حوار التصنيفات الفكرية يطالب المناهج التعليمية بالتحذير من لغة الإقصاء

وضع تسع توصيات لبناء خطاب ثقافي يردم الفجوة بين أفراد المجتمع السعودي

الجلسة الختامية لأعمال حوار التصنيفات الفكرية في الرياض أمس
TT

وضع نخبة من المثقفين السعوديين أمس، في ختام مشاركتهم ضمن جلسات اللقاء السابع للخطاب الثقافي، الذي ينظمه مركز الملك عبد العزيز للحوار الوطني، تسع توصيات قالوا إنها كفيلة بوقف التداعيات السلبية للتصنيف الفكري بين أفراد المجتمع، والذي يصل إلى محاولة إسقاط الآخرين وتحويلهم إلى مرمى للاتهامات واستباحة الأعراض، وصب الناس في قوالب مرفوضة من المجتمع السعودي، محذرين من أن هذا الوجه من التصنيف يمثل عامل تحطيم للعلاقات الاجتماعية وسبيلا إلى خلخلة الوحدة الوطنية.

وشددت التوصيات النهائية للقاء على أهمية إدراج مفاهيم تحذيرية حول التصنيفات الفكرية ضمن المناهج التربوية في التعليم العام والعالي، بهدف بناء ثقافة لا ترى ذاتها في إسقاط المقابل، بل ترى المختلف عنها مجالا خصبا للتفاهم المتبادل معه، واكتساب الجديد منه، وإمداده بما لدى الذات من عناصر إيجابية، وضرورة معالجة المصطلحات التصنيفية وبيان حدودها، وخطورة استخدامها مثل «كافر»، «منافق»، «فاسق»، «خائن»، «عميل»، «ليبرالي»، «إخواني»، بالإضافة إلى إشراك الجهات الرسمية والأهلية لإذكاء روح التصنيف وتجنب ضرب الناس بعضهم ببعض، واستشعار المصلحة الوطنية، والتزام منهج الإسلام في الجمع والتأليف بين الناس.

وخرج اللقاء الحواري بالتأكيد على وضع ميثاق شرف أخلاقي في المجال الثقافي والإعلامي يلتزم به الكتاب والمدونون والخطباء والمعلمون في المدارس والجامعات، واستثمار نظام «مكافحة الجرائم الإلكترونية» وتدعيمه بتشريعات أوسع تحفظ للأشخاص والتيارات حقوقهم، وتصون الحرمات أن تنتهك، وتنبيه المؤثرين من العلماء والمثقفين في الوسائل الإعلامية والتواصلية على الالتزام بالمنهج السليم في التعليق على الأشخاص والتيارات إسلاميا ووطنيا، والسعي إلى إيجاد مشروع نهضوي شامل ينخرط فيه فئات المواطنين كافة، بما يجعل جهودهم منصبة على المشاركة في البناء الوطني وتحفيز التلاحم بدل التناحر والتنابذ، وتكثيف الحوارات المباشرة بين المختلفين، باعتبار أن الحوارات المباشرة تزيل كثيرا من الأوهام والتخيلات وتجعل الأطراف تتعامل مع واقعها الحقيقي.

من جهته، كشف فيصل بن معمر الأمين العام لمركز الملك عبد العزيز للحوار الوطني، في حديث خص به «الشرق الأوسط»، عن تحقيق وإنجاز عدد من المقترحات المقدمة من المركز على أرض الواقع بنسبة كبيرة، وذلك بناء على دراسة قام بها المركز خلال السنوات العشر الماضية، مؤكدا في الوقت نفسه أن الكثير من التوصيات التي رفعها المركز للجهات المعنية تم تنفيذها، مبينا أن جهازه لا يدعي ذلك، ولكن بناء على دراسة حللت هذه البيانات خلال هذه الفترة، وتحقق نسبة لا بأس بها من خلال ما يتم من توجيهات، بأن ترسل تلك التوصيات إلى الجهات، كل حسب تخصصه، وهذه الجهات تنظر إليها بحسب توجههم وخططهم الاستراتيجية، وبالتالي وضع الرؤية المناسبة لكل مقترح، مع العلم بأنها غير ملزمة، والطريق طويل ويحتاج إلى صبر.

