50 امرأة ينشطن من أجل «تدوير النفايات» المنزلية في بلدة لبنانية

مبادرة فردية بعد أن تقاعست الدولة وغابت البلديات

مقلد تشرح لطلاب المدارس عملية فرز النفايات داخل المعمل
TT

شهر بعد شهر، تطورت الفكرة وتكرست لتصبح مثالا يحتذى وتجربة رائدة استنسختها الكثير من البلدات اللبنانية، فتحولت محط أنظار مؤسسات دولية ومحلية، حتى أنها استأهلت الدعم المادي والمعنوي، فكانت الرعاية الأولى من برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP)، بعدما كانت تعتمد في تمويلها على اشتراكات الأعضاء.

إنها فكرة «جمع وفرز النفايات المنزلية الصلبة» التي أطلقتها الدكتورة زينب مقلد، بمبادرة فردية عام 1995، بهدف المحافظة على نظافة بلدتها عربصاليم (جنوب لبنان)، ثم ما لبثت أن تحولت الفكرة بعد ثلاث سنوات إلى تجمع يضم مجموعة ناشطة من سيدات البلدة لتنال بعد ذلك ترخيصا باسم «جمعية نداء الأرض».

وتقول زينب مقلد في حديث لـ«الشرق الأوسط» التي التقتها في منزلها: «عندما تتوافر الإرادة والتصميم فإن كل العقبات تزول. لم أكن أتوقع هذا التجاوب من نساء البلدة، لقد ركزت عليهن لأن النفايات تخرج من المنزل ومن مطبخ المرأة تحديدا. فهي أقدر الناس على تقليصها وفرزها».

وتتابع: «لقد استلهمت الفكرة من تردي الواقع البيئي للبلدة إبان فترة الاحتلال الإسرائيلي، وعملت على تطويرها حتى حصلت على مساعدات أولية مكنتني من تجهيز مركز الفرز المتطور».

واليوم أصبح هذا المشروع بمثابة أولى أولويات سيدات الجمعية، حيث ينصب تركيزهن على فرز النفايات وتوضيبها، رغم مرارة التمويل وغياب البلديات عن مشروعهن.

وعلى الرغم من أن إجراءات الفرز المنزلي للنفايات تأخذ حيزا من وقت السكان في ظل غياب مستوعبات الفرز العامة، غير أن أميرة (37 عاما) وكغيرها من نساء البلدة لا تبخل بالوقت لإنجاح هذه العملية، «الشارع نظيف فلا أنا أرمي ولا غيري وهذا ما بدأنا نعلمه لأولادنا كل في منزله».

فقد نجحت هؤلاء السيدات باستصلاح قطعة أرض أقمن عليها ست «هنغارات» خصص كل منها لنوع معين من المفروزات (منها بلاستيك وكرتون وزجاج)، تباع بعد توضيبها إلى تجار الخردة وتنفق العائدات على تشغيل المشروع.

وبعد الخطوات الفاعلة والناجعة في عملية فرز النفايات من مهدها في البيوت، تقارب سيدات «نداء الأرض» اليوم الاكتفاء البيئي من خلال توضيب هذه النفايات قبل تحويلها إلى مادة إنتاج حيوية.

ومن هذه الخطوات انتقال الجمعية إلى مرحلة الإنتاج الفعلي للنفايات المدورة، فبدلا من جمعها أكواما عشوائية تحتاج إلى شاحنات لنقلها بتكاليف إضافية، صرنا اليوم يكبسنها بعد فرزها، ما يجعل حجمها صغيرا يشجع الجهات التي تشتريها، بحسب ما تقول الناشطة الاجتماعية مقلد.

وتلفت إلى أن هذه الخطوة ما كانت لتحصل لولا الآلة التي صنعها أحد أبناء البلدة، عدنان حمود، بكلفة 2000 دولار أميركي، بدلا من الآلة الأساسية التي يبلغ ثمنها نحو 10 آلاف دولار، فضلا عن أننا بدأنا نذوب أكياس النايلون ونعجنها، وكلنا يعرف مدى الخطر البيئي الذي تخلفه هذه الأكياس. وتوضح مقلد أنه مع مرور سنوات من العمل، بات معمل الفرز بحاجة إلى إعادة تأهيل وتوسيع، والمعدات إلى صيانة وتجديد. حتى أتت «المساعدة» من الحكومة الإيطالية والتي وصلت قيمتها إلى 100 ألف دولار أميركي. بعد أن نال المشروع إعجاب وفد إيطالي قام بزيارته.

مبادرة أسهمت في إعادة تأهيل الـ«هنغارات» الستة على مساحة 400 متر مربع، مع مراعاة إمكانية دخول شاحنة كبيرة بينها، إضافة إلى شراء مولد كهربائي ضخم لتشغيل معدات الفرز والكبس.

وردا على سؤال تجيب من أسست أول جمعية أهلية في عربصاليم تحت اسم «جمعية المرأة العاملة»: «فضلنا أن ينفذ الإيطاليون مشروع المساعدة بأنفسهم، وهذا ما حصل ونحن اليوم في مرحلة عمل جديدة ومريحة أكثر».

وتضيف أن «المشروع يتضمن إجراء دورات لناشطين وناشطات من الجمعية وتدريبهم على كيفية توضيب النفايات المفرزة لتجتذب المشترين لأننا نتعرض لابتزاز من التجار، الذين يشترون الكميات المفرزة بأسعار زهيدة».

هذه العقبة ليست الوحيدة بل هناك مشكلة التمويل الذي يكلف الجمعية نحو مليون ليرة شهريا، فيما لا تدر المواد المباعة أكثر من 200 ألف ليرة شهريا، فضلا عن أن «البلدية لا تلتفت إلينا بأي مساعدة مالية أو عينية، ربما بسبب العجز المالي فيها، لكننا سنبقى ملتزمات بالمشروع كما تؤكد مقلد».

ويضاف إلى التمويل تراجع كمية النفايات التي تجمع، لأن 30 في المائة من المواطنين الذين تجاوبوا مع عملية الفرز من المنزل يفضلون في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة أن يبيعوا ما يجمعون من نفايات صلبة مباشرة لتجار الخردة الذين يجوبون مختلف المناطق، إلا أن هذا لم يؤثر على مشروع فرز النفايات.

وإلى جانب اهتمامهن بالفرز والبيئة، أطلقت سيدات عربصاليم اللواتي تجاوز عددهن اليوم الـ50 سيدة مشروع «جنة الأعشاب الطبية»، وبدأن منذ نحو سنتين إنتاج وتقطير: الصعتر والقصعين والخزامى.

وتختم مقلد أن هذا الإنجاز لن يكتمل إلا بالدور المركزي للدولة من خلال مساعدتها البلديات على فرز كل أنواع النفايات المنزلية، على أن تتبنى المعايير البيئية التي تطمح إليها هيئات المجتمع المدني، مع وجوب أن تقر عقوبات لمن يسبب التلوث، وأن تدخل استراتيجية النفايات في موازنتها، لكنها مع الأسف غائبة.