طريق «وجدة» بات معبدا لنجاح أعلى

انتصاران لهيفاء المنصور في أسبوع * حقق 40 الف دولار من عروضه الأميركية

TT

كما أوردت وكالات الأنباء الجمعة الماضية أنجز فيلم «وجدة» خطوة رائدة وغير مسبوقة لفيلم سعودي وعلى نطاق دول الخليج العربي ككل، وهي اشتراكه في سباق الأوسكار للعام المقبل.. ففي سابقة تاريخية مهمة تحمل الكثير من الأبعاد والآمال، قام رئيس «الجمعية السعودية للثقافة والفنون» سلطان البازي بترشيح فيلم «وجدة» للمخرجة السعودية هيفاء المنصور إلى سباق أوسكار أفضل فيلم أجنبي. فتبعا لشروط الأكاديمية على جهة ثقافية أو فنية أو سينمائية حكومية أو رسمية أو شبه رسمية ترشيح الأفلام العالمية لهذا القسم المهم من سباق الأوسكار، كل في بلده. وبذلك القرار الذي تم قبوله لدى أكاديمية العلوم والفنون السينمائية في هوليوود، دخل فيلم هيفاء المنصور رسميا في الجولة الأولى من السباق التي عادة ما تجمع أكثر من سبعين فيلما كل واحد مرشح من قبل دولة واحدة هي دولة المنشأ أو المشتركة في الإنتاج.

وتعليقا صرح سلطان البازي مؤكدا: «نحن فخورون جدا بالفيلم الذي هو تقديم فعلي لبلدنا وثقافتنا وسعداء بأن القصة ومدلولاتها قد وصلت إلى المشاهدين خارج حدودنا على هذا النحو».

لكن هذا ليس كل ما هو جديد ومفرح بالنسبة للمخرجة المنصور التي حققت هذا الفيلم سنة 2012 وعرضته في إطار مسابقة مهرجان فينيسيا في السنة ذاتها، ففي الأسبوع ذاته انطلقت عروض الفيلم في الولايات المتحدة لتنجز في ثلاث صالات فقط 40 مليونا و491 ألف دولار، أي أكثر من 13 ألف دولار بالنسبة للصالة الواحدة في أول يوم افتتاحه. هذا المبلغ، الذي لا يجب النظر إليه من زاوية الإنتاجات الهوليوودية الكبيرة وما تحققه من نجاحات عادة، هو أعلى إيراد تم تسجيله لفيلم مستقل (أي لا يتبع مؤسسة هوليوودية محددة) تم توزيعه في الفترة ذاتها. والأهم هو أنه إيراد كاف لقيام الشركة الموزعة، «صوني بيكتشرز كلاسيكس»، بتوسيع رقعة توزيعه لتشمل مدنا أخرى غير نيويورك ولوس أنجليس مما يعني أن إيراد «وجدة» العام هناك قابل للارتفاع. وكانت «صوني بيكتشرز كلاسيكس» حققت نجاحا فائقا في العام الماضي عندما وزعت الفيلم النمساوي- الفرنسي «حب» وأوصلته إلى عقر الأوسكار حيث فاز بجائزة أفضل فيلم أجنبي. الأمر ذاته تأمل الشركة تحقيقه هذا العام.

* معالم المستقبل لجانب الإعجاب المفاجئ والمتناهي للفيلم بين النقاد (حاز إعجاب 70 في المائة من النقاد الأميركيين ونحوهم خارجها حسب مواقع) تمتع هذا الفيلم الذي يتحدث عن فتاة صغيرة تحلم بشراء دراجة هوائية لكنها في سبيل ذلك عليها أن تجد سبيلا لكسر التقاليد الاجتماعية الممانعة، بنجاح جيد في الدول الأوروبية العشر التي عرضته حتى الآن. في بريطانيا، حيث ما زال معروضا، جمع ما يوازي 559 ألف دولار حتى الآن (أكثر من نصف مليون دولار). في حين شارفت إيراداته الإيطالية على إنجاز نصف مليون دولار (493.466 ألف دولار) وأنجز في إسبانيا 385 ألف دولار وفي بلجيكا 260 ألف دولار، وذلك حسب إحصاءات معتمدة مصدرها «بوكس أوفيس موجو».