وأكد ابن معمر أن مركز الملك عبد العزيز للحوار الوطني جهة استشارية تسعى من خلال هذه الحوارات إلى الوصول إلى أفكار جوهرية، وتحويلها إلى واقع ملموس، مشددا على أهمية التحول من النظرية إلى التطبيق لهذه الأفكار والمقترحات، بحيث تكون لها وسائلها عبر الجهات التشريعية، وبالتالي رفعها إلى المقام الكريم لتجد العناية، مؤكدا حرص مركز الملك عبد العزيز للحوار الوطني على الوصول إلى الحقيقة ومعالجتها مباشرة، خصوصا عندما تكون الجهات المسؤولة وسيلة لدفع هذه الأفكار والرؤى إلى الأمام وفق ضوابط التصنيف، ومن غير المساس بالنسيج الاجتماعي للبلاد.

وقال الأمين العام لمركز الملك عبد العزيز للحوار الوطني، بعد اختتام لقاءات الخطاب الثقافي السعودي السابع في مدينة الرياض، أمس الخميس، الذي يرمي إلى وضع رؤية وطنية لمواجهة التصنيف الفكري، التي خصصها اللقاء حول التصنيفات الفكرية وأثرها على الوحدة الوطنية ومسؤولية النخب السعودية في هذا الشأن: «الجميع اتفق على أن التصنيف في الخطاب أمر غير مقبول في المجتمع السعودي الذي يتميز بإنسانيته وتنوع أفكاره ومفاهيمه وممارساته، وأن الأصل في هذا التنوع أن يكون مصدر ثراء وتفاهم وتقارب، لكنه أحيانا يتحول إلى شقاق وتدابر وتشويه متبادل، مما يؤدي إلى تداعيات سلبية على النسيج الوطني، وأن (التصنيفات الفكرية) إذا تحولت إلى تحزبات واستقطابات حادة بعضها ضد بعض تصبح سببا من أسباب هذا الشقاق والتنازع على المستوى الوطني».

وكانت الحوارات والمناقشات التي طرحت في اللقاء ثرية من حيث توصيف طبيعة هذه التصنيفات وأسبابها ومظاهرها وسبل حماية المجتمع من آثارها، وكانت أبرز الأفكار التي تم تناولها تهدف إلى تحقيق تنوع فكري إيجابي في مجتمعنا السعودي بعيدا عن التصنيفات الفكرية.

إلى ذلك، طرح الدكتور عبد الله العبيد، عضو اللجنة الرئاسية للمركز خلال ترؤسه الجلسة الثالثة للقاء عددا من الموضوعات تشخص واقع التصنيفات الفكرية في الخطاب الثقافي السعودي ومغذيات تلك التصنيفات، مشيرا إلى أن اللقاء تناول التصنيفات الفكرية من حيث نتائجها السلبية على المجتمع، وأن الاتجاه السائد في الحوارات هو الجانب السلبي في التصنيف، وهو ما يوصف به الشخص، من غير قبول منه، وليس ما يقر به، والسعي إلى تشكيل صورة أولية عن هوية الخطاب الثقافي، حيث يسعى الجميع إلى تجاوز التمحور والتصنيف في ظل الوحدة الوطنية ومد جسور التواصل بين المجتمع وصانع القرار.

واختتم المشاركون اللقاء السابع للخطاب الثقافي بمناقشة المحور الأخير للقاء، الذي جاء تحت عنوان «كيف نبني خطابا ثقافيا يتجاوز التمحور والتصنيف نحو التنافس والحوار والتعايش الفكري في ظل الوحدة الوطنية»، مؤكدين أهمية هذا المحور كونه يعد ختاما لهذه الجلسات، وقد بدأت الجلسة باستعراض دراسة قامت بها وحدة الاستطلاعات والرأي بالمركز حول موضوع التصنيفات الفكرية وأثرها على الوحدة الوطنية، ووزعت الاستطلاعات على 13 منطقة إدارية في السعودية، شملت 1026 عينة عشوائية من الذكور والإناث، وسيقوم المركز بنشر نتائج هذه الدراسة خلال الأيام القليلة المقبلة، وقد تعددت وتنوعت آراء المشاركين حول أهمية استمرار عقد مثل هذه اللقاءات والجلسات للوصول إلى صيغة موحدة تسهم في بناء خطاب ثقافي يردم الفجوات ويقرب المسافات ويلغي التمحور والتصنيف الذي إن لم تتم معالجته والاعتراف به كجانب فكري موجود ومعمول به فإن الهوة ستتسع، من هنا تأتي أهمية هذا اللقاء، وهذا المحور تحديدا، الذي سيشكل نواة ينطلق منها الجميع.