نائب عمدة لندن: روابطي بالعالم العربي عائلية.. ولندن دولة أكثر منها مدينة

كيت مولتهاوس يقول في حديث لـ «الشرق الأوسط» إن العاصمة البريطانية مؤهلة للقب عاصمة المصرفية الإسلامية في الغرب

كيت مولتهاوس نائب عمدة لندن لشؤون الأعمال والمشاريع التجارية (تصوير: جيمس حنا)
TT

كيت مولتهاوس نائب عمدة لندن لشؤون الأعمال والمشاريع التجارية اعترف قبل بداية الحديث الصحافي معه بروابطه وقرابته العربية، وحبه الشديد للجالية العربية، فهو متزوج من سيدة لبنانية (جوليانا)، التقاها أثناء دراستها الجامعية بالعاصمة لندن، وكانت علامات الارتياح تبدو على وجهه وهو يتحدث عن روابطه العربية العائلية، وطلب نسخة من «الشرق الأوسط» بعد نشر الحوار لإرسالها إلى حميه السيد رافي فرحة. وتحدث بإسهاب عن ولعه بالمأكولات العربية من الكبة للحمص والفتوش والتبولة، والخبز بالزعتر، الذي كثيرا ما يبدأ به يومه قبل التوجه إلى مقر عمدة لندن المطل على نهر التيمس في مواجهة تاور بريدج ذي الأهمية السياحية والتاريخية والتجارية في العاصمة البريطانية. وتحدث أيضا عن المطاعم اللبنانية التي يذهب إليها في ادجوار رود (قرية لندن العربية) ليستشعر دفء الحنين إلى الشرق الأوسط، وكذلك البقالات العربية التي يشتري منها الخبز السوري المحمص، والجبن الحلومي، وكذلك البهارات بأنواعها المختلفة.

وكيت مولتهاوس انتخب عام 1988 لمجلس بلدية ويستمنستر، وعمل من خلال بعض المشاريع التجارية على تقليص أعداد المشردين في شوارع لندن، وفي عام 2008 انتخب عضوا في مجلس بلدية لندن، وعين نائبا لعمدة لندن لشؤون الشرطة، وأعيد انتخابه لفترة أخرى عام 2010، ثم عينه العمدة بوريس جونسون نائبا له عن شؤون الأعمال والمشاريع التجارية.

وتحدث مولتهاوس عن آماله في بروز العاصمة البريطانية كعاصمة غربية للصيرفة الإسلامية مع ازدياد عدد المصارف والمؤسسات الإسلامية العاملة في لندن، ومع استضافة العاصمة لندن لأول مرة المنتدى الاقتصادي الإسلامي العالمي في دورته التاسعة، وهو لأول مرة يعقد في الغرب خارج حدود العالم الإسلامي، ليؤكد أن العاصمة لندن عاصمة متفتحة، والوجهة الأولى للتجارة والاستثمار مع العالم الإسلامي. وتحظى مسألة التمويل الإسلامي باهتمام خاص في المنتدى، فيما تعتزم العاصمة البريطانية التحول إلى مركز عالمي لهذا القطاع. وانطلق المنتدى التاسع في لندن خلال الفترة ما بين 29 و31 أكتوبر (تشرين الأول) تحت شعار «عالم متغير.. علاقات جديدة»، وشارك في المنتدى نحو 2700 شخصية من قادة الحكومات والرواد والشخصيات الأكاديمية والخبراء الإقليميين ومديري المؤسسات الكبرى من 115 دولة.

وجاء الحوار مع نائب عمدة لندن لشؤون التجارة والأعمال كيت مولتهاوس على النحو التالي: * هل بإمكانك أن تخبرنا عن مستقبل التمويل الإسلامي في بريطانيا؟

- نرى وجود احتمالية كبيرة لنمو التمويل الإسلامي والتمويل المطابق لأحكام الشريعة. ولذا، فمن الواضح أن هذا النوع، من وجهة نظرنا في لندن، يعد نوعا آخر من الاستثمار الأخلاقي (الاستثمار في مشروعات لا تتعارض مع الأخلاق الحميدة)، بجانب جميع الأشكال الأخرى من الاستثمار الأخلاقي الموجودة لدينا. وبما أن لندن مركز مالي عالمي، فإننا نرى ضرورة وضع التمويل الإسلامي في موضعه الصحيح بجانب جميع المنتجات الأخرى التي نعرضها. وفي النهاية، تعد لندن مدينة للتبادل والتداول، حيث إنها عبارة عن مدينة لتبادل الأنشطة التجارية والأموال والعملة والأفكار والاستثمارات، وكذلك الاستثمار المطابق للشريعة.

