المظاهرات المناوئة لامتيازات الطبقة السياسية تعم العراق

المالكي يدعم مطالبها كلاما.. ويتصدى لها عمليا

جانب من مظاهرة حاشدة ضد امتيازات الطبقة السياسية في الناصرية مركز محافظة ذي قار أمس («الشرق الأوسط»)
TT

لأول مرة منذ مظاهرات الخامس والعشرين من فبراير (شباط) 2011 ضد الفساد وسوء الخدمات، عمت مظاهرات جماهيرية حاشدة العراق أمس بدءا من العاصمة بغداد وكل المحافظات الوسطى والجنوبية، بينما تستمر منذ ثمانية شهور المظاهرات والاعتصامات في المحافظات الغربية التي أعلنت تأييدها لها.

وفي حين طاردت قوات مكافحة الشغب وقوات «سوات»، التي يطلق عليها «الفرقة الذهبية»، متظاهري بغداد من شارع إلى شارع ومن ساحة إلى أخرى، فإن المواقف اختلفت في المحافظات الوسطى والجنوبية طبقا للحكومات المحلية التي تتولى مهام تلك المحافظات.

وفي مفارقة لفتت أنظار الجهات التنسيقية الخاصة بمظاهرات أمس، فقد أعلن رئيس الوزراء نوري المالكي تأييده لمطالب المتظاهرين للمطالبة بـ«إلغاء» الرواتب التقاعدية للنواب وأعضاء المجالس المحلية. وقال مكتب المالكي، في بيان مقتضب، إنه «يعلن مساندته لمطالب المتظاهرين بإلغاء رواتب التقاعد وتعديل رواتب الطبقات الضعيفة من الموظفين». وأبدى المالكي دعمه «لهذا التوجه سواء في الحكومة أو من خلال كتلة دولة القانون في مجلس النواب ولدى الرأي العام من أجل تحقيقه».

وجاء حديث المالكي عن دعم مطالب المتظاهرين بعد أن أغلقت القوات الأمنية جميع الطرق المؤدية إلى مركز بغداد، وتم منع المتظاهرين من الوصول إلى ساحة التحرير. وقالت الناشطة في حقوق الإنسان وعضو اللجان التنسيقية للمظاهرات شروق العبايجي، في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك تناقضا في موقف الحكومة، وذلك في وقت تعلن فيها تأييدها لمطالبنا، بينما ترسل لنا قوات مكافحة الشغب، التي نسميها نحن مكافحة الشعب، لمطاردتنا في الشوارع والساحات حتى وصلنا شارع النضال»، مشيرة إلى أن «قوات سوات تولت معاقبة العديد من الناشطين، إما بعمليات الاعتقال التعسفي أو الإهانة، فضلا عن ممارسات كثيرة». وأضافت الناشطة أن «الهدف من وراء مثل هذه الممارسات هو كسر إرادة المتظاهرين، وهذا لا يمكن أن يحصل لأننا أصحاب حق، وأود أن أقول هنا إن العديد من أبناء القوات المسلحة كانوا يخجلون مما يقومون به، والكثير منهم اعتذر منا، وهو ما تخشاه السلطة لأن مطالبنا عامة تتعلق أيضا بمحاربة الفساد والخدمات وغيرهما، ولن نقف إلا بعد أن تتحقق كل هذه المطالب».

من جهتها، أعلنت اللجان التنسيقية لمظاهرات المحافظات الغربية، التي انطلقت قبل نحو ثمانية شهور، تأييدها لمظاهرات الوسط والجنوب. وقال عضو لجان التنسيق الشعبية لمظاهرات الأنبار الشيخ غسان العيثاوي، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، إن «المظاهرات التي تعم الشارع العراقي اليوم إنما هي دليل أكيد على صحة خروجنا قبل شهور، وهذا دليل أيضا على أن الحكومة لم تتقدم خطوة أساسية على صعيد تحقيق المطالب التي خرجنا من أجلها، وكلها مطالب عراقية». ودعا العيثاوي متظاهري الوسط والجنوب إلى «التزام الهدوء والإطار السلمي حتى لا تكون هناك ذريعة للحكومة لاتخاذ إجراءات مضادة لهم، لأن نيل المطالب يتطلب الصبر والثبات». وأوضح أن «همومنا واحدة سواء في المناطق الغربية أو الوسطى أو الجنوبية، حيث إن العراقيين جميعا يعومون على بحر من النفط، بينما لم يحصلوا على شيء منه ما عدا الطبقة السياسية التي أخذت كل شيء باسم الشعب الذي كل جريرته أنه انتخبها لكي تقدم له الخدمات وهو ما لم يحصل أبدا».

وفي سياق ردود الفعل فقد أدان ائتلاف «متحدون»، الذي يتزعمه رئيس البرلمان أسامة النجيفي، استخدام العنف ضد المتظاهرين. وقال الائتلاف في بيان له تلقت «الشرق الأوسط» نسخة منه إن «ركون العراقيين إلى التظاهر السلمي من أجل تحصيل حقوقهم وتغيير واقعهم السيئ الذي يعيشونه يعبر عن وعي كبير وحرص طيب على الوطن ومصلحته». وأكد الائتلاف أن «حق التظاهر مكفول دستوريا لجميع العراقيين في شمال العراق ووسطه وجنوبه»، محييا «أبناء شعبنا الذين يرنون للخلاص من معاناتهم التي طالت كثيرا». وأضاف أن «امتداد المظاهرات السلمية إلى محافظات البصرة وذي قار وغيرهما لمساندة شقيقاتها الست المنتفضة يعزز القول بأن معاناة وهموم أبناء شعبنا واحدة وتطلعهم للحياة الكريمة واحد، وهو ما ينبغي مساندته ودعمه من أجل رؤية بلدنا العزيز آمنا مستقرا مزدهرا». وتابع البيان «إزاء هذه المسألة المهمة نجد السلوك الحكومي غريبا ولا يتوافق مع معايير الديمقراطية، فهو بين تهديد مبطن بغطاء الحرص على مصالح الشعب وتعويق طريق المظاهرات عبر قطع الطرق والجسور»، موضحا أنه «لا شيء يوقف إرادة الجماهير التي ينبغي لنا أن نتعامل معها بمستوى المسؤولية الوطنية والأخلاقية».

وشهدت الناصرية، مركز محافظة ذي قار، مواجهات بين المتظاهرين وقوات الأمن، التي استخدمت الذخيرة الحية وخراطيم المياه والهراوات، أسفرت عن إصابة أربعة أشخاص واعتقال العشرات. وقال عضو اللجنة التنسيقية للمظاهرات في ذي قار محمد ياسر، لـ«الشرق الأوسط»، إن «أكثر من ألف شخص خرجوا في محافظة ذي قار مطالبين بإلغاء الرواتب التقاعدية للبرلمانيين والرئاسات الثلاث التي تثقل ميزانية الدولة والتي تعد سرقة للمال العام». وأضاف أن القوات الأمنية «اعتدت على عدد كبير من المتظاهرين، ونقل على أثر ذلك أكثر من أربعة أشخاص إلى المستشفى، فيما قامت بعد ذلك بحملة اعتقالات واسعة شملت العشرات من الناشطين وأعضاء اللجان التنسيقية».