أول إحصاء سكاني في البوسنة منذ الحرب يثير جدل الهوية

حملات لتشجيع الأهالي على إعلان انتمائهم القومي

مسلمون يتحدثون إلى موظف قدم إلى قريتهم الواقعة قرب مدينة سريبرينيتسا لإحصائهم أمس (رويترز)
TT

بدأت البوسنة أمس إجراء أول إحصاء لسكانها منذ ما بعد الحرب (1992 - 1995)، فيما يعاني سكانها من المسلمين الذين يشكلون المجموعة الأكبر عددا صراعا بين اختيار هوية وطنية أو قومية أو دينية.

وسيتيح هذا الإحصاء الذي يستمر 15 يوما للجمهورية اليوغوسلافية السابقة أن تعرف أخيرا عدد سكانها، بعد سنوات من نزاع أسفر عن سقوط نحو 100 ألف قتيل وأكثر من مليوني لاجئ ومهجر. لكن هذه العملية الإحصائية البحتة تحولت في هذا البلد المنقسم قوميا إلى قضية قومية سياسية. فقد فتحت مجالا لتنظيم حملات من أجل تشجيع السكان على الإعلان خلال الإحصاء عن انتمائهم القومي أو الديني، إلا أن الرد على هذا السؤال لن يكون إلزاميا.

ويدور نقاش حاد بين المسلمين حول كونهم بوسنيين أي مواطنين من البوسنة، أو «بوشناق» أي بوسنيين مسلمين، وهو تعبير فرضته عليهم نخبهم خلال النزاع. وعلى صدر صفحتها الأولى عنونت صحيفة «دنفني افاز» اليومية مكررة دعوة من المفتي حسين كافازوفيتش «نحن البوشناق سنقول إننا بوشناق».

وبينما يعرف الصرب والكروات أنفسهم بأنهم من صربيا وكرواتيا المجاورتين، فإن مسلمي البوسنة هم الوحيدون المتمسكون بفكرة أمة «بوسنية»، مما يبرر الدعوات الموجهة إليهم من الفريق المؤيد لإعلان أنفسهم بوسنيين. وقال كمال بيسيتش (57 عاما)، أحد سكان سراييفو «في يوغوسلافيا السابقة كنت أقول أنا يوغوسلافي. الآن سأقول أنا بوسني، أي فقط مجرد مواطن من البوسنة من دون انتماء قومي أو ديني إسلامي».

والإحصاء الأخير في البوسنة جرى في 1991 عندما كانت البلاد جزءا من الاتحاد اليوغوسلافي. وبلغ عدد السكان آنذاك 4.4 مليون نسمة، 43.5 في المائة منهم من المسلمين و31.2 في المائة من الصرب و17.4 في المائة من الكروات. ويقدر عدد سكان البوسنة حاليا بنحو 3.8 ملايين نسمة.

وأدت حملات التطهير العرقي خلال الحرب إلى تغيير التوزع الديموغرافي في البلاد. ففي نهاية الحرب انقسمت جمهورية يوغوسلافيا «الأكثر تعددية» والتي كانت تشبه بـ«جلد النمر» بسبب خليط طوائفها الصربية والكرواتية والمسلمة، إلى كيانين الأول صربي والآخر كرواتي مسلم.

ويذكر عالم الاجتماع اسيم مويكيتش بأن الدستور المحلي الذي فرضته اتفاقات السلام يمنح الشعوب الثلاثة «المؤسسة» الصرب والكروات والبوسنيين (المسلمين) السلطة السياسية نفسها بمعزل عن عددهم. والقسم الأكبر من مؤسسات الحكم هو بين أيدي المندوبين السياسيين للشعوب الثلاثة «المؤسسة».

وقال سانين بابيتش (35 عاما)، وهو مقاول بناء، إن إعلان انتمائه القومي في الإحصاء هو «حرية» ينوي الاستفادة منها ليقول إنه بوشناق، أي بوسني مسلم. وأضاف أن «فكرة بوسنة يكون فيها جميع المواطنين متساوين فكرة جميلة جدا، لكنها اليوم نوع من اليوتوبيا (مثالية خيالية). ربما بعد ثلاثة أو أربعة أجيال سيكون ذلك ممكنا».

وباشرت حركة تعددية هي «يدناكوست» (مساواة) حملة هي الأخرى لدعوة السكان إلى رفض تصنيفهم في مجموعات قومية أو دينية، والاحتجاج بذلك على تمييز الدستور لمجموعة «الآخرين». وبموجب الدستور فإن «الآخرين» هم الأقليات، وأيضا جميع من لا يعتبرون أنفسهم من أفراد أحد الشعوب الثلاثة المؤسسة. وهم لا يستطيعون الوصول إلى كل المناصب السياسية.

وعلى الرغم من كل ذلك، سيعلن الدار كابيتانوفيتش، الخبير المعلوماتي (34 عاما) أنه مجرد مواطن بوسني. لكن المحلل السياسي انفر كزاز يعتبر أنه أيا كانت نتيجة الإحصاء فإنها لن تؤدي إلى تغييرات في الهيكل التنظيمي للدولة. وقال إن الهيكل التنظيمي «المشوه» للدولة «لا يمكن تغييره إلا من خلال مؤتمر دولي جديد أو عبر حرب دامية أخرى».