زيدان يتحدى «إخوان ليبيا» مجددا ويهدد «حكومة إقليم برقة»

الغموض يكتنف أكبر عملية سطو مسلح في مسقط رأس القذافي

رئيس الحكومة الليبية علي زيدان لدى وصوله لعقد مؤتمر صحافي في رئاسة الحكومة أمس (رويترز)
TT

نفى علي زيدان رئيس الحكومة الانتقالية في ليبيا مجددا تورط حكومته في عملية اعتقال القوات الأميركية لنزيه الرقيعي الشهير بـ«أبو أنس الليبي»، بسبب اتهامه بالانتماء لتنظيم القاعدة والمسؤولية عن عدة هجمات ضد المصالح الأميركية. كما نفى زيدان في مؤتمر صحافي عقده بطرابلس أمس ما بثته شبكة (سي إن إن) الأميركية من أن مسؤولين ليبيين أجازوا لواشنطن اعتقال أبو أنس، بينما جرى تأجيل اعتقال مواطن آخر يدعى أحمد أبو ختالة.

وفيما بدا أنه بمثابة تحد جديد لجماعة الإخوان المسلمين، التي سبق أن انتقدت زيارته لمصر قبل نحو شهرين، قال زيدان إنه قد يزور مصر في أي وقت رغم هذه الانتقادات، معتبرا أن «مصر بالنسبة لليبيا هي الشقيق التوأم وهي عز وفخر لمن يترأس الحكومة الليبية.. ومستعد للذهاب إلى مصر اليوم. ومصر بشعبها وبدولتها وبنيلها وبأهلها عميقة في أنفسنا بعمق التاريخ ولا تنفك عن ليبيا، ومصر ستظل شقيق لصيق وقرين لليبيا ومن دون دعوة.. وقد زرتها من دون دعوة».

واعتبر أن «الأمر ليس مرتبطا بحكومة ولا نظام، ولكنه مرتبط بشعب أرض الكنانة العظيم، وكل الحب والاحترام. وأنا أعجب أن يثار مثل هذا السؤال، حتى الإثارة والمواقف السياسية لا تغير الأمم».

وتعليقا على تشكيل دعاة الفيدرالية لما يسمى بحكومة إقليم برقة، قال زيدان إن «هؤلاء أشخاص مخالفون للقانون والدستور ولا يمثلون إلا أناسا خارجين عن القانون والدولة».

لكنه هدد للمرة الأولى بإمكانية استخدام القوة ضد الإقليم، وقال: «إذا ظل في إطار الكلام فلن يكون أي إجراء تجاههم، ولكن إذا تجاوز هذا الشعب - وليس الحكومة فقط - ومعظم سكان المنطقة الشرقية رافضون لهذا الأمر». وأعلن زيدان عن التوصل إلى اتفاق يقضي باستئناف تصدير النفط من ميناء الحريقة شرق البلاد، كما أعلن أنه سيتم إنشاء مصفاة بطاقة 300 ألف برميل في منطقة طبرق وأخرى بطاقة 50 ألف برميل في وباري للاستهلاك المحلي.

وقال زيدان إن إعادة تصدير النفط ستبدأ يوم الأحد أو الاثنين المقبل بعد الاتفاق الذي جرى بمبادرة من المجلس المحلي طبرق وبعض أعيان القبائل في المنطقة، وقادة حرس الحدود والعاملين في المؤسسات النفطية. وأضاف: «خلال أسبوع من الآن سيفتح النفط ويبدأ التصدير، وكل المطالب تعهدت بتلبيتها التي في اختصاص الحكومة.. وما ليس في اختصاص الحكومة نسعى بتنفيذها وأمر خارج السيادة، فهو خارج هذه الطاولة».

وتبلغ طاقة مرسى الحريقة 110 آلاف برميل يوميا، علما بأن المؤسسة الوطنية للنفط أعلنت حالة القوة القاهرة في الميناء منتصف شهر سبتمبر (أيلول) الماضي، لكنه توقف بالفعل عن تصدير النفط الخام منذ أكثر من أسبوعين.

وتعهد زيدان خلال اجتماع عقده مساء أول من أمس مع أعيان وحكماء ومشايخ مدينة طبرق بحضور رئيس أركان الجيش الليبي وبعض حراس المنشآت بتنفيذ بعض مطالب المحتجين الذين أوقفوا العمل في الميناء مؤخرا، مشيرا إلى أن حكومته ستسعى لتلبية كافة المطالب التي تقع في اختصاصها: «إلا ما يتعلق بوحدة الوطن أو انقسامه أو إيجاد وضعية جديدة غير التي نعيشها؛ فهو يقره جميع الليبيين ولا يقرره أحد بمفرده».

وبشر زيدان مواطنيه بأن الخير قادم على حد تعبيره، وقال: «الخير جاي (مقبل) بإذن الله، وما نحتاجه قليل من الصبر والتفاهم لأنه لو لم نخدم ليبيا فلماذا نحن في موقعنا».