نعتقد أنه بإمكان لندن أن تلعب دورا كبيرا في الترويج والدعاية لذلك عبر أنحاء العالم. وبالتأكيد، ففي حين أن التمويل الإسلامي يعد ملائما بصورة جلية للمسلمين، فليس بالضرورة أن يكون حكرا على المسلمين وحدهم، بل يمكن أن يستخدمه الجميع. وهذه هي القيم التي تقدمها لندن. لقد كنا من أوائل المتبنين للتمويل الإسلامي؛ هناك 22 مكتب محام يتعامل وفق بنود الشريعة، وأربعة أو خمسة بنوك إسلامية في لندن. وتشتمل مدارسنا التجارية وجامعاتنا على دورات التمويل المطابق للشريعة، حيث يجري تدريب الأشخاص من خلال تلك الدورات لتحقيق الاستفادة لهم في المستقبل. نرى أن هذا المجال يعد خبرا مهما للغاية فيما يتعلق بالنمو ونريد أن نكون جزءا منه.

* هل تعتقد بإمكانية استفادة النظام المالي والمصرفي التقليدي من التمويل الإسلامي؟

- بلى، أعتقد أنه من المحتمل حدوث ذلك، فبعيدا عن كل الأمور الأخرى، حيث يعد التمويل الإسلامي، حسبما أفهمه، شكلا آخر من أشكال الاستثمار الأخلاقي ومن الواضح أن شعبيته في ازدياد. وبناء على ذلك، فإن أحد الأشياء الممكن تعلمها هو أن الاستثمار الأخلاقي يمكن استخدامه مع تحقيق الجدوى منه. ويمكننا القول بأنه مع استخدام مهاراتنا في مدينة تتسم بتلك المزايا، فسيؤدي ذلك إلى مساعدة المؤسسات الإسلامية على ترجمة منتجاتها إلى بيئة عالمية للبيع بالتجزئة.

ووفقا لما ذكرته، فمن بين الأشياء المهمة للتمويل الإسلامي مسألة الاحتياج إلى تقبله واستخدامه من قبل غير المسلمين. ويجب أن يصير التمويل الإسلامي جزءا معياريا من محفظة الاستثمار التي يحملها أي شخص، ولا سيما إذا كان هذا الشخص متحمسا للاستثمار فيما يجري النظر إليه على أساس أخلاقي.

* يعتبر من أهم سمات التمويل الإسلامي عدم وجود فائدة ووجود اقتسام المخاطرة، فهل ترى أن التمويل الإسلامي أصبح سائدا بشكل أكبر بعد الأزمة المالية العالمية؟

- أعتقد بالتأكيد أنه توجد رغبة ونزعة نحو التمويل الإسلامي بعد حدوث الانهيار الاقتصادي، فلو وضعنا في الاعتبار الاتجاهات التي نلحظها في اقتصادنا، نرى ابتعاد الشركات عن الاقتراض القياسي المدر للفائدة مع وجود فائدة متغيرة على السحب على المكشوف، حيث اتجهت تلك الشركات بشكل أكبر نحو الاقتراض بسعر الصرف الثابت، ولذا، فعلى سبيل المثال، يزداد رواج الإيجار، الذي يعد مطابقا لأحكام الشريعة، ومن أحد المنتجات الموجودة في المملكة المتحدة منذ عقود من الزمان. ويرجع السبب وراء هذا الرواج إلى توفيره لإمكانية التعويل والاعتماد عليه واقتسام المخاطرة بالطريقة التي تمليها أحكام الشريعة. وبناء على ذلك، نؤكد أن التمويل الإسلامي سينمو بشكل أكبر وسيصير أكثر انتشارا.

* نشرت صحيفة «صنداي تايمز» تقريرا الأحد الماضي يشير إلى أن ثلث تجارة البيع بالتجزئة مملوكة من قبل المسلمين. فما أرقام الإحصائيات في لندن بشأن هذا الأمر؟

- هذا سؤال وجيه. بيد أنني لا أعرف الأرقام. من الواضح جليا أننا لدينا في لندن والمملكة المتحدة سكان مسلمين نابضون بالنشاط والحيوية بشكل كبير جدا، وأعتقد أن ذلك الأمر يعد جزءا من أسباب جاذبية الشركات المطبقة لأحكام الشريعة الإسلامية التي وفدت إلى هنا، حيث يوجد جمهور كبير. بيد أنني ليس لدي أرقام محددة.

