مفارقات الدبلوماسية الفرنسية.. وخلفيات مشاركة باريس في ضرب سوريا

المعارضة تتساءل عن جدوى «الالتصاق» بواشنطن.. و64% من الفرنسيين يعارضون الحرب

TT

استدعت الحكومة الفرنسية البرلمان بمجلسيه، «الجمعية الوطنية» و«مجلس الشيوخ»، للاجتماع الأربعاء المقبل لإطلاعه على خططها في سوريا والأسباب التي دفعتها للمشاركة في الضربة العسكرية المنتظرة، التي قال عنها الرئيس فرنسوا هولاند إنه يمكن أن تحصل قبل الأربعاء؛ أي قبل اجتماع البرلمان وقبل قمة العشرين في سان بطرسبورغ.

وحظ الحكومة، ومعها الرئيس، أن الدستور لا يلزمهما طلب التصويت على سياستهما، بل فقط «إطلاع» البرلمان عليها، مما يعني أن هولاند لن يعرف المتاعب التي عرفها رئيس الوزراء البريطاني، ديفيد كاميرون، في مجلس العموم، رغم المعارضة المتنامية نيابيا وشعبيا لرغبته الجامحة في المشاركة في ضربة عسكرية للنظام السوري و«معاقبته» على ما ارتكبت يداه صبيحة 21 أغسطس (آب) في الغوطتين الشرقية والغربية باللجوء إلى السلاح الكيماوي.

وفي كل خطبه، يتحدث هولاند عن «المجزرة الكيماوية» وعن الحاجة لرد «حازم ومتناسب» حتى لا يعيد النظام الكرة وليكون عبرة لمن تسول نفسه تخطي القوانين الدولية.

وحتى الآن، كانت الحكومة مطمئنة إلى توافر أكثرية نيابية وحزبية داعمة لخطها المتشدد في سوريا، تتشكل من «الحزب الاشتراكي» (الحاكم)، و«الخضر» (الشركاء في الحكومة)، ومن المعارضة اليمينية الكلاسيكية «حزب الاتحاد من أجل حركة شعبية». وفي المقابل، فإن المعارضة كانت مقصورة على «الأطراف»؛ أي الشيوعيين واليسار المتطرف واليمين المتطرف وبعض الشخصيات اليمينية التي هالها أن تكون باريس وحدها إلى جانب واشنطن في «مغامرتها السورية»، وخصوصا أن تذهب إلى الحرب من غير قرار في مجلس الأمن الدولي وهي التي وقفت بوجه واشنطن في مجلس الأمن في عام 2003 قبل حرب العراق الثانية وإسقاط نظام صدام حسين ثم محاكمته وشنقه.

ومن جهة أخرى، يرى بعض المراقبين أن الرئيس هولاند الذي رسمت عنه قبل انتخابه صورة الرجل «المتردد»، غير القادر على الحسم بعكس سابقه نيكولا ساركوزي، لا يتردد في دفع الجيش الفرنسي إلى ميدان القتال. وخلال ثمانية أشهر، شن حربين: الأولى في مالي بداية العام الحالي، والثانية الحرب المنتظرة في سوريا. وقبلها شاركت باريس، إبان حكم ساركوزي، في حربين أخريين: ليبيا وساحل العاج، فضلا عن التزاماتها الأمنية المتعددة في أفريقيا السوداء، وكل ذلك في سنوات الميزانية العجاف، حيث المطلوب من جميع وزارات الدولة أن تخفض نفقاتها، بما فيها وزارة الدفاع.

وتتمثل حجة المعارضين الأولى بالتساؤل حول الجدوى من «الالتصاق» بالولايات المتحدة وعن «الدور» الذي ستلعبه القوات الفرنسية في الضربة المذكورة وعن مدى قدرتها في التأثير على مسارها وعلى الحليف الأميركي، وكل ذلك في ظل غياب قرار من مجلس الأمن.

وأظهر آخر استطلاع للرأي، نشرت نتائجه أمس، أن 64% من الفرنسيين يعارضون مشاركة بلادهم، مما يشكل زيادة من ست نقاط على الاستطلاع الذي سبقه بيوم واحد. وأكثر من ذلك، فإن جان فرنسوا كوبيه، رئيس «الاتحاد من أجل حركة شعبية»، طلب من الرئيس هولاند «عدم التسرع» و«انتظار خلاصات المحققين الدوليين قبل اتخاذ أي قرار». والحال، أن هولاند اتخذ قراره النهائي، وهو المشاركة في الضربة العسكرية مهما تكن نتائج التحقيق وهوية الجهات الدولية التي ستكون ضالعة فيها. ولم يتردد هولاند، أول من أمس، في القول إن الضربة «آتية»، وإن الانسحاب البريطاني لن يقدم ولن يؤخر، رغم أن أطرافا في الحكومة سعت لدى زعيم المعارضة البريطانية لثنيه عن التصويت ضد قرار مشاركة بريطانيا. وكان الاشتراكيون الفرنسيون يعتقدون أن «قربهم» من حزب العمال البريطاني آيديولوجيا وسياسيا يمكنهم من التأثير على نوابه، الأمر الذي ثبت خطأه.

وأمس، دعت غالبية الصحف الفرنسية الحكومة إلى توخي «الحذر» وفي ذهنها ما حصل للأميركيين في العراق. وحاول هولاند الرد سلفا على هذه المخاوف بقوله لصحيفة «لوموند» إن باريس «لا تخوض حربا ولا تسعى لتحرير سوريا ولا التخلص من ديكتاتورها»، لا، بل إنه رفض الحديث عن حرب، معتبرا أن ما سيحصل مجرد «معاقبة» نظام على فعل شنيع ارتكبه حتى لا يكرر التجربة.

وبينما اكتملت الاستعدادات الفرنسية العسكرية بحريا وجويا ووضعت الخطط التي حدد بموجبها دور القوات الفرنسية الجوية التي سيكون من مهماتها، على ما يبدو، مهاجمة الأهداف السورية القريبة من الشاطئ بصورايخ «SCALP - EG» التي تحملها طائرات الرافال - فإن تساؤلات المراقبين تدور حول «اليوم التالي»، مما يعيد طرح موضوع الأهداف الحقيقية للضربة العسكرية. ويجادل هؤلاء في «فائدة» ضربة «مخففة» على النظام الذي لن يقع بموجبها أو بهجمات تصيب بعض الأهداف ولكن لا تضعف قوات النظام بشكل يمكن قوات المعارضة من تحقيق مكاسب ميدانية جدية أو يرغم دمشق على قبول الذهاب إلى «جنيف 2» والسير في الحل السياسي الذي سعى الروس والأميركيون للتسويق له. كما أن آخرين يتساءلون عن «الانعكاسات» الأمنية لمشاركة باريس في العملية العسكرية على مصالحها ووجودها في منطقة الشرق الأوسط، الممتدة من إيران وحتى ضفاف المتوسط. ولا ينسى هؤلاء التذكير بالحجة التي ساقها وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف قبل فترة حين تساءل عن معنى مساندة باريس لمجموعات في سوريا قاتلتهم في مالي.