اتفاق إيران النووي يخفض أسعار النفط.. لكنه لن يغير معادلة السوق

مختصون: الطلب العالمي سيحافظ على مستوياته بسبب الإقبال الأوروبي

TT

في الوقت الذي حققت فيه أسعار النفط خلال تعاملاتها أمس تراجعات ملحوظة بلغت نحو دولارين للبرميل، بسبب توصل إيران إلى اتفاق مع القوى العالمية بشأن ملفها «النووي»؛ أكد مختصون نفطيون لـ«الشرق الأوسط»، أمس، أن تراجعات يوم أمس لا تعكس على الإطلاق واقع سوق النفط العالمية على المدى البعيد.

وأوضحت مصادر نفطية مطلعة لـ«الشرق الأوسط» أن دول «أوبك» لن تتخذ أي إجراء بخصوص سوق النفط العالمية، سوى في حالة تراجع الأسعار لمناطق أبعد مما هي عليه الآن، وذلك في الوقت الذي كانت فيه العقوبات الصارمة على إيران في العامين الأخيرين قد قلّصت صادرات البلد عضو منظمة «أوبك» أكثر من النصف، مما أضاع إيرادات شهرية بمليارات الدولارات على «طهران»، بينما ظل «برنت» فوق 100 دولار للبرميل.

وبحسب مختصين تحدثوا لـ«الشرق الأوسط»، فإن الدول المنتجة للنفط الخام لن يضرها تراجع الأسعار دون مستويات 100 دولار، وقالوا «بقاء الأسعار فوق الـ80 دولارا يعتبر أمرا جيدا بالنسبة للدول المنتجة للنفط الخام، إلا أن انخفاض الأسعار تحت سعر الـ100 دولار سيضر وبشكل كبير الدول المنتجة للنفط الصخري».\ وعلى الرغم من التطورات الحالية في أسواق النفط من حيث الأسعار، فإن الطلب الحالي من المتوقع أن يشهد استقرارا في ظل ارتفاع الطلب الأوروبي بسبب قرب موسم الشتاء، وهو الأمر الذي قد يغطي فجوة حجم الطلب، في حال انخفاض الطلب من قبل بعض الدول العالمية الأخرى المستوردة. وتعتبر إيران «عضو منظمة أوبك» من أهم الدول المنتجة للنفط الخام في العالم، إلا أن العقوبات الاقتصادية التي فرضت عليها بسبب ملفها النووي أسهمت في خفض حجم التصدير النفطي للخارج، وهو الأمر الذي أسهم في بقاء أسعار النفط العالمية فوق مستويات 100 دولار خلال الفترة الماضية.

وفي هذا الخصوص، أكد عقيل العنزي، وهو خبير في الشؤون النفطية، أن الدول المنتجة للنفط الخام لن تتأثر من تغيّرات الأسعار الحالية، وقال «التغيّرات الحالية محدودة جدا ووقتية، وهو أمر لن يؤثر على الدول المنتجة للنفط الخام التي تعتبر الـ80 دولارا سعرا عادلا للبرميل الواحد، لكن هذا الأمر لن ينطبق على الدول المنتجة للنفط الصخري». وأوضح العنزي، خلال حديثه لـ«الشرق الأوسط»، أمس، أن انخفاض أسعار النفط دون الـ100 دولار سيعرّض الدول المنتجة للنفط الصخري لمشاكل كبرى، مشيرا إلى أن ارتفاع حجم تكلفة إنتاج النفط الصخري يجعله أكثر تأثرا بانخفاض أسعار البترول لما دون مناطقه الحالية. واستبعد العنزي أن تعمد الصين إلى خفض الطلب خلال الفترة الحالية، وقال «خفض الطلب سيقود إلى ارتفاع الأسعار، والصين لن تقدم على هذه الخطوة، كما أن الطلب الأوروبي سيرتفع على النفط خلال الفترة المقبلة بسبب الاستعداد لموسم الشتاء، وهو الأمر الذي سيسد فجوة انخفاض حجم الطلب العالمي إن حدث ذلك». من جهة أخرى، شهد خام «برنت» تراجعا ملحوظا، أمس الاثنين، مع انحسار المخاوف بشأن المعروض النفطي بعد التوصل إلى اتفاق بين القوى العالمية وإيران مطلع الأسبوع الحالي، ويوقف الاتفاق الأنشطة الحساسة في برنامج إيران النووي ويعلق العقوبات المفروضة من جانب الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي على عدة قطاعات للاقتصاد الإيراني، وذلك لفترة ستة أشهر كخطوة أولى. وفي السياق ذاته، أكد خبراء بترول رفيعو المستوى لـ«الشرق الأوسط»، أمس، عقب الاتفاق المبرم بين الدول الغربية وإيران لاحتواء البرنامج النووي لطهران؛ أن هذا الاتفاق لن يؤثر على أسعار البترول من ناحية، والعرض والطلب من ناحية أخرى، على المدى القريب. وقالت المصادر ذاتها «إيران لن يسمح لها بالتصدير سوى عقب 6 أشهر وبعد مراجعة بنود الاتفاقية ومدى التزام طهران بها»، مضيفة «كما أنه في حال بدء إيران في التصدير عقب ذلك، فإنه لن يكون سوى بشكل تدريجي».

