شاشة الناقد

«نبراسكا»: الحلم الأميركي بين جيلين

بروس ديرن وول فورت في «نبراسكا»
TT

إخراج: ألكسندر باين.

أدوار أولى: بروس ديرن، ول فورد، ستايسي كيتش.

النوع: دراما اجتماعية (الولايات المتحدة 2013).

تقييم: (3*)(من خمسة).

الشعور بأن العالم «بات يعرفني الآن» قد يكون صعبا إذا ما كان صاحبه أمضى في السينما دهرا ولم ينجز أكثر من شهرة موضعية أو خاصة. الممثل بروس ديرن لديه 145 عملا مصورا بينها 84 فيلما سينمائيا (وثلاثة أخرى على الطريق) منذ عام 1960. عمره 77 سنة ولم يلعب خلال رحلته سوى حفنة من الأدوار الأولى بينها فيلم ألفرد هيتشكوك الأخير «حبكة عائلية» (1987). الآن هو البطل شبه المنفرد في «نبراسكا»، بل والشخصية المحورية فيه.. السبب؟ اسمه ألكسندر باين! باين يقدم في فيلمه الجديد، بعد «الأحفاد» مع جورج كلوني و«حول شميد» مع جاك نيكولسون وكذلك «طرق جانبية» مع بول جياماتي وتوماس هايدن تشيرتش، حكاية رجل عجوز اسمه وودي (ديرن) يعتقد أنه ربح «اللوتو» لأنه تسلم إشعارا بالبريد بذلك. ما تسلمه هي مجرد رسالة مصورة توهمه بأنه من الممكن له أن يربح مليونا إذا ما اشترك في المسابقة.. مثله في ذلك مثل ملايين الناس التي تتسلم مثل تلك الرسائل في مسابقات وهمية تخبر أصحابها بأنهم باتوا قاب قوسين أو أدنى من ربح المليون أو أكثر. هذا الاعتقاد يدفع وودي، الذي يعيش في بلدة ريفية اسمها بيلينغز، في ولاية مونتانا، لمحاولة الوصول إلى بلدة اسمها لينكولن تقع في ولاية نبراسكا. لا يستطيع القيادة، فيقرر المرة تلو المرة الوصول إلى هناك ولو مشيا. في النهاية، ها هو ابنه ديفيد (ول فورت) يقتنع بأن أفضل وسيلة لكي يكتشف والده أنه لم يفز بأي جائزة هو أن يصحبه هو إلى هناك بسيارته. من هنا، الفيلم مشوار طريق يمر بعدد من أطراف الأهل والمناسبات الاجتماعية والحلول ضيفين في منازل عائلية أخرى. لكن الجميع - باستثناء ديفيد - بات يعتقد أن وودي على حق وأنه ربح المليون، وما قيام ديفيد بقيادة أبيه إلى هناك إلا لكي يقبض لأبيه المبلغ. تتكاثر الشكاوى والرغبات ومحاولات تحصيل جزء من المبلغ. في النهاية، ها هما يصلان إلى لينكولن ويعلم الابن ما كان يدركه منذ البداية، ولو أن الأب يبدو كما لو أن الحقيقة بالنسبة له بالون يعيش فيه ولا يدري كيف يعيش خارجه.

هذه أميركا الوسط.. الفيلم بالأبيض والأسود، والكاميرا الذكية بيد فيدون بابامايكل تعرف كيف تحافظ على جمالها من دون ألوان. لكنه جمال يُراد له أن يبدو بلا روح.. هضاب وسهول موحية، لكنها خالية من الحياة. شخصيات طيبة (في الغالب)، لكن مضحوك عليها.. حلم أميركي يدرك جيل اليوم أنه وهم، ولا يزال الكبار سنا يؤمنون به.

يؤلف المخرج من كل هذا كوميديا سوداء.. لكن باين لطيف في سخريته ونقده للمجتمع والبيئة.. يوحي لك أنه يتداول الغياب القهري للحياة الأميركية الهانئة.. فجأة الشخصيات في غالبها مهووسة بالشكوى والكراهية والغيرة والطمع.. إلى حد ما، هذا ما تناوله المخرج في فيلمه (الملون) السابق «الأحفاد» لأن ذلك أيضا هو عن مواجهة رجل واحد لأطماع موزعة بين عدد من أفراد العائلة تطلب منه أن يبيع فردوسا ساحليا ورثه لكي يتمتعوا بماله.

«نبراسكا» جيد بحدود. الحكاية، البسيطة في تكوينها ونتائجها، تحتاج إلى حرارة إضافية.. إلى عاطفة وقدر إضافي من وجهة النظر. هناك فيلمان يذكرنا بهما «نبراسكا» هما: «آخر عرض سينمائي» لبيتر بوغدانوفيتش (1970 حول بلدة صغيرة تموت) و«حكاية سترايت» لديفيد لينش (1999 عن عجوز يقطع رحلة طويلة على جرار للوصول إلى شقيقه المريض).. كلاهما تعامل مع موضوعه بقلب ينبض قليلا أكثر.