المشهد

بلا طموح

TT

الذين قرأوا رواية إ. ل. جاي «50 درجة من غراي» (بمعناها المزدوج ف Greyرمادي لكنه أيضا اسم بطل الرواية) وسمعوا عن قرب انتقالها إلى فيلم سينمائي تعاقب على احتمالات بطولته أكثر من ممثل، عليهم الانتظار لما بعد العام المقبل قبل أن يشاهدوا الفيلم. «يونيفرسال»، الاستوديو المنتج، قرر تأجيل التصوير من دون أي تبرير واضح. بذلك تأجل عرض الفيلم إلى الشهر الثاني من عام 2015.

الدور الأول، كريستيان غراي، استقر على الممثل غير المعروف جامي دورمان، لكن عددا كبيرا من الممثلين الأكثر شهرة سبق لهم أن رُشحوا للدور.. بعضهم قبل به، والبعض الآخر كان لا يزال مترددا عندما سمع أن ممثلا آخر قبل به. من بين هؤلاء رايان غوزلينغ وكريس إيفانز وكريس همسوورث وآرني هامر. لكن النصيحة التي أسداها البعض للفيلم هي أن يجري إسناده إلى شاب جديد غير معروف، فكان أن أسند إلى البريطاني جامي دورمان الذي لديه أربعة أعمال تلفزيونية من قبل وفيلمان سينمائيان.

قد يأتي الفيلم بمستويات مختلفة.. ربما يكون أفضل من الكتاب، الكامن في حقيبة سفري ينتظر بعض الوقت لقراءته، أو مثله، أو أسوأ منه.. لكنه سيكون ساخنا مثله؛ فهو عن العلاقات الجنسية لبطلة تصورها الكاتب جيمس ووضعها في ثلاثية باعت 70 مليون نسخة. الآن، بصرف النظر عن فحوى الكتاب، وبصرف النظر عما هو مأمول من الفيلم تحقيقه، فإن هناك طموحا لا يمكن إغفاله.

الطموح الذي يدفع كاتبا لإنجاز عمل يريده أعلى مبيعا من كتب سواه.. الطموح لممثل غير معروف للظهور في البطولة، وطموح مؤسسة هوليوودية لتحقيقه وجني الأرباح منه.. هو الطموح ذاته الذي دفع توم هانكس لتمثيل «الكابتن فيليبس»، والطموح نفسه الذي واكب مسيرة كبار فناني السينما من غريفيث وحتى مايكل هنيكه وما بعد.. طموح يوسف شاهين ومارون بغدادي وكمال الشيخ وصلاح أبو سيف والناصر خمير ومحمد خان ونادين لبكي وسواهم.

وهو الطموح ذاته الذي لا وجود له بين معظم من يعمل في السينما العربية اليوم.. ما يحرك غالبية الذين يحققون الأفلام هذه الأيام هو الرغبة في إنجاز عمل، وليس الطموح لتطويره أو بلورته حتى يأتي هذا العمل جيدا على نحو قد يحقق للمخرج مكانة ما. السؤال تحديدا هو: إذا لم يكن المخرج لديه طموح أن يصبح مخرجا من مستوى مارتن سكورسيزي أو ستانلي كوبريك أو صلاح أبو سيف أو مايكل أنجلو أنطونيوني أو المئات سواهم، فلم يكترث لأن يصبح مخرجا؟

المشكلة ابتداء هي أن المخرجين الحاليين يعرقلون طموحاتهم بالتحول إلى حالة نرجسية تقوم على تحقيق فيلم والاشتراك به في مهرجان ما ورفع لقب مخرج والتوقف عند هذا الحد حتى ولو أعاد الكرة بأفلام أخرى. ولا يمكن له أن «يفهم عليك» إذا انتقدته، لأنه يعتقد بالفعل أنه مخرج (أو كاتب أو ممثل أو منتج) كبير، وهو معجب متيم بعمله ولا تستطيع أن تقترب منه.