جدل في فرنسا حول «ثمن» الإفراج عن أربع رهائن اختطفتهم «القاعدة» في النيجر

خبير موريتاني في الجماعات المتشددة لـ «الشرق الأوسط»: إطلاق سراحهم لم يكن مجانيا

الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند يلقي كلمة لدى استقباله الرهائن الفرنسيين الأربع في أحد المطارات العسكرية الفرنسية أمس (أ. ف. ب)
TT

«ومضة ضوء في سماء مكفهرة».. هكذا يمكن تلخيص النبأ السار بالنسبة للحكومة الفرنسية المتمثل بالإفراج عن أربعة رهائن فرنسيين اختطفتهم «القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي» في شهر سبتمبر (أيلول) 2010 من موقع عملهم في منجم لليورانيوم شمال مالي تشغله شركة «أريفا» الفرنسية التي تحتل موقعا رياديا في هذا القطاع.

وللتدليل على أهمية الحدث وفائدته السياسية، حرص الرئيس فرنسوا هولاند على أن يزف بنفسه النبأ السعيد أول من أمس خلال زيارة رسمية له إلى دولة سلوفاكيا وأن يكون، أمس، على رأس المستقبلين في مطار فيلا كوبليه الواقع جنوب غربي باريس، لحظة هبوط طائرة الرهائن الأربعة.

وشكر هولاند في كلمة مقتضبة أمس رئيس النيجر على الدور الذي لعبه للإفراج عن الرهائن الذين خطفوا على أراضي بلاده.

ويأتي هذا التطور الإيجابي الذي لم يكن منتظرا وسط فيض من الأخبار المكدرة التي تنهال على الرئاسة الفرنسية منذ منتصف الصيف الماضي. فمعالم الضعف والإنهاك تبدو على الحكومة الفرنسية والغيوم الداكنة تتلبد فوق قصر الإليزيه، والاحتجاجات تندلع هنا وهناك.

ونتيجة لكل ذلك، فإن شعبية الرئيس الاشتراكي هولاند تراجعت إلى الحضيض (26 في المائة فقط من الفرنسيين لديهم نظرة إيجابية للرئيس هولاند) إلى درجة لم يعرفها أي رئيس جمهورية من بين الستة الذين سبقوه إلى هذا المنصب منذ قيام الجمهورية الخامسة.

وليست الحكومة ولا رئيسها جان مارك آيرولت أفضل حالا؛ فهي تصاب بالخيبة بعد الأخرى، وتجد نفسها مضطرة للتراجع عن قرارات اتخذتها، خصوصا في الميدان المالي والضريبي.. الأمر الذي يوفر مادة دسمة للمعارضة اليمينية التي تصب حممها على الحكم الحالي الذي تتهمه أحيانا بفقده الكفاءة، وأحيانا أخرى بالارتجال وغياب التخطيط والانقطاع عن هموم الفرنسيين الحقيقية، والاستمرار في سياسة فرض الضرائب من كل نوع والإخفاق في تحقيق وعود هولاند الانتخابية.

ومع اقتراب مواعيد الاستحقاقات الانتخابية المقبلة وأهمها البلدية ثم الأوروبية، يتزايد هلع الاشتراكيين واليسار بشكل عام بسبب التقدم الذي يحققه اليمين المتطرف الممثل في الجبهة الوطنية. ولذا، فإن الإفراج عن الرهائن الأربعة يوفر بشكل مؤقت بالون أكسجين للرئيس والحكومة، ويدير النظر عن الصعوبات المتزايدة التي يعانيانها.

بيد أن هذا الخبر نفسه أثار سريعا جدا جدلا واسعا في فرنسا، ففيما أكد وزير الخارجية لوران فابيوس أن الإفراج حصل من غير أن تدفع فرنسا قرشا واحدا للخاطفين، بموجب المبدأ العام للدولة، فإن المعلومات التي توافرت لصحيفة «لو موند» من مصادر فرنسية، وأخرى لوكالة الصحافة الفرنسية من مصادر نيجيرية تؤكد أن الخاطفين والوسطاء المختلفين حصلوا على نحو 20 إلى 25 مليون يورو مقابل إفراجهم عن الرهائن الأربعة.

وهذا الجدل أصبح «تقليديا» في فرنسا، فمن جهة يتلخص الموقف الرسمي بأن باريس لا يمكن أن تدفع فدية لأن من شأن ذلك «تشجيع» الخاطفين على استهداف المواطنين الفرنسيين، وهو ما أعاد الرئيس هولاند التأكيد عليه أكثر من مرة. ومن جهة أخرى، فإن العارفين ببواطن الأمور ومسؤولين سابقين عن أجهزة المخابرات يؤكدون العكس.

وبشأن ذلك، قال الخبير الموريتاني المتخصص في الجماعات الإسلامية المسلحة، إسلمو ولد صالحي، لـ«الشرق الأوسط»، إن «الإفراج عن الرهائن لم يكن مجانيا، فهنالك ثمن دفع وستحدد الأيام طبيعته وملامحه». قبل أن يضيف: «المهم أن هؤلاء الرهائن لم يحرروا بعملية عسكرية ولا بغزو شمال مالي ونزع سلاح بعض الجماعات وطردها من المنطقة، كما لم يحرروا بعملية عسكرية نوعية، وإنما عن طريق التفاوض ودفع فدية مالية، لا شك في ذلك، أما طبيعة هذه الفدية وحجمها فهو ما ستخبرنا به الأيام».

واعتبر ولد صالحي أن «فرنسا في نهاية المطاف أعطت الضوء الأخضر لشركة (آريفا)، وهي عملاق في المنطقة ولديها خزينة مالية ضخمة، لتسوية الأمور، وذلك بعد أن كانت وإلى وقت قريب ترفض ذلك، وبالتالي فشركة (آريفا) قامت على الفور بتسوية المشكلة مع الخاطفين».

وحذر ولد صالحي من الوضع الجديد لتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، وقال: «يمكننا القول إن خزينة تنظيم القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي أصبحت الآن ممولة بشكل جيد، وهذا خطر جديد يتهدد الوجود الفرنسي في المنطقة». قبل أن ينتقد ما سماه «سياسة الكيل بمكيالين وازدواجية المعايير عند الغرب، فهم من جهة يجرمون دفع الفدى، ولكن عندما يتعلق الأمر بمواطنيهم ورعاياهم لا يكون هنالك أي حاجز أخلاقي أمام ذلك»، وفق تعبيره.

يشار إلى أن الرهائن الأربعة كانوا بحوزة كتيبة طارق بن زياد التابعة لتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، التي نفذت عملية الاختطاف في يوم 16 سبتمبر (أيلول) 2010 بقيادة أمير الكتيبة عبد الحميد أبو زيد الذي قتل إبان التدخل الفرنسي في شمال مالي في فبراير (شباط) الماضي.