* في شهر مايو (أيار) من هذا العام، زرت تركيا وقابلت عددا كبيرا من جمعيات الأعمال هناك، فهل توجد أي خطط للقيام بالشيء نفسه بالنسبة للدول العربية؟

- أجل، لقد زرت تركيا ومضينا قدما في هذا الأمر؛ لأننا نعتقد أن إسطنبول مدينة نابضة بالنشاط ومفعمة بالحيوية، ومن الواضح جليا أنها تنمو بقوة، ولا سيما أنها تريد أن تلعب دورا كبيرا في مجال الخدمات المالية العالمية مع وجود الخبرة لدى لندن للمساعدة في ذلك. ولذا فإننا نود مساعدتهم، وخصوصا أننا نعدهم شريكا كبيرا ورئيسا للندن للدخول إلى منطقة شمال أفريقيا والشرق الأوسط. وعلاوة على ذلك، زار عمدة لندن بعض الدول في منطقة الخليج هذا العام، حيث ذهب إلى قطر وأبوظبي، وأعتقد أنه سيذهب إلى الكويت في وقت لاحق هذا العام.

* فيما يخص مسألة توأمة المدن، هل توجد أي خطة لعمل توأمة بين لندن وأي عاصمة عربية على سبيل المثال؟

- لا نقوم بعمل توأمة بوجه عام. وبوصفنا مدينة، فلدينا سياسة بعدم التوأمة، ولكن لا يعني ذلك أنه ليس في إمكاننا إقامة علاقات ودية وتوقيع مذكرات تفاهم، وأعرف أنه عندما كان عمدة بوريس جونسون في الدوحة وقع مذكرة مع الدوحة بشأن أمور رقمية وتقنية. لا نقوم بعمل توأمة رسمية، بيد أننا لدينا العديد من العلاقات الودية الطيبة التي نعمل في إطارها.

* ما نوع اتصالاتك التي تجريها عبر المنطقة مع جمعيات رجال الأعمال العربية أو الشرق أوسطية؟

- لدينا اتصالات قوية في منطقة الخليج، كما أن اتصالاتنا مع تركيا في تحسن بعد زيارتنا إلى إسطنبول، كما لدينا الكثير من الاستثمارات العربية في لندن. وعلاوة على ذلك، فإن اتصالاتنا قوية، لدينا اتصالات وروابط قوية ووطيدة مع القطريين والكويتيين والسعوديين وأشخاص من الإمارات العربية المتحدة. لندن لديها مثل هذا النوع من العلاقات القوية مع المجتمع العربي، حيث إن تلك الروابط ليست حكومية فقط، بل اجتماعية أيضا.

* منذ اندلاع الربيع العربي منذ أكثر من سنتين، أصبحت لندن أكثر جاذبية للزائرين العرب، لدرجة أن بعض المحللين يزعمون أن الرواج العقاري الذي حدث أخيرا في لندن كان ناتجا عن انتقال الأثرياء العرب إلى تلك المدينة. فهل تتفق مع هذا التقييم؟

- لدينا تدفق رأسمال كبير من كل أنحاء العالم، وليس من الخليج فقط، ولست متأكدا أن السبب يعود إلى الربيع العربي، ولكن كان مؤثرا بدرجة كبيرة على إعادة تقييم لندن بعد الألعاب الأولمبية بوصفها مكانا يجب على الناس المجيء إليه والاستثمار فيه. إن مدينتنا نابضة بالحياة والنشاط وتتسم بالتسامح والتنوع، ولقد أدرك الناس ذلك الأمر في فترة الألعاب الأولمبية، حيث رأوا أعداد الجاليات العرقية الموجودة هنا. وبالإضافة إلى ذلك، فإن مدينتا مستقرة سياسيا، وكما تعرف فإنه يوجد لدينا نظام قانوني رائع وجدير بالاعتبار وعادل، مما يعد مصدر جذب للأشخاص من مختلف دول العالم، ناهيك عن بناء الروابط السياسية والودية في رحلاتنا في الخارج، وإجراء المحادثات مع المستثمرين عبر أنحاء العالم بصورة واضحة. لا نقدم أي شيء خاص إلى العرب أو شعوب الخليج، إلا ما نقدمه للغير. لا ندقق بشأن الأمور البسيطة الخاصة بالأشخاص الوافدين، ولكن كدليل على مدى دفء البيئة، انعقدت فعاليات المنتدى الاقتصادي الإسلامي العالمي في لندن للمرة الأولى في تاريخه، واتخذ القرار بانعقاد هذا المؤتمر شديد الأهمية في مكان خارج العالم الإسلامي، وهو ما نعده إطراء وثناء على المدينة.

