«سلام أورينت» مهرجان نمساوي يقدم سحر الشرق وغموضه

يستضيف الشاعر السعودي محمد حسن علوان ليتكلم عن تجربته الأدبية

TT

ما الذي يجمع بين رقصة هندية ورواية سعودية وموسيقى تركية ومحاضرة عن علم اللاهوت وحكايات صينية للصغار؟ هذه وتلك وأخريات كثر جميعها فعاليات حية يسعى مهرجان «سلام أورينت» النمساوي إلى تقديمها لجمهوره ضمن برنامج ثقافي ترفيهي سنوي متجدد ظل منذ عام 2005 ينقل ملامح من حضارة «الشرق» إلى النمسا كل خريف خلال أسبوعين أو أكثر بفيينا العاصمة ومدن أخرى، مما يحقق متعة لا تضاهى لغربيين من سكان البلد وضيوفه.

سحر الشرق وغموضه وتنوع ثقافاته وعراقة فنونه واختلاف تفاصيله هي المحرك الذي يدفع المشرفين على مهرجان «سلام أورينت» للبحث والتنقيب عن مشرقيين حيثما كانوا، سواء يعيشون في دولهم أو خارجها من ألمانيا إلى الصين وما بينهما، كما تقول إعلاناته، ودعوتهم لتقديم وصلات موسيقية وورش عمل ورقصات ومحاضرات وقراءات شعرية وأدبية لإنتاج حديث وكلاسيكي طرحا وشرحا لأفكار متباينة، بما في ذلك تلك التي قد تثير الجدل.

ورغم أن مهرجان «سلام أورينت» فعالية ثقافية في الأساس فإن السياسة لم تتركه وشأنه لدرجة أن قاطع الفنانون العرب دورته الماضية حينما تأكد لهم أن إسرائيل هي إحدى الجهات الممولة للحدث، مما دفع بالمنظمين لتوضيح أن إسرائيل قامت برعاية حفل موسيقي واحد من أصل 26 قدمته مجموعة موسيقية من طاجيكستان يعيشون في إسرائيل.

هذا العام استوعب المنظمون الدرس إذ كيف ينجح مهرجان يحكي عن الشرق وثقافاته وحضارته دون مشاركة الثقافة العربية؟ هذا العام عاد الفنانون العرب بمختلف إبداعاتهم كما حرص المنظمون على أن تكون المملكة العربية السعودية في مقدمة المشاركين. للمرة الأولى قدمت الدعوة لمثقف سعودي للمشاركة في المهرجان متعدد الفعاليات ودعي الكاتب والشاعر السعودي محمد حسن علوان، الذي قدم مساء أول من أمس ندوة أدبية طرح فيها بوصفه روائيا بعض ملامح تجربته.

كان في مقدمة الحضور ممثل خادم الحرمين الشريفين لدى النمسا ومندوب المملكة لدى الوكالات الدولية المتخصصة بفيينا، السفير عبد الرحمن بن محمد السلوم، والملحق الثقافي الدكتور علي بن عبد الله بن صقر.

وبلغة إنجليزية متمكنة صاحبتها ترجمة فورية للغة الألمانية حكى علوان عن بعض رواياته مستعرضا تجربته روائيا ينظر لنفسه كنتاج دولة حديثة ومجتمع ديناميكي ما يزال محافظا متمسكا بتقاليده، إلا أنه ولمسببات مختلفة يعيش في ظل طفرات وتغييرات اقتصادية واجتماعية وديمغرافية قوية ومتسارعة لا بد أن يظهر معها كثير من الأدباء والأدب بمختلف أشكاله وأنواعه، وأن ينتشر في عالم منفتح تحفه وسائل الاتصال والتقنية.

أكثر ما حرص عليه علوان الذي تخرج في جامعة الملك سعود ومن ثم واصل تعليمه فوق الجامعي بالولايات المتحدة الأميركية عدم التعميم، مذكرا مستمعيه بأن ما عاشه عند ظهور أول رواياته «2000» من معاناة في النشر داخل المملكة قد زال، وأن كثيرا من الظروف والأحوال قد تغيرت للأحسن والأسهل.

وأشار إلى أن أكثر الصعوبات التي يواجهها الكتاب حاليا بسبب بيروقراطية وليس بسبب سنسرة ورقابة دون أن ينفي وجود خطوط حمراء لا يمسها معظمهم ببلاده لا لرقابة مسلطة على رقابهم وإنما لرقابة ذاتية وإحساس بالمسؤولية ينبع من عميق إيمانهم وتقديسهم لدينهم الإسلامي كعقيدة.

عدا ذلك فالصحف تنتقد السياسات الحكومية، والكتاب يكتبون، والمطابع تنشر، كما قال، مضيفا أن الكاتبات من النساء وإن لم ينشرن بالكثافة التي يرغبن إلا أنهن يسودن ما ينتجن نثرا وشعرا ورأيا وبكل حرية في صفحاتهن الخاصة و«البلوغات»، منوها بفوز الروائية السعودية رجاء عالم بالجائزة العالمية للرواية العربية «البوكر»، كما فاز بها الروائي السعودي عبده خال.

في معرض رد على اتهام متشعب أطلقه أحد الحضور ضد ما قاله علوان وضد ما حكته النمساوية التي قدمت الأمسية والتي وصفت تجربتها بالمملكة وما لمسته من انفتاح - نفى علوان، بكل هدوء، أن يكون حديثه مجرد إعلان أو دعاية أو أنه سعى خلال ما قدم وعبر مداخلاته وردوده لتقديم صورة «وردية» عن المملكة العربية السعودية.

أكد علوان أنه لم يحاول رسم صورة زاهية، غير نافٍ ما يحسونه كغيرهم من المجتمعات من مشاكل، سيما أن الدولة حديثة تعيش تغيرات مطردة، شارحا أثر التغيير المتسارع الذي انعكس كمثال بسيط في حياة جده وأن ينتقل والده لبيت إسمنتي وعمارات، وأن يمتلك طفله الآن آخر صيحات وسائل التقنية، مؤمنا بأنها رحلة متشعبة لا تخلو من مشاكل وصعوبات عليهم أن ينظروا خلالها للنصف المليء من الكوب، مؤكدا أنهم يغضبون أحيانا ويثورون أحيانا ويطمحون ويأملون ولا يغلفون مشاكلهم، إلا أن ذلك لا يمنعه الإشادة بالإنجازات التي تعيشها بلاده، مستشهدا بأن كتبه بكل ما فيها من قصص حب وتفاصيل حميمية تباع حاليا بمكتبات المملكة دون أن يطاردها أحد أو تصادر.