إطلالة الأسد التلفزيونية تعيد التوتر إلى محاور مدينة طرابلس اللبنانية

اندلاع مواجهات بين باب التبانة وجبل محسن إثر إطلاق رصاص ابتهاج «علوي»

TT

انفجر الوضع الأمني على نحو واسع ليل أول من أمس، في الضاحية الشمالية لمدينة طرابلس (شمال لبنان)، حيث شهدت منطقتا باب التبانة وجبل محسن اشتباكات عنيفة استخدمت فيها الأسلحة الخفيفة والمتوسطة، وأدت إلى وقوع قتيل وعدد من الجرحى. واندلعت الاشتباكات بعد إطلالة تلفزيونية للرئيس السوري بشار الأسد، إذ أطلق أهالي جبل محسن، ذات الغالبية العلوية، النار ابتهاجا بمواقفه، وتطور الأمر إلى اشتباك بين محوري الجبل والتبانة، واتهم كل طرف الجهة الأخرى باستغلال الوضع لإعادة التوتر إلى المدينة.

وفق التقارير الأمنية، أدى تجدد الاشتباكات في مدينة طرابلس، مساء أمس، إلى مقتل طفل من جبل محسن، يبلغ من العمر 13 سنة، إضافة إلى جرح 4 عسكريين من الجيش اللبناني، جراء الاشتباكات على محور البقار، حيث رد الجيش بغزارة على مصادر النيران، وفق ما أفادت مندوبة موقع «ناو» في الشمال. وبذا، ارتفعت حصيلة الجرحى خلال اليوم إلى 11 شخصا. وكانت قد خفت حدة المعارك صباح أمس، مع ساعات الفجر الأولى من دون أن تتوقف كليا، إذ بقي صوت الرشاشات والمناوشات المتقطعة يسمع بوضوح، وأمضت المدينة يومها على حذر من تجدد المعارك في أي لحظة، بسبب استمرار رصاص القنص الذي طال مناطق عدة، وتسبب في شل الحركة جزئيا على الطريق الدولية المؤدية إلى عكار باتجاه سوريا.

هذا، وتدخل الجيش اللبناني بقوة مع بدء الاشتباكات، وسمعت مضادات الجيش ورشاشاته طوال الليل وهو يحاول أن يردع مطلقي النار، لكن مهمة الجيش، وبحسب سكان محليين، تبقى «صعبة حين يتعلق الأمر بالقناصين، لأن منع هذه الظاهرة يتطلب انتشار العناصر العسكرية والأمنية في كل زقاق وحي». ولقد نفى عضو هيئة العلماء المسلمين في طرابلس الشيخ نبيل رحيم لـ«الشرق الأوسط» علمه بأي اتصالات سياسية أو اجتماعات تجرى للتهدئة، وعد «الأمر متروكا للجيش ليحسم الوضع»، مستبعدا في الوقت عينه «أي تفجير كبير وطويل».

من ناحية أخرى، ربطت بعض التقارير الإعلامية في بيروت بين مواجهات طرابلس والتحضير لفتح معركة منطقة القلمون السورية المتاخمة للحدود اللبنانية، على غرار ما حدث أثناء معركة القصير، حين عاشت طرابلس بالتزامن معها معارك ضارية. لكن رحيم استبعد «وجود أي صلة لأحداث طرابلس بمعركة يمكن أن يفتحها النظام السوري في منطقة القلمون داخل سوريا، لأسباب كثيرة؛ منها أن المعركة على الأرجح بعيدة وليس الآن موعدها، كما أنها بطبيعتها وهوية المشاركين فيها تختلف عن القصير بشكل كبير»، من دون أن ينكر وجود «مخاوف لدى أهالي طرابلس من أن يكون النظام السوري عازما على إلهاء طرابلس عسكريا وحربيا، في حال اندلعت معارك القلمون».

ورأى رحيم أن «الوضع في طرابلس مرتبط بثلاثة أمور، أولها: تداعيات الأزمة السورية، وثانيها: الاصطفاف السياسي الداخلي الحاد، أما ثالثها فهو الاحتقان المذهبي والطائفي». وأوضح أن «الكشف عن تورط يوسف دياب ومجموعة أخرى من جبل محسن، في جريمة السيارتين المفخختين اللتين انفجرتا بطرابلس في 24 أغسطس (آب) الماضي، وتر النفوس، خصوصا أن عدد قتلى الانفجارين تجاوز الخمسين والأضرار كبيرة والغضب عارم».

وأكدت مصادر قيادية ميدانية لـ«الشرق الأوسط» أن «فئات كثيرة مسلحة في باب التبانة، منها إسلامية وأخرى تتبع جهات سياسية، كانت لها صولات وجولات في الاشتباكات السابقة، لم تشارك في اشتباكات أول من أمس». وقالت إن «الغالبية المسلحة في التبانة باتت تعد هذه الاشتباكات عبثية، ويجب أن يجري تطويقها بالسرعة الممكنة».

وردت المصادر ذاتها عودة التوتر الأمني إلى «بعض التراخي مع فئات مخلة بالأمن يتوجب كبحها، إذ يلحظ أن هؤلاء لا يزالون يحظون بسقف من الحماية يتوجب رفعه عنهم، لأن مفتعلي المعارك وملقي القنابل في شوارع طرابلس ليسوا بكثرة، لكن شخصا واحدا أحيانا يمكنه أن يوتر مدينة بأكملها».

وفي سياق متصل، قال النائب في كتلة «المستقبل» محمد كبارة أمس إنه «كلما أطل علينا الطاغية بشار الأسد من شاشة تلفزة، أطل علينا عملاؤه بقذائفهم وقنصهم من ثكنتهم في بعل محسن»، معتبرا أن «ما تشهده طرابلس من فلتان أمني يتنامى يهدد بأسوأ العواقب، بينما الدولة تتفرج، ولا تتخذ أي تدابير جدية لإنقاذ العاصمة الثانية».