تقرير بريطاني: 100 ألف مقاتل في سوريا نصفهم من «القاعدة» والمتشددين

طعمة يتعهد بـ«الحد من نفوذهم».. ودعوات لطرفي النزاع لوقف استهداف المستشفيات

مقاتلون في الجيش السوري الحر يشترون المرطبات من بائع متجول في حلب أمس (رويترز)
TT

كشف تقرير أعده المعهد البريطاني للدفاع «آي.اتش.إس جينز» أن الجهاديين والإسلاميين المتشددين الذي يقاتلون نظام الرئيس السوري بشار الأسد باتوا يشكلون نصف عديد قوات المعارضة السورية، في حين تعهد رئيس الحكومة المؤقتة المنتخب حديثا، أحمد طعمة الخضر، في أول تصريحاته، بالحد من نفوذ متشددي تنظيم «القاعدة» الذين استغلوا عجز المعارضة عن ملء الفراغ الذي أحدثه انهيار سلطة نظام الرئيس السوري بشار الأسد في كثير من أنحاء البلاد.

وأفاد تقرير المعهد البريطاني بأن «عدد المسلحين الذين يقاتلون ضد النظام في دمشق يقدر بنحو مائة ألف مقاتل لكنهم يتوزعون على نحو ألف مجموعة مسلحة مختلفة». ووفقا لتقديرات خبراء «آي.إتش.إس جينز»، فإن نحو عشرة آلاف من هؤلاء هم جهاديون يقاتلون تحت ألوية جماعات مرتبطة بالقاعدة، في حين أن 30 ألفا إلى 35 ألفا آخرين هم إسلاميون يقاتلون في إطار مجموعات مسلحة متشددة. ويختلف هؤلاء عن الجهاديين في أن جل تركيزهم ينصب على إسقاط نظام الأسد.

ونقلت صحيفة «ديلي تلغراف» البريطانية عن تشارز ليستر، الذي أشرف على إعداد هذه الدراسة، قوله إن «المعارضة المسلحة تطغى عليها حاليا مجموعات لديها بشكل أو بآخر نظرة إسلامية للنزاع»، لافتا إلى أن «فكرة أن من يقود المعارضة هي مجموعات علمانية هي فكرة لا إثبات عليها». وقال ليستر: «كلما أظهر الغرب عدم حماسه لإسقاط النظام فإن الإسلاميين المعتدلين سينتقلون إلى معسكر المتطرفين المتشددين».

وتزامن نشر التقرير مع أول تصريحات رئيس الحكومة المؤقتة المنتخب حديثا أحمد طعمة، الذي أكد أن «المعارضة يجب أن تواجه تنظيم (القاعدة) فكريا عبر التشديد على أن الديمقراطية لا تتنافى مع تعاليم الإسلام». وأشار طعمة في تصريحات لوكالة «رويترز» إلى أنه «يتعين على المعارضة الحد من شعبية التنظيم باستعادة الخدمات العامة في المناطق التي يسيطر عليها مقاتلو المعارضة».

وأوضح أنه «فوق ما عاناه الناس من النظام من قتل وتشريد ودمار، يعانون من سلوكياتهم وتصرفاتهم ومحاولة إجبار الناس على أفكارهم وطروحاتهم»، في إشارة إلى المقاتلين الإسلاميين الذين يسيطرون على عدد من المناطق «المحررة». وقال إن «الشعب خرج من أجل فكرة جوهرية أساسية وهي فكرة الحرية فكيف يمكن أن يقبل بتسلط أكبر؟»، موضحا «إننا نسعى لنشر ثقافة الديمقراطية بشكل واسع لصالحنا ومصلحة والشعب».

وفي موازاة تأكيده أنه «إذا أردنا أن نقيم دولة تعددية ديمقراطية مستوعبة لجميع أبنائها لا بد من نشر الديمقراطية على شكل واسع»، أعرب طعمة عن اعتقاده بأن «المعارضة تواجه التحدي الفكري لإقناع الكثيرين ممن انضموا إلى (القاعدة) بترك هذا التنظيم»، داعيا إلى «إقناع أكبر قدر منهم بالتخلي عن هذه الأفكار المتشددة لصالح الوطن». وذهب طعمة إلى حد اعتبار أن «الكثيرين في صفوف التابعين للقاعدة في سوريا لا تربطهم علاقة قوية بالتنظيم وانضموا إليها لأنها تمدهم بالأسلحة اللازمة لمحاربة قوات الأسد وتوفر الخبز والسلع الأساسية للسكان المحليين»، كاشفا أنه «سعى إلى إقناع بعض المقربين منهم بأن ما يفعلوه هو خطأ فكري».

