مفوضة الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية تطالب مجلس الأمن بضمان وصول المساعدات للسوريين

آموس لـ«الشرق الأوسط»: علينا أن لا ننسى حجم الكارثة رغم الاتفاق على الأسلحة الكيماوية

مفوضة الأمم المتحدة للشؤون الانسانية فاليري آموس
TT

تعتبر مفوضة الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية فاليري آموس أن من أبرز التحديات في سوريا الآن «وصول المساعدات الإنسانية إلى السوريين»، منددة في حوار مع «الشرق الأوسط» بالعقبات التي تواجه المنظمات الإنسانية، التي تترك الملايين من السوريين من دون مواد أساسية ومساعدات طبية داخل سوريا.

وعلى الرغم من التوصل إلى اتفاق سياسي لوصول المفتشين الدوليين إلى مواقع الأسلحة الكيماوية، لم يقم المجتمع الدولي بخطوة مماثلة لضمان وصول المواد الإنسانية، مما أثار استياء كثير من العاملين في المجال الإنساني. وكانت هناك آمال بخروج مجلس الأمن ببيان رئاسي يطالب جميع الأطراف في سوريا بضمان سلامة موظفي المنظمات الإنسانية والسماح بوصول المساعدات من دون عرقلة وعبر جميع الحدود السورية. وعلى الرغم من المناقشات المطولة حول سوريا في نيويورك خلال الأيام الماضية، وتوصل واشنطن وموسكو إلى اتفاق حول الأسلحة الكيماوية السورية، سمح بإصدار قرار ملزم من مجلس الأمن، لم يتم الاتفاق على إصدار البيان الرئاسي حول المساعدات الإنسانية، ولم تحصل القضية على الاهتمام المرجو.

والتقت «الشرق الأوسط» بآموس في مكتبها في الطابق الـ33 من مبنى الأمم المتحدة، المطل على نهر «هادسون» الهادئ، والبعيد موقعا وشكلا عن الأزمات والصراعات التي تنشغل آموس بها، لتكون صوتا يتحدث باسم العالقين في النزاعات. وقالت آموس: «بالإضافة إلى تحدي ضمان وصول المساعدات الإنسانية إلى السوريين، هناك تحدّ آخر، هو إبقاء التركيز على هذه القضية. لقد طال النزاع السوري، والبعض بدأ ينشغل بقضايا أخرى.. علينا أن لا ننسى السوريين». وأضافت: «بالطبع، استخدام الأسلحة الكيماوية أمر مروع ولا يمكن السكوت عليه، ونحن مسرورون بالاتفاق على التخلص من أسلحة سوريا الكيماوية، ولكن يجب أن نكون حذرين من تصوّر البعض أن الاتفاق على الأسلحة الكيماوية يحل الأزمة»، موضحة: «هناك مناطق بأكملها تحت الحصار، هناك مناطق دمرت فيها جميع مواقع الرعاية الصحية. الوضع في سوريا لم يتغير مع التوصل إلى اتفاق الأسلحة الكيماوية».

وتابعت: «انعدام أي احترام للقانون الدولي ما زال مستمرا، وعلينا السعي لمواصلة اعتراف جميع الأطراف بحجم الكارثة، وضرورة العمل على معالجتها».

وعلى الرغم عن تعبيرها عن ارتياحها لتوصل مجلس الأمن لاتفاق حول أسلحة سوريا الكيماوية، قالت: «إنني قلقة من أن يكون التركيز فقط على الأسلحة الكيماوية، نحن معنيون بالعمل على مواصلة الاعتراف بحجم المأساة الإنسانية هناك». وعند سؤالها عن عدد السوريين المتضررين من الحرب في سوريا، ردت والقلق ظاهر عليها: «لقد طال الصراع والضرر على البنى التحتية والحياة العامة، مما يعني أن كل السوريين متأثرون.. لا أحد يسلم مما يحدث».

وبينما يعتبر الكثيرون أن مشكلة عدم وصول المساعدات الإنسانية للسوريين تكمن فقط في انعدام الأمان وعدم تعاون الحكومة السورية والجماعات المسلحة السورية، بضمان سلامة وصول مواكب المساعدات، القضية معقدة أكثر من ذلك. وشرحت آموس: «نريد من مجلس الأمن أن يتفق على ضرورة أن يسمح لنا توصيل المساعدات الإنسانية من أي منطقة أو نقطة حدود ممكنة، ففي الوقت الحالي غالبية المساعدات تدخل عبر لبنان والأردن، ولكن الأمر صعب من العراق، وليس ممكنا كليا من تركيا».

والسبب وراء ذلك أنه، بموجب القانون الدولي الحالي، يجب أن توافق الحكومة السورية على دخول أي مساعدات إلى بلادها، وترفض دمشق وصول مساعدات عبر نقاط حدود فقدت السيطرة عليها، وتتولاها المعارضة السورية، وترفض دمشق أيضا دخول المساعدات عبر تركيا مع سيطرة المعارضة على نقاط الحدود معها. وأضافت أن «هناك مشكلة في توصيل المساعدات للمناطق التي تسيطر عليها مجموعات المعارضة، فعلى سبيل المثال هناك مليونا سوري في حلب والمناطق المجاورة لا نستطيع الوصول إليهم».

ولفتت إلى أن في بعض المناطق هناك الحاجة إلى عبور خمس نقاط تفتيش قبل الوصول إلى المحتاجين، وأحيانا لا يسمح للمواكب بالدخول.