فيما تابعت أسواق النفط منذ أيام باهتمام كبير المفاوضات بجنيف والتي انتهت بعد خمسة أيام من المفاوضات الشاقة بإعلان إيران والقوى الكبرى اتفاقا توافق فيه «طهران» على الحد من برنامجها النووي مقابل تخفيف العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها، بحيث يمهد الاتفاق لمرحلة جديدة من المفاوضات. وتأتي هذه التطورات في الوقت الذي بدأت فيه دولتا «الصين» و«الهند» في تسريع وتيرة استراتيجيات ملء الخزين، وسط توقعات بأن يبلغ حجم المخزون الصيني مع نهاية العام الحالي نحو 150 مليون برميل، وذلك في الوقت الذي تمتلك فيه الهند خلال الفترة الحالية نحو 50 مليون برميل نفط من الخزين.

وأشار مختصون خلال حديثهم لـ«الشرق الأوسط» قبل شهر من الآن إلى أن حجم فائض المعروض في سوق النفط العالمية خلال الأيام الحالية يصل إلى 900 ألف برميل يوميا، وقالوا «هذا الفائض تقوم بعض الدول الكبرى بشرائه ووضعه في خزينها الاستراتيجي من النفط، ويأتي في مقدمة هذه الدول كل من الصين والهند».

وتعليقا على هذه التحركات، أكد الدكتور نعمت أبو الصوف، الخبير في شؤون الطاقة، لـ «الشرق الأوسط»؛ أن استراتيجيات ملء الخزين يتم الاعتماد عليها من قبل بعض الدول العالمية التي لديها استهلاك عالٍ، بغض النظر عن حجم الأسعار، وقال «استراتيجيات ملء الخزين الهدف منها مواجهة تقلبات الأسواق، أو شح المعروض، في ظل الاستهلاك العالي الذي يسيطر على بعض هذه الدول». وأوضح أن حجم الخزن الاستراتيجي الحالي للهند يبلغ نحو 50 مليون برميل، متوقعا في الوقت ذاته أن يبلغ حجم الخزن الاستراتيجي لدى الصين نحو 150 مليون برميل مع نهاية العام الحالي، مضيفا «الصين تنتج نحو 4 ملايين برميل يوميا من النفط، إلا أنها في الوقت ذاته تستهلك نحو 10 ملايين برميل يوميا، وهي بالتالي تحتاج للتحوط من أي انقطاع قد يحدث أو نقص في المعروض». وحول الاستهلاك والإنتاج السعودي، قال أبو الصوف حينها «بدأت السعودية في اتخاذ خطوات فعلية نحو تقليل استهلاك الطاقة المحلي، من خلال الاعتماد على الغاز، وهي خطوة ذكية تستهدف تقليل استهلاك الطاقة، حيث يراوح حجم الاستهلاك الحالي بين 2.8 و3 ملايين برميل»، مشيرا إلى أن برامج تقليل استهلاك الطاقة التي بدأت السعودية بالعمل عليها من الممكن أن تظهر نتائجها خلال عامين. بينما قال الدكتور عبد الوهاب السعدون، الأمين العام للاتحاد الخليجي لإنتاج البتروكيماويات، في وقت سابق، إن «النمو الاقتصادي لبعض الدول يلعب دورا مهما في حجم الطلب العالمي على النفط، وهو ما يحدث مع الصين التي تعد أكبر الأسواق العالمية من حيث الطلب على النفط، وهو الطلب الذي يركز بشكل كبير على النفط السعودي بشكل خاص، والخليجي بشكل عام».