عشية بدء العام الدراسي.. نصف مليون تلميذ سوري نازح إلى لبنان

المآسي ومشاهد القتل سرقت منهم براءتهم.. وحلم العودة لا يفارقهم

لاجئ سوري من حمص يحمل ابنه حيث يمكث هو وعائلته في مخيم للاجيئن في البقاع اللبناني منذ أشهر (أ.ب)
TT

تعبر «آية» ابنة التسع سنوات بحماسة وحزن معا، عن اشتياقها لمدرستها ولرفاقها في الصف الثاني الابتدائي في سوريا، ولا سيما لزميلتها سناء التي لم ترها منذ أكثر من سنة، بعدما توقفت الأخيرة عن المجيء إلى المدرسة، إثر موت والدها في بلدتهم الحولة في ريف حمص، ومن ثم هروب آية مع عائلتها إلى لبنان، وتحديدا إلى إحدى بلدات إقليم الخروب في جبل لبنان، حيث يعمل والدها في مجال البناء.

بتعابير طفولية وكلمات متقطعة وأسى تكشفه عيناها الزرقاوان، تحاول آية أن تثبت لمحدثها أنها تلميذة مجتهدة. فإذا بها تؤكد «رغم غيابي أياما عدة عن المدرسة لأنني كنت منشغلة بأعمال المنزل مع أمي، استطعت أن أقرأ الدرس بشكل جيد وحصلت على علامة مرتفعة أكثر من زملائي الذين كانوا حاضرين في الصف». لكن من دون سابق إنذار، تنتقل فجأة لتحدثنا عن تلك الصور التي وصلت لوالدها على الهاتف تظهر جثثا مقطعة الأوصال لأولاد جيرانها ولابن خالتها الذي لم تستطع أمه تحمل موته، وبكت كثيرا على غيابه، قائلة: «لو مات أولادي الـ12 لن أحزن بقدر حزني على موت ابني الحنون». هذه المأساة وغيرها من المآسي كانت كفيلة بأن تسرق من آية وأختها «شمس» (10 سنوات) براءتهما لتنضجا قبل الأوان، وتتحولا إلى سيدتي منزل تغسلان الصحون وتنظفان تلك الغرفة الصغيرة التي تضم كل أفراد العائلة، وتحضران لوالدهما «طبق الأرز» عندما يعود من عمله «إذا كانت أمي خارج المنزل»، كما تقولان، لكنهما وعلى الرغم من ذلك، لا تزالان تنتظران بأمل لحظة الرجوع إلى بيتهما في الحولة، وإلى ملعب المدرسة حيث سقطت القذيفة أمام أعينهما، ونجا منها شقيقهما بأعجوبة، لا سيما أن أمل الذهاب إلى المدرسة في لبنان يكاد يكون مفقودا في ظل عدم قدرة والدهما على تأمين تكاليف المدرسة، وهو بذلك سيكتفي فقط بتسجيل أخيهما مصطفى. وأمل العودة هذا، كما حلم إكمال الدراسة والتخصص في الجامعة، لا يفارق شمس وآية، فالأولى تحلم بأن تصبح طبيبة وتداوي المرضى والمصابين في الحرب في سوريا، في حين شغف آية بتحضير الطعام يجعلها تفكر بأن تصبح طاهية محترفة عندما تكبر لتحضر أشهى الأطباق.

آية وشمس وأشقاؤهما مصطفى ومحمد وعبد الرحمن، هم خمسة أطفال من أصل ما يقارب نصف مليون طفل سوري هاربين من الحرب في بلدهم إلى لبنان، ومليوني تلميذ تسربوا من مدارسهم منذ العام الدراسي الماضي، ولا يزالون مشردين ونازحين في بلاد الجوار وبعض المناطق السورية، وأربعة ملايين طفل تأثروا بالنزاع الدائر، وفق ما أعلنت منظمة «يونيسيف»، مشيرة إلى أنه بات هناك ضرورة ملحّة لعودة الأطفال إلى التعليم في ظل الأزمة السورية والحاجة الماسة للتمويل.

وكانت المنظمة قد كشفت في تقريرها أن 550 ألف تلميذ سوري في سن الدراسة سيوجدون في لبنان نهاية عام 2013، وأن 15 في المائة فقط من الأطفال اللاجئين كانوا مسجلين العام الماضي في المدارس اللبنانية، معظمهم بين الصف الأول والتاسع، وهو الأمر الذي أشار إليه أيضا وزير التربية والتعليم في حكومة تصريف الأعمال بلبنان حسان دياب، موضحا أن «الضغط على المدارس الرسمية سببه أن معظم التلاميذ هم دون الصف التاسع، وعدد الذين سجلوا العام الماضي في المرحلة الثانية بلغ ألفا أو أكثر، من أصل 33 ألفا»، مشددا على الحاجة إلى «تضافر كل الجهود، أكان على صعيد الوزارات المعنية أم الجهات المانحة لمعالجة المشكلة».

وفي إطار التعاون بين وزارتي الشؤون الاجتماعية والتربية يتم العمل على سلسلة إجراءات لتسهيل تسجيل التلاميذ في المدارس الرسمية مجانا، من دون عقبات، لا سيما في ظل التوقعات بزيادة عددهم هذا العام، بعدما كان قد تم تسجيل نحو 33 ألفا العام الماضي، أضيفوا إلى 18 ألفا آخرين من الجنسية السورية كانوا مسجلين في المدارس الرسمية اللبنانية قبل بدء الأزمة السورية في لبنان، بحسب ما أعلنه دياب. وحذر وزير التربية من الوصول إلى مرحلة يصعب فيها استيعاب الأعداد الإضافية، في 1300 مدرسة وثانوية في القطاع الرسمي تستقبل أيضا التلاميذ اللبنانيين الذين يبلغ عددهم 300 ألف، وهو الأمر الذي جعل من وزير الشؤون الاجتماعية وائل أبو فاعور يدق ناقوس الخطر، مبديا أمله في نتائج المؤتمر الذي سيعقد في الأمم المتحدة لتوفير الدعم للبنان.

وعشية بدء العام الدراسي في لبنان والدول المجاورة، يبدو أن إعادة الأطفال إلى التعليم، وفق «يونيسيف»، مهمة ليست سهلة في لبنان، مشيرة إلى أن العام الماضي 15 في المائة فقط من الأطفال السوريين اللاجئين تلقوا تعليمهم ضمن النظم الرسمية وغير الرسمية.

ويواجه الأطفال بحسب «يونيسيف»، تحديات في الذهاب إلى المدرسة، منها العنف وصعوبات في اللغة وإمكانية الوصول والأمان والفقر والتوتر العام، مشيرة في تقرير لها حمل عنوان «النزاع في سوريا يترك جراحا غير مرئية عند الأطفال»، إلى أن العنف والتشريد وفقدان الأصدقاء وأفراد الأسرة وتدهور الأحوال المعيشية والإجهاد المتراكم كلها أدت إلى إصابة أطفال سوريا بجراح غير مرئية.