* كتبت مقال رأي خلال الشهر الماضي محذرا أسكوتلندا وويلز ألا يحاولا منافسة لندن في مجال السياحة، فهل كان لهذا الأمر، على وجه الخصوص، رد فعل سلبي؟

- أجل. يجب علي القول بأن كلامي قد فسر بشكل خاطئ. ما قلته هو أنه يجب على لندن وأسكوتلندا وويلز عدم الدخول في منافسة مع السائحين، حيث يتعين علينا العمل معا للتأكد من قدوم السائحين إلينا جميعا. ولذا كان اقتراحي أن نقول للناس: «تعالوا إلى لندن، وينبغي عليكم الذهاب إلى أسكوتلندا أيضا» لكي نكون أقوياء معا.

* أنت مهتم بشكل واضح بزيادة مجال صناعة السياحة بلندن إلى أقصى حد ممكن، فهل يمكن أن تتعلم لندن أي شيء من السياحة في العالم العربي أو العكس؟

- بلى، أعتقد أن هناك أشياء يمكن تعلمها. ومن الواضح بجلاء أن أحد هذه الأشياء كان إخباري بأن الزائرين يستحسنون العالم العربي ويكنون له بالتقدير بسبب ارتفاع مستوى الخدمة بشكل كبير جدا في الفنادق والمطاعم، ورغم أن اقتصاد الخدمات في لندن يعد هائلا وفي تحسن مستمر، فإنني أعتقد أنه يمكننا بالتأكيد تعلم الدرس من هذا الأمر. وبالإضافة إلى ذلك، فإننا نشعر بالغبطة تجاه بعض استثمارات البنية التحتية الكبيرة جدا التي قامت بها الدول العربية، ولا سيما تطوير مطاراتهم، ولذلك توجد بعض المطارات الكبيرة التي يجري تشييدها عبر العالم العربي. وفي حين أن لندن تمتلك خمسة مطارات، فإننا نجري مناقشات ممتدة ومطولة بشأن قدرتنا الخاصة بالملاحة الجوية والقدرة على بناء مطار جديد في مكان ما حول لندن، يبدو أن القرار قد اتخذ بشأن هذا الأمر في العالم العربي.

* يعد العمدة بوريس جونسون سياسيا مشهورا جدا، بيد أن شخصيته العامة تبدو مثل شخص لا يميل نحو معرفة التفاصيل بشكل كبير. فهل يشرف ويراقب عن كثب كل عمليات صنع القرار؟

- من أروع الأشياء اليومية العمل مع جونسون؛ فهو يجيد اختيار الشخص المناسب لأداء الوظيفة ثم تفويضه بالمهام، حيث إن جونسون يدير الأمر مع الاهتمام البالغ بالتفاصيل. الأشخاص الماهرون والأكفاء لا يحبون أن يكونوا مديرين مهتمين بالتفاصيل بشكل بالغ، ولذا فإنني أعتقد أن جونسون يتمتع بمزايا أفضل بكونه مستشارا بشكل أكثر مما كان سيصبح، بطريقة أخرى، لو أنه لا يقوم بمهام الإدارة مع شغفه بالتفاصيل. وبناء على ما ذكر، فإن جونسون واضح للغاية بشأن ما يريده في ضوء النتائج، كما أنه يحاسبنا جميعا. يجب عليك أن تتذكر أن لندن ليست مجرد مدينة، بل إنها في الواقع دولة أوروبية متوسطة الحجم وتتمتع باقتصاد أكبر من النمسا، ولذلك فإن أي شخص يريد إدارة شؤون دولة مثل النمسا، سيفشل في ذلك. لكن جونسون لم يخفق في هذا الأمر.

* في كل صيف، يأتي الأثرياء العرب إلى مناطق معينة في لندن مثل نايتسبريدج أو ماي فير، وتركز بعض الصحف على تلك الزيارات، وخصوصا مسألة السيارات الغالية للغاية التي يقودونها وأحيانا الانتظار غير القانوني للسيارات. فكيف ترى هذا الأمر؟

- يجب علي الاعتراف بأن سكان نايتسبريدج يرون هذا الأمر مزعجا بشدة بسبب الضوضاء، في المقام الأول، وكذلك لأن هذه السيارات مثيرة للضوضاء للغاية وسريعة جدا. وعليه، فبالتأكيد يأتي الناس من منطقة الخليج في فصل الصيف بسبب الحر الشديد في منطقتهم، ولذا فإنهم يفدون إلى لندن للتسوق وقضاء وقت ممتع، بيد أنه ربما من الأفضل أن يكون لديهم جميعا سيارات كهربائية، حيث يجب عليهم جميعا الحصول على سيارات صديقة للبيئة، لأنها لا تصدر ضجيجا أو إزعاجا، ومن ثم سيكون هؤلاء الزائرون مرحبا بهم بالفعل أكثر منا.