كاميرون: يجب التحرك للرد على جريمة الحرب في سوريا

الحكومة البريطانية تريد تفويضا من الأمم المتحدة ولكنها مستعدة للضربة من دونها

رئيس الوزراء البريطاني في البرلمان أمس لبحث الأزمة السورية وخلفه نائب الرئيس نيك كليغ ووزير الخارجية ويليام هيغ ووزير الخزانة جورج أوسبورن (رويترز)
TT

دعا رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون أمس إلى تحرك عسكري محدود ضد سوريا للرد على استخدام الأسلحة الكيماوية، مؤكدا التزامه بانتظار تقرير المفتشين الدوليين الذين من المتوقع أن يغادروا دمشق غدا. وعلى الرغم من أن كاميرون لم يقدم أدلة قاطعة تثبت مسؤولية النظام السوري عن استخدام السلاح الكيماوي في البلاد، اعتبر كاميرون أن الرئيس السوري بشار الأسد يحاول اختبار العالم، ولذا يجب الرد عليه. وشدد كاميرون في خطابه أمام البرلمان البريطاني أمس على أنه يجب «التحرك للرد على جريمة الحرب» في سوريا، متهما النظام السوري باستخدام السلاح الكيماوي 14 مرة، على الرغم من أنه قال: «لا يمكن التأكد مائة في المائة» من ذلك. وكرر كاميرون في مداخلته أمام البرلمان البريطاني أن مسألة لوم النظام السوري «تعتمد على التقييم» الذي حصل عليه. ومثل كاميرون أمام البرلمان بعد أن نشرت الحكومة البريطانية ملخص الرأي القانوني حول إمكانية المشاركة في عمل عسكري في سوريا. وبموجب الملخص الذي اطلعت عليه «الشرق الأوسط»، فإن استخدام الأسلحة الكيماوية «جريمة حرب» و«جريمة ضد الإنسانية»، وإنه في حال فشل مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في إصدار تفويض للتحرك العسكري فـ«يمكن للأمم المتحدة بموجب القانون الدولي أن تتخذ خطوات استثنائية لرفع الكارثة الإنسانية في سوريا من خلال ردع النظام السوري ومنع استخدام إضافي للأسلحة الكيماوية». وأشارت الحكومة البريطانية إلى أنه بموجب «قانون التدخل الإنساني» يمكن التدخل العسكري، وهو ما يريد رئيس الوزراء البريطاني الاستناد إليه لضربة عسكرية على سوريا باتت وشيكة حتى في حال استخدمت روسيا والصين حق النقض (الفيتو) لمنع قرار دولي يفوض التحرك العسكري.

وأكد رئيس الوزراء البريطاني أن أي تحرك عسكري سيكون «هدفه فقط منع استخدام السلاح الكيماوي في سوريا، وذلك فقط»، مضيفا أمام قاعة مليئة بالنواب البريطانيين: «الأمر لا يتعلق بأخذ جانب أحد الأطراف المتنازعة (في سوريا) ولا هو تعبير عن نية للغزو». وكان من الواضح خلال النقاش الحامي في مجلس النواب البريطاني الشكوك بين أعضاء مجلس النواب البريطاني من المعلومات المتاحة حول تورط النظام السوري باستخدام الأسلحة الكيماوية. وأقر كاميرون بأن «الرأي العام مسموم بسبب ما حدث في العراق»، في إشارة إلى حرب العراق عام 2003. ولكنه أضاف أن «الأمر مختلف الآن»، مشددا على أن الرئيس الأميركي باراك أوباما «ليس رئيسا يريد إدخال بلاده في حرب جديدة في الشرق الأوسط»، مشددا على أن التطورات تستدعي العمل لمنع استخدام الأسلحة الكيماوية مستقبلا. واعتبر كاميرون أن «الأسد يحاول اختبار حدود العالم.. لقد استخدم الأسلحة الكيماوية 14 مرة على الأقل. في النهاية الأمر يتعلق بتقييمنا نحن لما حدث».

وكرر كاميرون مرات عدة في رده على أسئلة النواب البريطانيين بأن الموقف في سوريا مختلف تماما عن حرب العراق عام 2003، مشددا على أهمية «دعم الجامعة العربية» لتحرك عسكري للرد على استخدام الأسلحة الكيماوية في سوريا، بالإضافة إلى «حلفاء» في المنطقة، في إشارة إلى تركيا. وأضاف: «علينا أن نلعب دورنا في رد دولي.. علينا أن نقوم بالخطوة الصائبة وبالطريقة الصائبة، علينا ألا نجعل شبح الأخطاء السابق تشلنا من اتخاذ الخطوة الصائبة».

