فابيوس: هذه مطالبنا للقبول بتوقيع اتفاق مع طهران

وزير خارجية فرنسا ينفي عزلة بلاده في ملف إيران النووي

TT

قالت مصادر فرنسية أمس إن الموقف الذي التزم به وزير الخارجية لوران فابيوس في جنيف، خلال مفاوضات الأيام الثلاثة بين مجموعة 5+1 بشأن الملف النووي الإيراني هو موقف باريس «الثابت»، نافية بذلك الاتهامات والتسريبات التي تعتبر أن فرنسا «أجهضت» مشروع الاتفاق بسبب موقفها وشروطها المتشددة.

وبدوره سعى فابيوس من خلال أحاديث صحافية إلى دحض الصورة التي أوحت بـ«عزلة» باريس في جنيف، إذ تحدث عن موقف «جماعي» للدول الست يوم السبت، وهو ما أكده وزير الخارجية الأميركي جون كيري في أبوظبي أمس. وقال فابيوس صباح أمس، متحدثا إلى إذاعة أوروبا رقم 1 إن فرنسا «ليست معزولة ولا تابعة، إنها مستقلة وتعمل من أجل السلام. إننا حازمون ولسنا منغلقين ولدي أمل جيد في التوصل إلى اتفاق مناسب»، مضيفا أن القوى الكبرى «متفقة تماما» على شروط التفاوض. وإذ أعرب الوزير الفرنسي عن أمله في الوصول إلى اتفاق في الجولة القادمة من المفاوضات التي ستعقد في جنيف، بدءا من يوم 20 نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي، فإنه نبه إلى أن الفشل في تحقيقه «سيطرح مشكلات كبيرة في غضون عدة أشهر».

وكان فابيوس يشير بذلك إلى المشكلة المتمثلة في موقع آراك الذي تبنيه إيران ومن المفترض أن يبدأ تشغيله في الربيع القادم. وآراك الذي يعمل بالمياه الثقيلة معد لإنتاج البلوتونيوم، وهو المادة التي تمكن مع اليورانيوم المشبع بنسبة 90 في المائة من إنتاج القنبلة الذرية. وتعتبر باريس أن استكمال طهران بناء المفاعل المذكور وتشغيله سيكون بالغ الخطورة لأنه سيكون من المتعذر عندها مهاجمته وتدميره بسبب تسرب الإشعاعات منه. وتريد باريس ليس فقط كما قبلت إيران فتح أبوابه أمام مفتشي الوكالة الدولية للطاقة النووية بموجب الاتفاق الذي تم بين مديرها والسلطات الإيرانية أمس، بل «اتخاذ الإجراءات «اللازمة» حتى لا يتم تشغيله كما كان مقررا وكي لا يتمكن من إنتاج القنبلة، بحسب ما أعلنه الوزير الفرنسي أمس الذي لم يفصل ما تريده بلاده من ضمانات.

بيد أن مفاعل آراك ليس سوى غيض من فيض، إذ إن باريس تثير على الأقل نقطتين إضافيتين ترى أن ما تعرضه إيران بشأنهما غير كافٍ. وتتناول الأولى منهما مخزون إيران من اليورانيوم متوسط التخصيب بنسبة 20 في المائة. وتمتلك إيران منها 186 كلغ أنتجت في موقعي ناطانز وفوردو. والأخير مجهز بطاردات مركزية حديثة ومبرمج للتخصيب بنسبة 20 في المائة فقط، بينما ناطانز الأقدم ينتج كذلك اليورانيوم ضعيف التخصيب. وقال فابيوس إن «السؤال المطروح هو: ماذا سيفعل الإيرانيون بمخزون» اليورانيوم المخصب بنسبة 20% الذي يملكونه؟ وتابع: «إننا متفقون مع شركائنا لطلب تفكيك هذا المخزون ليعود إلى نسبة 5 في المائة». وردت طهران سلفا على هذه الحجة إذ بينت أن هذا المخزون يستخدم لإنتاج الوقود النووي لمفاعل طهران التجريبي للأغراض الطبية، مضيفة أنها «ترفض تماما» إخراج ما تمتلكه بحسب مقترحات سابقة للدول الست، طرحوا على إيران تخليها عن هذا المخزون مقابل تزويدها بقضبان الوقود النووي التي تحتاج إليها.

وتخفي هذه المسألة قضية أخرى أكثر خطورة، إذ ثمة أمران متعارف عليهما علميا: الأول أن الجهة التي تنجح في الوصول إلى التخصيب بنسبة 20 في المائة تكون قد اجتازت ثلثي المسافة للتخصيب بنسبة 90 في المائة، وبالتالي الاقتراب من الحافة النووية. والثاني أن امتلاك 240 كلغ من هذه المادة يكفي لصنع قنبلة واحدة. وسبق لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أن جعل من هذه النسبة «خطا أحمر»، حذر إيران من اجتيازه تحت طائلة تعرضها لضربة عسكرية. وتقول مصادر فرنسية معنية بالملف إن إيران التي تنتج نحو 15 كلغ من هذا اليورانيوم شهريا تحرص على البقاء بعيدا عن هذا السقف من خلال تحويل دوري لبعض كمياته لوقود نووي.

أما الأمر الثاني الذي تثيره فرنسا فهو موضوع التخصيب بكليته. وتؤكد باريس أن معاهدة منع انتشار السلاح النووي لا تعطي الدول الموقعة حق التخصيب، بل حق الاستفادة من الاستخدامات السلمية للطاقة النووية المدنية. بالمقابل، ترى إيران أن التخصيب حق نهائي لها بموجب المعاهدة نفسها، وهي لن تتخلى عنه كما أكد ذلك مجددا الرئيس حسن روحاني أمس. وتريد فرنسا أن تتخلى إيران نهائيا عن التخصيب «التزاما بمنطوق المعاهدة الدولية» أيا كان مستواه، بينما تعتبر باريس أن هناك «أطرافا» تتقبل احتفاظ إيران بحق التخصيب ولكن بنسبة ضعيفة.

ورغم هذه التمايزات يؤكد الوزير الفرنسي أن الدول الست «متفقة بالكامل» على ما يتعين القيام به ومطالبة إيران بقبوله. وبأي حال، ترى باريس أن الاتفاق «قريب» والمرجح أن يتم التوصل إليه خلال الدورة القادمة من المحادثات بعد التقدم الكبير الذي تحقق في جنيف.

وبأي حال، تمتلك باريس ورقة تستطيع استخدامها في حال وجدت أن الاتفاق لا يرضيها تماما، إذ إن رفع العقوبات الاقتصادية والمالية الأوروبية أو بعضها عن إيران يجب أن يتم بالإجماع وبالتالي تستطيع فرنسا تعطيل الجزء المتعلق منه بالاتحاد الأوروبي عندما يأتي وقت التصويت على رفع العقوبات.

وفي أي حال، ومهما تكن الدوافع والأسباب، فإن الدبلوماسية الفرنسية يمكن أن تقول إنها نجحت في دفع الدول الست إلى الحصول على ضمانات إضافية من الجانب الإيراني في ما خص اتفاق المرحلة الانتقالية التي ستمتد إلى ستة أشهر، والتأكيد أن التشدد مع إيران هو الذي دفعها لتغيير مواقفها والسعي إلى اتفاق لرفع العقوبات التي تخنق اقتصادها.