وهناك إجراء آخر يمكن لمجلس الأمن اتخاذه، لو كانت لدى أعضائه العزيمة والإرادة السياسية، لضمان وصول أبسط المعدات والمواد الأساسية للمدنيين، وهو إعلان ضرورة وقف القتال مؤقتا لوصول تلك المواد والمساعدات. وقالت آموس: «بإمكان مجلس الأمن المطالبة بوقف القتال، وذلك لا يعني أن جميع الجماعات ستلتزم بذلك القرار، ولكن على الأقل يوضع ليتبعه الغالبية، ولتقوم الدول ذات النفوذ بالضغط على الأطراف المختلفة من أجل توصيل المساعدات الإنسانية». ولكن هناك دوافع سياسية تضمن بقاء مناطق سوريا «تحت الحصار»، وخاصة تلك التي باتت تحت سيطرة قوات المعارضة، ولا يتدخل المجتمع الدولي لرفع ذلك الحصار. كما أن العقوبات المفروضة على سوريا بدأت تؤثر أيضا على المناطق تحت سيطرة الحكومة السورية. وكان اتفاق مجلس الأمن على قرار حول الأسلحة الكيماوية يوم الجمعة الماضي فرصة ليظهر مجلس الأمن عزيمة سياسية لدعم وصول المساعدات الإنسانية للسوريين، ولكن لم يحدث ذلك، وبقي التركيز على الأسلحة الكيماوية وجهود إطلاق عملية للخروج بحل سياسي للأزمة. وقالت آموس: «كان سيحدث خرق هائل لو اتفق مجلس الأمن على المطالبة بوقف إطلاق النار بقرار ملزم، وكان جعل البيئة المحيطة بسوريا أكثر قابلية لوصول المساعدات».

وآموس من المسؤولين الدوليين القلة الذين يتعاملون مباشرة مع الحكومة السورية من خلال زياراتها لتفقد الوضع الميداني، وتسعى للحصول على الموافقات الضرورية لتوصيل المساعدات للسوريين. وعلى الرغم من وضوح غضبها من فشل حماية المدنيين في سوريا، تحرص على عدم الإدلاء بتصريحات سياسية حول الوضع هناك، ملتزمة بمبدأ «الحياد»، الذي تسعى له وكالات الأمم المتحدة حول العالم. وآموس زارت سوريا مرات عدة منذ اندلاع الأزمة قبل عامين ونصف العام، وكانت زيارتها الأخيرة الشهر الماضي. وعن تلك الزيارة والمطالب المقدمة للحكومة السورية، قالت آموس: «هناك عمليات بيروقراطية مطولة جدا، أحيانا يتم تعطيل توصيل مساعدات ضرورية إلى حين الحصول على التصريح المعين. إننا نثير هذه القضية دائما مع المسؤولين السوريين». وأضافت أنه خلال زيارتها الأخيرة التقت نائب وزير الخارجية السوري فيصل مقداد «وتعهد السيد مقداد شخصيا بأن يعمل على إزالة هذه العقبات».

ولفتت آموس إلى أن ضرورة التذكر بأن بعض المساعدات تصل إلى سوريا حاليا، وإلى بعض دول الجوار المستضيفة للاجئين، حتى وإن لم تكن بالمستوى المرجوّ. وقالت إن في الصيف الماضي وصلت مواد غذائية إلى 2.9 مليون سوري عبر برنامج الغذاء العالمي، بالإضافة إلى توصيل «يونيسيف» مواد لتحلية مياه صالحة للشرب لعشرة ملايين سوري داخل البلاد.

وردا على سؤال حول إذا كانت آموس على اتصال مع المعارضة السورية، وإذا كان بإمكان مكتبها الحصول على ضمانات من المعارضة المسلحة للسماح بتوزيع المساعدات الإنسانية، اكتفت آموس بالقول: «علينا التذكر بأن ما يحدث في سوريا ليس فقط بين طرفين، الأمر معقد جدا». وأضافت أن هناك اتصالات مع بعض فصائل المعارضة من خلال المبعوث الأممي - العربي الخاص الأخضر الإبراهيمي، بالإضافة إلى تواصل العاملين لدى الأمم المتحدة مع هيئات التنسيق المحلية السورية. ويذكر أن هناك 3500 موظف تابعين لـ«أونروا» (وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى) وألف موظف آخر تابعين لوكالات الأمم المتحدة المختلفة. وغالبية العاملين للأمم المتحدة في سوريا هم مواطنون سوريون.

وزارت آموس طهران، الشهر الماضي، سعيا للحصول على دعم إيران في قضية ضمان دخول المساعدات الإنسانية إلى سوريا. وقالت: «إننا نعمل مع الإيرانيين على إدارة الأزمات، وكنت قد دعيت من قبل المسؤولين الإيرانيين سابقا ولم أستطع الذهاب إلا مؤخرا». وأضافت: «إنني أتحدث مع أي طرف لديه نفوذ على أي جهة داخل سوريا».

ونظمت الأمم المتحدة أكبر حملة لجمع التبرعات من خلال وكالاتها المختلفة، مثل المفوضية السامية للاجئين و«اليونيسيف» وغيرها، ووصل المبلغ المطلوب إلى 4.4 مليار دولار من مساعدات لسوريا ولدول الجوار المضيفة للاجئين السوريين. وقالت آموس: «جرى تمويل 48 في المائة من الحملة وهذا أمر مهم وإيجابي، ولكن نطالب المانحين بمواصلة كرمهم وأن يساعدونا على تمويل جميع البرامج المطلوبة».