيرغي لسنا دوما على اتفاق تام حول مسؤولية إراقة الدماء أو حول سبل التقدم» لكن «كلانا وكذلك بلدانا، نتوافق على القول: إنه لتفادي الانهيار المؤسساتي والسقوط في الفوضى فإن الرد الأخير هو الحل السياسي التفاوضي». وأكد لافروف على ضرورة عملية السلام لكنه ذكر بأن الأولوية يجب أن تكون «محاربة الإرهابيين»، وهي العبارة التي تستخدمها دمشق وموسكو للإشارة إلى المعارضين السوريين المسلحين.