إلى أين يقود هذا النجاح هيفاء المنصور؟

قبل فترة ليست بالبعيدة أجابت عن هذا السؤال بالقول: «أريد أن أجد الوقت اللازم للتفكير بفيلم جديد. لا أدري ما سيكون لكنه سيكون بالطبع معبرا أيضا عن التطلعات التي يحفل بها المجتمع السعودي».

تدرك هيفاء المنصور أنها، منطقيا، في مواجهة فرصة لم يسبقها إليها مخرج عربي إلا في ما قل وندر، وهي أن تبقى في الصرح العالمي لسنوات كثيرة قادمة. وحتى يتم ذلك فإن عليها الآن أن تسارع لتحقيق فيلم جديد ثان ينجز ما تتطلع هي إليه من مضامين بلغة فنية أفضل من تلك التي جاء «وجدة» عليها. هذا لن يتطلب تغيير مفرداتها التعبيرية بقدر ما يتطلب ضبط الطريقة التي تنطق بها تلك المفردات. بكلمات أخرى، إذ نجحت في تقديم حكاية مستخلصة من ذات التطلعات الاجتماعية التي أرادت تجسيدها، فإن خطوتها التالية هي التأكيد على أنها ليست فورة أو مجرد ظاهرة لا جديد بعدها.

ما يسر المعنيين هو ما يكشفه نجاح الفيلم نقديا وجماهيريا خارج صالات العواصم العربية على الخصوص، فالفيلم تمتع منذ البداية بمساعدة إنتاجية وتمويلية ألمانية عبر شركة اسمها «Razor» تكمن في العاصمة برلين. وهي ذات الشركة التي استهلت عملها سنة 2005 بتمويل فيلم هاني أبو أسعد «الجنة الآن»، الذي أنجز مهام نقدية وتجارية مماثلة ووصل إلى الترشيحات النهائية للأوسكار أيضا.

من مطالعة لائحة هذه الشركة، التي تضم أعمالا بوسنية («السيرك كولمبيا» لدنيس تانوفيتش) وكولومبية («الرحلات العاصفة» لرايا مارتن) وأفغانستانية («حجز الصبر» لعاتق رحيمي)، يمكن أن نستنتج أن هيفاء المنصور هي في وضع ثابت مع هذا المصدر التمويلي مؤهل ليستمر إلى سنوات طويلة. تحديدا إلى أن يتم للمخرجة الحصول على فرصة أكبر، ربما عبر العمل لحساب استديو أميركي أو على مشروع لفيلم فرنسي مثلا. فلشركة «رازور» سقف إنتاجي لا يمكن لها اختراقه إلا بمصاحبة شركات أكبر إذا أرادت.

بالنسبة للمصدر التمويلي الآخر، المتمثل بمؤسسة «روتانا»، فإن حصة المؤسسة السعودية، حسب معلوماتنا، محدودة، لكنها قد يغريها النجاح الحالي لتعامل جديد وأكثر ثقة مع أي مشروع آخر للمخرجة بما في ذلك، بالطبع، رفع حصتها من التمويل إذا ما تطلب العمل ذلك وتبعا لما تعتقد أنه سيكون عائدا ماديا مقبولا لها.

مهما يكن من أمر، فمن الآن وحتى إعلان القائمة الرسمية للأفلام الخمسة التي ستدخل سباق الأوسكار للعام المقبل (وهذا الإعلان يقع عادة في مطلع الشهر الثاني من العام)، سيبقى «وجدة» عنوانا متكررا في التناول والتداول. طبعا، إذا ما كان سيدخل القائمة النهائية فسيشهد دورة لحياة جديدة حافلة أخرى.. لكن هذا موضوع آخر.