صراعات السياسة تتراجع في الشارع المصري

مع استئناف الدراسة وشغف الوصول لكأس العالم

تنظيف تمثال الفريق اول عبد المنعم رياض رئيس اركان الجيش المصري السابق بالقرب من ميدان التحرير امس (إ ب أ)
TT

بعد أسبوع من بدء الموسم الدراسي الجديد تراجعت هموم السياسة في الشارع المصري، وتخلت كثيرا عن نبرة الحدة التي كانت تصل إلى حد التلاسن في الآونة الأخيرة بين مؤيدين للنظام السابق والنظام الجديد. وتغير إيقاع الدردشة والكلام على المقاهي وفي الحافلات العامة، وأصبحت أعين أغلب الأسر المصرية مشدودة بقوة إلى مدارس وكليات ومعاهد أبنائهم، وكيفية تدبير نفقاتهم التعليمية، والتي ارتفعت بشكل لافت في المدارس والجامعات الخاصة.

ومع انتظام العملية التعليمية في مسارها الطبيعي، ومبادرة الحكومة بإلغاء المصاريف الدراسية في المدارس الحكومية، وأيضا نفقات الإقامة في المدن الجامعية، تراجع الإحساس بالخوف من قلاقل وتهديدات بتعطيل الحياة وإثارة الفوضى والرعب توعد بها أنصار الرئيس المعزول.

هذا التغير في مزاج الشارع المصري يصفه أحد المراقبين بأنه بداية الانتقال من حالة الانفلات والفوضى إلى حالة الدولة وتأكيد سيادة القانون، خاصة بعدما تعرضت مفاصل الدولة للاهتزاز خلال الفترة الانتقالية وعلى مدار عامين ونصف العام بعد ثورة 25 يناير (كانون الثاني) عام 2011 ضد نظام الرئيس الأسبق حسني مبارك. ويلفت إلى أن قرار الحكومة بوضع حد أدنى للأجور (1200 جنيه)، سوف يطبق من أول العام المقبل، ساهم في تهدئة الشارع، كما أعطى انطباعا مهما لدى الناس، بأن ما يحدث على أرض الواقع هو ترجمة حقيقية لخارطة الطريق التي أعلن عنها النظام الجديد، وأن ثمة تصحيحا لمسار الثورة دخل حيز التنفيذ. أيضا تشكل هذه القرارات الاجتماعية غطاء سياسيا حيويا للحكومة في مواجهة العناصر الإرهابية، لأنها تعبث بمقدرات الشعب، وتعطل مصالحه، وحقه في الانتقال لحياة أفضل.

المعنى نفسه يعبر عنه رضوان (موظف في الأربعينات) قائلا: «البلد تعبت من التناحر السياسي، والمظاهرات على العاطل والباطل لن تقدم أو تؤخر. لكي نعيش لا بد أن نعمل.. لا بد أن نساعد الحكومة، أيدينا لازم تكون معها، وليس عليها.. الحكومة تعمل في ظروف صعبة.. الحمد لله أولادي (دعاء وطارق) انتظموا في الدراسة في مدارس حكومية بالمرحلة الابتدائية والإعدادية، ولما ذهبت أدفع لهم المصاريف قالوا لي.. الحكومة لغتها هذا العام للتخفيف عن أولياء الأمور. صدقني أول مرة منذ ثورة يناير أحس بالأمل وأفرح بجد».

وتروي صفاء (متخصصة اجتماعية بوزارة الشباب) أن ابنتها، وهي تلميذة بالصف الثاني الابتدائي في مدرسة خاصة، أصرت في أول يوم للدراسة أن تأخذ في يدها علم مصر. وتقول «حين سألتها: لماذا تأخذين العلم معك؟.. ردت عليّ: أنا هرفعه في طابور الصباح. علشان أحس بالأمان. يا ريت كل التلامذة يرفعوا علم مصر.. دي بلدنا حلوة وهتفضل جميلة إن شاء الله».

وتكاد تجهش بالبكاء وهي تتابع قائلة: «ولما سألتها انت مش خايفة من حاجة؟.. فاجأتني بردها: ربنا هو الحارس، والرسول قال: اطلبوا العلم ولو في الصين.. أنا هتعلم وهبقى طبيبة أطفال زي ما انت عاوزه يا أمي».

أما صلاح، وهو شاب في الثلاثينات، فيقول بنبرة متفائلة: «شبعنا سياسة ومظاهرات.. البلد بدأت تتحرك في الطريق الصح.. الإخوان بيعملوا شوية أكروبات في الوقت الضائع، أكروبات بايخة وسخيفة وممجوجة، كل يوم تزداد كراهيتهم في الشارع. الناس أصبح عندها وعي وكسروا حاجر الخوف وكل القيود».

ويتابع صلاح: «تعرف يا أستاذ إن مصر داخله على حاجة هتفرحنا إن شاء الله».. وحين سألت: ما هي؟.. رد بسرعة: «كاس العالم.. ربنا هيكرمنا ونكسب غانا ونشارك العام المقبل في كأس العالم بالبرازيل، ساعتها هنرقص ونغني ونلف الشوارع ونهتف: (وشك حلو يا سيسي)»، في إشارة لوزير الدفاع الفريق أول عبد الفتاح السيسي الذي يحظى بجماهيرية وحب ظافر بين الكثير من المصريين، والبعض يطالبه بالترشح لرئاسة مصر في الانتخابات الرئاسية المقبلة.

وتخوض مصر مباراة فاصلة في الجولة النهائية لتصفيات كأس العالم مع غانا، وتقام مباراة الذهاب في غانا منتصف أكتوبر (تشرين الأول) المقبل، ووافقت الحكومة المصرية على إقامة مباراة العودة بالقاهرة بحضور الجمهور، وذلك استثناء من قرارها السابق بإقامة مباريات كرة القدم في مصر من دون جمهور، تفاديا لأحداث الشغب التي شهدتها الكثير من المباريات عقب الانفلات الأمني الذي ضرب البلاد في الفترة الأخيرة، وكان من أبرز مشاهده مذبحة استاد بورسعيد (شمال شرقي القاهرة) عام 2012 في مباراة بين الناديين الأهلي والمصري، وأودت بحياة أكثر من سبعين فردا من الجمهور أغلبهم من مشجعي النادي الأهلي.