إلى ذلك، ما زالت السلطات الليبية تحاول كشف أكبر عملية سطو مسلح على أموال مصرف ليبيا المركزي بمدينة سرت من قبل مجهولين تمكنوا من سرقة 53 مليون دينار ليبي (نحو 43 مليون دولار) و12 مليونا من العملات الأجنبية.

وبدأ فريق تحقيق مكلف من العاصمة طرابلس تحقيقاته في العملية التي شغلت الرأي العام، حيث أعلن مفتاح شنبور، عضو المؤتمر الوطني عن مدينة سرت وعضو فريق التحقيق، أن توقيف الجناة سيكون في وقت قريب وقياسي. مشيرا إلى أن الفريق قام باستدعاء عدد من المسؤولين بالمدينة الذين لهم علاقة بالموضوع، وأن بعضهم قد حضر فعلا إلى التحقيقات وبعضهم لم يمتثل.

ونقلت وكالة الأنباء المحلية عن العقيد خالد العكاري، ضابط العمليات بكتيبة شهداء الزاوية التابعة للجيش الليبي، أن الكتيبة قامت باتخاذ إجراءات مشددة عند مداخل المدينة ومخارجها وذلك بالتعاون مع الأجهزة الأمنية بالمدينة، داعيا المواطنين إلى التعاون مع الأجهزة الأمنية حتى يجري كشف مرتكبي هذه الجريمة.

وسطت مجموعة مدججة بأسلحة خفيفة ومتوسطة على شحنة أموال بسرت كانت في طريقها إلى فرع مصرف ليبيا المركزي بالمدينة ولاذوا بالفرار. وكنت الشحنة قد وصلت إلى سرت جوا من طرابلس، حيث جرى نقلها على متن شاحنة متجهة إلى فرع المصرف المركزي بالمدينة وكانت ترافقها سيارة حماية واحدة، لكن أفراد الحماية لم يتمكنوا على ما يبدو من مواجهة المسلحين.

واعتبرت وكالة الأنباء الرسمية أن عملية السطو المسلح كشفت مجددا عن ضعف الأجهزة الأمنية الليبية على كافة المستويات، وتداعيات ذلك على مجمل المشهد الأمني في ليبيا. ونقلت عن مختصين في مكافحة الجريمة أن العملية تثير الكثير من الشكوك وتطرح جملة من التساؤلات المشروعة، مشيرة إلى أنه رغم أنها ليست الأولى من نوعها، فإنها الأكبر، نظرا لتعدد الأشخاص أو الجهات التي تقع تحت طائلة الاشتباه وقد تكون متورطة بصورة مباشرة أو غير مباشرة، سوءا عبر تسريب المعلومات من داخل المصرف؛ حيث انطلقت الشحنة، أو على مستوى الشركة الناقلة، وكذلك الجهة المسؤولة إداريا وأمنيا عن تسلم الشحنة في مطار الوصول.

لكن رئيس الحكومة وعد بحل لغز هذه العملية خلال الساعات القادمة، مشيرا إلى أن هناك عناصر أتت من خارج سرت إلى المدينة وحاولت أن تفشي فيها القلاقل الأمنية، وأن الحكومة تسعى لمعالجتها. وتأتي هذه التطورات في وقت تعيش فيه ليبيا وضعا سياسيا محتقنا للغاية، حيث أخفق المؤتمر الوطني (البرلمان)، وهو أعلى هيئة سياسية، في استئناف عقد جلساته بسبب مقاطعة غالبية الأعضاء. وقال عمر حميدان، الناطق الرسمي باسم المؤتمر، إن جلسة المؤتمر التي كانت مقررة أول من أمس لم تنعقد لأن عددا من أعضاء المؤتمر قاطع الجلسات، مما أدى إلى تعطل النصاب القانوني لانعقاد المؤتمر.

وأشار حميدان، خلال مؤتمر صحافي عقده بطرابلس، إلى أنه جرى وضع النقاط العشر التي تقدم بها الأعضاء المقاطعون لجلسات المؤتمر في جدول أعماله خلال جلساته الثلاث المقبلة، موضحا أن على رأسها تشكيل لجنة برلمانية عاجلة للتحقيق في اختطاف رئيس الحكومة، وتشكيل لجنة أخرى للتحقيق في مبلغ 900 مليون دينار ليبي (نحو 733 مليون دولار) صرفت على الدروع.

وقالت مصادر بالمؤتمر لـ«الشرق الأوسط» إنه من المنتظر أن يستأنف المؤتمر عقد جلساته بمقره الرئيسي في العاصمة طرابلس اعتبارا من يوم الأحد المقبل، مشيرة إلى أنه سيجري بث الجلسات على الهواء مباشرة عبر التلفزيون الرسمي.