ضواحي باريس الفقيرة وجهة سياحية جديدة

نجحت في جذب السياح الأجانب والمحليين بعدما كانوا يتجنبونها لسمعتها السيئة

الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند مع بعض أبناء أحياء باريس الفقيرة (أ.ب)
TT

سياح عند أقدام الأحياء الشعبية «9 - 3» أفقر ضواحي باريس؟ هذا المشهد لم يكن معقولا حتى في الخيال قبل نحو 15 عاما، إلا أنه تحول إلى واقع، إذ إن إحدى أفقر مناطق فرنسا نجحت في جذب السياح والفضوليين.

في وسط حي ستان الذي يضم مساكن شعبية بنيت في عشرينات القرن الماضي بهذه المقاطعة الواقعة شمال باريس، تتقدم مجموعة أشخاص في طابور، داهسة الأعشاب العشوائية التي تنبت عند أقدام الأبنية المقامة من حجر الآجر.

هؤلاء الزوار أتوا من منطقة باريس أو من إنجلترا، وهي المرة الأولى بالنسبة لغالبيتهم التي يأتون فيها إلى هذا الحي في منطقة سين - سان - دوني.

وتقول جولي بانيس، (23 عاما): «إنها أمكنة لا نأتي إليها أبدا». لكن هذه الطالبة في التخطيط المدني أرادت «اكتشاف أمر مختلف»، وقد جذبتها هذه المنطقة الخضراء على بعد أقل من نصف ساعة من باريس.

وقد كانت السياحة في منطقة سين - سان - دوني قبل عشرين سنة تقتصر على كاتدرائية سان دوني ومتحف الجو والفضاء ومركز بورجيه وسوق البراغيث في سانتاوين. إلا أن إقامة ملعب «استاد دو فرانس» غير الوضع في 1998، إذ إن لجنة محلية للسياحة شكلت في «9 - 3».

ويتذكر دانيال أورانتان مدير هذه اللجنة: «عندما كنا نقول إننا نريد تطوير السياحة في سين - سان - دوني كان الناس يضحكون ويستخفون بنا».

وكان التحدي يكمن في إبراز مكان انتشر فيه التطور العمراني، لا واجهة بحرية له، ولا ريف، ولا جبل، ويعاني سمعة سيئة تجمع بين الفقر والعنف والهجرة تفاقمت أكثر مع أعمال الشغب التي شهدتها الضواحي في عام 2005.

ويوضح مدير اللجنة: «كان ينبغي ألا نعكس صورة غير واقعية مجملة للمنطقة. لقد لعبنا بورقة الأصالة من خلال إظهار الشركات التي استقرت في المنطقة والناس الذين يقيمون بها».

ويزور السياح مثلا قاعة الزواج في بلدية بوبينيي مع ماريان (تمثال نصفي يرمز إلى فرنسا) أفريقية ومقاعدها على شكل قلوب، ويتنزهون في حي أوبرفيلييه مع دليل هو مغني «سلام»، ويتفقدون مصنع «بلييل» لآلات البيانو أو مشاغل هيئة النقل الباريسية (آر آ تي بي).

شبكة «غريترز»، المؤلفة من متطوعين ينظمون زيارات لأحيائهم مع السياح، تطورت بشكل جيد في المقاطعة. وقد تم إعداد غرف لدى السكان في إطار مشروع «أكويي بانليو» (استقبال الضواحي). ففي مقابل مبلغ زهيد، يمكن للسياح الإقامة بهذه الغرف والمشاركة في زيارة للحي.

ويقول ماتيو غليمان أحد المنظمين: «لقد كان الطلب كبيرا في عام 2012 مع 400 ليلة أشغال لدى 35 إلى 40 شخصا قدموا هذه الغرف». المبادرة التي تطورت بفضل تناقل المعلومة من شخص لآخر كانت أيضا موضع مقال نشر في صحيفة «نيويورك تايمز»، على ما يؤكد.

والى جانب هذه السياحة «البديلة»، طورت المقاطعة سياحة الأعمال التي تشكل «60 إلى 70% من ليالي الأشغال» في سين - سان - دوني، على ما يوضح دانيال أروانتان.

واختارت اللجنة أن تتعاون مع دوائر شعبية في شمال شرقي باريس للترويج لمنطقة «شمال - شرق باريس». وقد استقبل مركز المعارض «باريس نور فيلوبينت» 1.6 مليون زائر، ونظم 80 حدثا في 2012.

وتقول عالمة الإنثروبولوجيا ساسكيا كوزين المتخصصة بالرهانات السياسية للسياحة، إن منطقة سين - سان - دوني «نجحت في إثارة الرغبة» في زيارتها.

فالسياح الذين يأتون من منطقة باريس «يريدون أن يقولوا: (أنا أتيت إليها قبل الجميع)»، على ما تقول الخبيرة. أما السياح الأجانب فهم «يسقطون الحاجز النفسي المتمثل بالطرق الالتفافية» الراسخ جدا لدى الفرنسيين الذي يترددون في عبور هذا الطريق السريع الذي يفصل باريس عن ضاحيتها.

جان - بيار بلات، المدير العام للجنة المحلية للسياحة في منطقة إيل - دو - فرانس، أشاد بحصيلة «إيجابية من دون أي شك» في غضون 15 عاما، لكنه شدد على ضرورة الاستثمار أكثر «على صعيد البنية التحتية والتجهيزات والترفيه والتسويق».

وفي حين تمكنت المقاطعة من جذب سياحة الأعمال ينبغي أن «توفر أيضا وسائل ترفيه لكي لا تعطي السياح الذي يقيمون بالمنطقة الرغبة في التوجه إلى باريس لتمضية سهرتهم».

ويكشف عن أن «هذا قطاع يدر الكثير من المال». وفي هذه المنطقة التي تعاني البطالة والفقر أكثر من غيرها، تشكل السياحة رافعة لا يستهان بها للتنمية.