واستمر نقاش البرلمان البريطاني للخيارات أمام الحكومة البريطانية في الرد على استخدام الأسلحة الكيماوية في سوريا لساعات طويلة. ودارت الكثير من النقاشات حول الأرضية القانونية لأي ضربة عسكرية من دون تفويض من الأمم المتحدة. وقال جاك سترو، الذي كان وزيرا للخارجية في بريطانيا وقت حرب العراق عام 2003، إن هناك معارضة ملموسة في بريطانيا من التورط في حرب خارجية. ولفت إلى أن «أحد الأهداف التي ذكرها رئيس الوزراء (لضربة عسكرية) ستكون تقليص قدرات الأسد لاستخدام الأسلحة الكيماوية»، ولكن أوضح رئيس هيئة الأركان الأميركي الجنرال مارتن ديمبسي أن ذلك سيتطلب معدات وقدرات عسكرية هائلة.. بتكلفة مليار دولار شهريا لأشهر طويلة. ولكن أكد كاميرون أن الهدف ليس الدخول في حرب مطولة في سوريا، موضحا: «ما نريده أن نردع ونمنع الاستخدام للأسلحة الكيماوية». وأضاف: «إن منطقة شرق أوسط مستقرة أمر متعلق بأمننا القومي.. ولكن أيضا استخدام الأسلحة الكيماوية متعلق بأمننا القومي».

وأكد كاميرون مجددا التزام بلاده بحل سلمي في سوريا، لافتا إلى أنه «ما دام الأسد يستطيع تحدي العزيمة الدولية لن يلتزم بحل سياسي.. رد قوي سيقوي العملية السياسية». وفي ما يخص روسيا، قال: «في منافسة شاسعة بيننا ولكننا متفقون على ضرورة إنجاح العملية السياسية».

وهناك مخاوف بريطانيا من رد فعل الشباب المسلمين في بريطانيا من أي تحرك عسكري في سوريا وإمكانية أن يؤدي ذلك إلى انخراط بعضهم في الجماعات المتطرفة. وتطرق كاميرون إلى هذه القضية مباشرة أمام البرلمان، قائلا: «لن تكن سببا للتطرف في المنطقة.. المسلمون الشباب في بريطانيا وحول العالم يرون المسلمين يقتلون ويريدون معرفة إذا كان العالم سيرد لإنقاذ إخوانهم من المسلمين». ولكن «مجلس مسلمي بريطانيا»، وهو أكبر رابطة للمنظمات الإسلامية في بريطانيا، أصدر بيانا يؤكد رفضه لأي تحرك عسكري في سوريا. وأفاد البيان بأن «غالبية المسلمين البريطانيين وباقي الشعب البريطاني قلقون من معاناة الشعب السوري. قادتنا وممثلونا أمامهم قرار متعب عليهم اتخاذه»، مضيفا: «ندين الجرائم البشعة التي يقوم بها نظام الأسد ولا نؤيد أعمال العنف العشوائية التي تقوم بها بعض عناصر المعارضة.. ولكن لا نعتقد أن عملا عسكريا سيجعل الوضع أفضل بالنسبة لشعب سوريا المضطهد». وأضاف البيان: «نحن قلقون من أن تغيير النظام من قبل قوات غربية عسكرية ستؤدي إلى فوضى مشابهة لما رأيناه في العراق بعد الغزو».

والمجلس ليس وحده في رفع صوته ضد تحرك عسكري في سوريا الآن، فزعيم حزب العمال البريطاني إيد ميليباند طالب بعدم جر بريطانيا إلى عمل عسكري من دون تفويض الأمم المتحدة. وقال أمام البرلمان أمس: «ندين ما حدث في الغوطة، الانقسام ليس حول الإدانة.. ولكن لا يمكن تحقيق الاستقرار من حيث العمل العسكري». وأضاف: «هذا قرار خطير ويجب معالجته هكذا.. الاختبار الحقيقي سيكون إذا ما كان بإمكان المجتمع الدولي العمل بطريقة قانونية للتقليل من معاناتهم». وكان من اللافت أن النائب البريطاني من حزب المحافظين من أصل عراقي نديم زهاوي اتهم ميليباند بـ«العمل على تقسيم مجلس النواب»، وطالب بالتدخل العسكري في سوريا. ولكن زعيم المعارضة قال إن هدفه وضع آلية لبحث القضية بإطار صحيح. وأضاف ميليباند: «علينا أن نقيم الأدلة خلال الفترة المقبلة.. لا يمكن الاستعجال في هذا القرار بناء على جدول زمني يوضع في مكان آخر»، في إشارة إلى واشنطن.

وقال وزير الخارجية البريطاني السابق مالكولم ريفكيند: «الحكومة تجاوبت مع طلب المعارضة وأعضاء الحكومة المطالبين بانتظار موقف الأمم المتحدة». وطالب ريفكيند بتحرك عسكري وموقف متحد في بريطانيا، قائلا: «نظام الأسد يراقب عن كثب ما نفعله.. وإذا كان لا يوجد رد سيستخدمون هذه الأسلحة مستقبلا». وأضاف: «عدم التحرك قرار بحد ذاته»، مشيرا إلى عدم تحرك أوروبا بوجه الفاشية القرن الماضي مما أدى إلى الحرب العالمية الثانية.

ولفت بدوره جاك سترو إلى أهمية اتخاذ مواقف مهمة في أوقات عصيبة، قائلا: «الحرب في العراق لم تجعل هذا المجلس رافضا للحرب»، مشيرا إلى الحرب في ليبيا. وانتقد سترو تحرك الحكومة البريطانية من دون معرفة تقييم مفتشي الأمم المتحدة، قائلا: «لم تقدم الحكومة أدلتها حتى الآن.. تم التأكد من استخدام الأسلحة الكيماوية ولكن علينا انتظار تقرير مفتشي الأمم المتحدة».