تأثيرات الحملة الانتخابية في ألمانيا تتجاوز الحدود الألمانية

شعار المستشارة ميركل: «سوف ننجح معا»

TT

ظهرت أنجيلا ميركل في الوقت المناسب خارج قاعة البلدة القديمة التي تملأها الشمس هنا. وأشارت المستشارة الألمانية (59 عاما) ثلاث أو أربع مرات إلى الحشود التي يصل عددها إلى 5000 شخص، قبل أن تلقي كلمة لمدة 30 دقيقة - على الرغم من المقاطعين - تختلط بها العبارات البسيطة باللغة العامية مع الإحصائيات والملاحظات، وتطمئن المستمعين بأن شؤونهم، في الداخل وفي الخارج، في أيد أمينة.

وكان هناك لافتات لحزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي الذي ينتمي للتيار اليميني الوسطي وتتزعمه ميركل تقول «سوف ننجح معا»، في حين كان هناك لافتات أخرى تقول «ألمانيا قوية، ويجب أن تظل كذلك». وكان هناك أشخاص يرتدون قمصانا مكتوبا عليها «ابق هادئا وصوت لصالح المستشارة»، وهي نفس الجملة المكتوبة على ملصق ضخم في محطة السكك الحديدية الرئيسة في برلين.

وتنتظر أوروبا والعالم أن تأتي الحملة الانتخابية في ألمانيا بحلول للمشكلات التي تعاني منها القارة المضطربة، ولكن لا تكاد الحملات الانتخابية تتطرق لأزمة اليورو، والدور الذي يجب أن تلعبه ألمانيا في قيادة أوروبا للخروج من تلك الأزمة. ولم تعط ميركل، التي يتوقع على نطاق واسع أن تفوز بولاية ثالثة مدتها أربع سنوات، أي تلميح للقيام بتغييرات كبيرة في اليورو أو الاتحاد الأوروبي، أو أي تغيير في مسار السياسات التي ينظر إليها على أنها قاسية من قبل الأوروبيين الجنوبيين ومفرط الحذر من قبل الأسواق المالية.

وبدلا من ذلك، تتركز الحملة الانتخابية للمستشارة الألمانية على السياسات المحلية، ولا تتطرق إلى باقي المشكلات الأوروبية سوى لمدة لا تتجاوز خمس دقائق. ومع اقتراب يوم الانتخابات المزمع انعقادها الأحد المقبل، تحذر ميركل أنصارها من التراخي، وتطالبهم بـ«صحوة قوية» إذا لم تحصل على الأصوات الكافية لنجاحها، على الرغم من شعبيتها الكبيرة، لبناء تحالف قوي في النظام البرلماني الألماني المعقد.

وقد ارتكب مرشح الحزب الاشتراكي الديمقراطي بيير شتاينبروك، وهو وزير مالية بارع في حكومة ميركل الأولى خلال الفترة بين عامي 2005 و2009، الكثير من الأخطاء منذ الإعلان عن ترشحه في الخريف الماضي، ولكن شعبيته ارتفعت منذ المناظرة التلفزيونية الوحيدة له مع ميركل في الأول من سبتمبر (أيلول)، وبات حديث الجميع في البلاد يوم الجمعة الماضي بعدما ظهر على غلاف إحدى المجلات وهو يشير بإصبعه الوسطى، وهو ما جعل الألمان يتساءلون: هل مرشح الحزب الاشتراكي الديمقراطي البالغ من العمر 66 عاما هو شخص يتسم بالجرأة أم أنه لا يتصرف كشخص يسعى لأن يكون زعيما لأمة بها أكثر من 80 مليون نسمة وأقوى اقتصاد في أوروبا؟

ولم تقع ميركل - التي دائما ما تتسم بالحذر في الإعلان عن خياراتها والتعامل مع منتقديها - في مثل هذه التصرفات، ولكنها سيدة صبورة، تتسم بالصرامة أحيانا وتبتسم أحيانا أخرى، ولديها القدرة على الانتظار حتى تهدأ القضايا المثيرة للجدل والخلافات، سواء من قبل منافسيها السياسيين في الداخل أو القادة الأوروبيين في بروكسل، وحتى يتم الاتفاق على كيفية المضي قدما.

وعندما تتحدث ميركل عن أوروبا فإنها تركز بصورة كبيرة على الحفاظ على قدرة أوروبا التنافسية وقوة ألمانيا، في الوقت الذي اختفى فيه الحديث عن التقشف من خطاباتها العامة تقريبا. وعندما تشير إلى مساعدة الشركاء الأوروبيين الأضعف، فإنها تتحدث عن «التضامن» و«تحمل المسؤولية الشخصية» على أنهما وجهان لعملة واحدة.

وحتى عندما تسبب وزير المالية، فولفغانغ شويبله، في إحداث بعض القلق في الحملة الانتخابية في شهر أغسطس (آب) الماضي عندما قال إن اليونان ستكون بحاجة إلى حزمة إنقاذ ثالثة في وقت ما خلال العامين المقبلين، رفضت ميركل الحديث بشكل مفصل أو التأكيد على أن شويبله قد تشاور معها أولا قبل الإدلاء بهذه التصريحات أم لا.

ودائما ما تشيد ميركل في حملاتها الانتخابية باليورو كأساس لازدهار ألمانيا، مع التأكيد على أن أوروبا الموحدة تنعم بنحو 70 عاما من السلام - وتعلق ميركل على ذلك قائلة «الأكبر سنا هنا يعرفون ماذا يعني ذلك». وقالت ميركل لـ7,000 من مؤيديها في دوسلدورف في اليوم الأخير من حملتها الانتخابية: «حرية الرأي، وحرية الصحافة، وحرية الأديان، كل هذا في أوروبا. عندما تنظر حول العالم، تعرف ما نملكه هنا».

ويرى جون كورنبلوم، وهو سفير الولايات المتحدة السابق لدى ألمانيا ومتابع للشؤون الألمانية لأكثر من أربعة عقود، أن ميركل هي المستشارة التي «تعرف إلى أي مدى يمكن أن تذهب مع الجمهور الألماني»، من حيث دعم الوحدة الأوروبية، مضيفا: «من الواضح أنها تملك أفكارا أكثر تطورا مما تعرب عنه. ومع ذلك، لا يوجد (التزام داخلي) للاتحاد الأوروبي، وكل أهدافها الأساسية هي وطنية في الأساس».

ومن المفارقة بالنسبة لألمانيا أن جيرانها الأوروبيين وأصدقاءها الأميركيين على حد سواء يشعرون بالقلق من هيمنتها وترددها في القيادة. وبصفتها رابع أكبر اقتصاد في العالم والمعروفة بقوة شركاتها متوسطة الحجم التي تفوق الشركات المنافسة كثيرا، يتعين على ألمانيا أن تبحث عن فرص تجارية جديدة. ومع ذلك، يزيد ذلك من المخاوف بأن الألمان، في ظل رؤية تقلص الأسواق الأوروبية، سوف يتجهون للمناطق الأكثر ثراء في الولايات المتحدة وأميركا اللاتينية وآسيا.

خدمة «نيويورك تايمز»