ويتفق عضو «الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية» سمير نشار مع كلام طعمة حول وجود تحد أمام المعارضة يتعلق بتزايد نفوذ الإسلاميين المتشددين في صفوفها. ويؤكد لـ«الشرق الأوسط» أن «هذا التحدي كبر منذ سنة وقد دعونا حينها الدول الصديقة للشعب السوري لتحمل مسؤوليتها ودعم القوى المعتدلة في الجيش الحر». وقال نشار إن «المجتمع الدولي يطالبنا بفتح عدة جبهات في وقت واحد ضد الإسلاميين والنظام، من دون أن يقدم مساعدات تكفي للخوض في هذه الصراعات».

وبرر نشار «عدم اتخاذ المعارضة السورية موقفا صريحا ترفض من خلاله وجود الجماعات المتشددة في صفوف مقاتليها لعدم إمكانية تحوير الصراع ونقله من مواجهة النظام السوري إلى قتال الجماعات الإسلامية المتطرفة»، معتبرا ذلك «بمثابة انتحار سياسي وإضعاف للهدف الذي يصبو إليه عموم السوريين». ورغم أن صدامات عسكرية عدة احتدمت بين مقاتلي المعارضة وآخرين محسوبين على الجماعات المتشددة في سوريا، فإن المنسق الإعلامي والسياسي في «الجيش الحر» لؤي المقداد يؤكد لـ«الشرق الأوسط» أن «بندقية الجيش الحر لن تتوجه حاليا إلى هذه الجماعات لأن الأولوية هي إسقاط النظام ومواجهة جرائمه»، مشيرا في الوقت ذاته إلى أن «تزايد الانتهاكات من قبل هذه الجماعات سيدفع (الحر) إلى الدفاع عن الناس وحمايتهم».

وشكك المقداد في صحة الأرقام التي ذكرها تقرير المعهد البريطاني للدفاع، موضحا أن «عدد المقاتلين الإسلاميين لا يتجاوز الـ10% من عموم عدد المقاتلين المعارضين في سوريا». واعتبر أن «هذه الجماعات المتشددة كانت في البداية تقدم خدمات مجانية للنظام عبر ارتكابها جرائم وحشية لا تخدم الثورة، لكن الأمور أظهرت لاحقا أنها مخترقة من قبل مخابرات النظام وتعمل وفق أجندة مشبوهة»، على حد تعبيره. وأكد المقداد تعهد «الجيش الحر» بعد سقوط النظام «بجمع السلاح من كل الأطراف وتسليمه إلى الشرعية التي سيتم انتخابها من الشعب وفي حال لم تقدم هذه الجماعات على تسليم سلاحها فسيتم مواجهتها عسكريا بغطاء قانوني»، على حد تعبيره. وفي غضون ذلك، طالبت نحو 50 شخصية من القطاع الطبي حول العالم من بينها حاملو جائزة نوبل، أمس أطراف النزاع في سوريا بتجنب المستشفيات والفرق الصحية ورفع جميع القيود على نقل المواد الطبية.

وفي رسالة مفتوحة نشرتها مجلة «لانسيت» البريطانية الطبية، أكد الموقعون أن «الهجمات المنتظمة على عمال الفرق الطبية والمنشآت والمرضى تدمر نظام العناية الصحية السورية وتجعل من شبه المستحيل على المدنيين الاستفادة من الخدمات الطبية الأساسية».

وأشار الموقعون إلى أن منظمة الصحة العالمية أعلنت أن 37% من المستشفيات السورية دمرت و20% منها تعرضت لأضرار كبرى، فيما يقبع 469 طبيبا أو ممرضا في السجن وأجبر نحو 15 ألفا منهم على الفرار إلى الخارج، بحسب مركز توثيق الانتهاكات في سوريا.