اشتباكات عنيفة على امتداد مصر بين الأمن وأنصار الإخوان في معركة «كسر الإرادة»

الحكومة تتمسك بقانون التظاهر.. والمسيرات تصل لمنزل قاضي فتيات الجماعة

أحد أنصار الرئيس المصري المعزول مرسي يفر من دخان قنابل الغاز المسيل للدموع في منطقة الطالبية بالجيزة أمس (رويترز)
TT

في أول اختبار لقانون التظاهر يوم الجمعة الذي يشهد منذ شهور مظاهرات تنظمها جماعة الإخوان المسلمين للاحتجاج على عزل الرئيس المصري السابق محمد مرسي، خاضت قوات الأمن ما يشبه حرب شوارع في عدة مدن لتفريق الفعاليات الإخوانية، في ما بدا معركة عض الأصابع لـ«كسر الإرادة»، وهو ما اعتبره البعض دليلا على قدرة السلطات على إنفاذ القانون، بينما عده آخرون دليلا على اتساع رقعة الاحتجاجات.

وأصدر الرئيس المؤقت عدلي منصور قبل أيام قانونا جديدا ينظم الحق في التظاهر، رأى فيه فرقاء المشهد السياسي في البلاد مؤشرا على تراجع للحريات المكتسبة بعد ثورتي 25 يناير (كانون الثاني)، و30 يونيو (حزيران)، اللتين أطاحتا بالرئيسين حسني مبارك في 2011، ومرسي المنتمي لجماعة الإخوان في 2013.

وتظاهر الآلاف من أنصار جماعة الإخوان في عدة محافظات أمس (الجمعة)، في سيناريو يتكرر منذ عزل مرسي في يوليو (تموز) الماضي، لكن السلطات التي ترغب في تأكيد قدرتها على ضبط الأوضاع الأمنية باتت مضطرة لتفريق تلك المظاهرات التي لم يلتزم الداعون لها بالإجراءات المنصوص عليها في القانون الجديد.

ودعت جماعة الإخوان وتحالف إسلامي مؤيد لها إلى التظاهر تحديا لقانون التظاهر الجديد، تحت شعار «القصاص قادم»، وللتنديد أيضا بحبس 11 فتاة من المنتميات لجماعة الإخوان في الإسكندرية، لإدانتهن في اتهامات منها «التجمهر والاعتداء على الممتلكات وتعطيل حركة السير»، وإحياء لذكرى مرور 100 يوم على مقتل 36 مسجونا بعربة ترحيلات كانت متوجهة لسجن أبو زعبل.

ولا يسمح القانون الجديد بالتظاهر قبل إخطار وزارة الداخلية بمكان وموعد الفعالية الاحتجاجية، ويبيح للسلطات المعنية الاعتراض على مكان أو موعد الفعالية الاحتجاجية.

وفي وقت مبكر من يوم أمس، أكد مجلس الوزراء في بيان له على موقع التواصل الاجتماعي «فيس بوك» على تمسكه بتطبيق قانون تنظيم الحق في التظاهر بكل حسم وقوة، مشددا على الدعم الكامل لجهاز الشرطة ولتضحيات رجاله من أجل استقرار مصر وأمن شعبها، واحترامه لحرية الرأي والتعبير في إطار من التنظيم حتى لا تتحول الحرية إلى فوضى تعصف بكل إنجازات يمكن أن تقدم للمواطن وتزيد من معاناته.

وبدا خلال الأسابيع الماضية أن المصريين باتوا نافدي الصبر تجاه التحركات الإخوانية في الشارع، لكن الأحكام المشددة بحق الناشطات الإخوانيات ربما أسهمت إلى حد ما - بحسب مراقبين - في تراجع ظاهرة الاشتباكات بين مؤيدي الجماعة ومعارضيهم. وبينما يؤيد كثير من المصريين الجيش وخريطة المستقبل التي وضعت بالتوافق مع قوى سياسية ورموز دينية في يوليو الماضي، فإن غير الإسلاميين أصبحوا أكثر انتقادا للحكومة المدعومة من الجيش، مما يشير إلى أن السلطات في حاجة لأن تسير بحذر أكبر.

وحذر مجلس الوزراء في بيانه أمس من وصفهم بـ«أبناء القوى الوطنية والثورية» من الوقوع في براثن مخططات قوى الإرهاب والتخلف التي تستهدف الجميع دون استثناء، وناشد المجلس المصريين جميعا أن يدركوا أن هذا الوطن ملك للجميع، وأن المحافظة عليه حرا وقويا ومستقلا ليست مسؤولية الحكومة وحدها بل مسؤولية الجميع أيضا.

وبدت العاصمة المصرية أمس ساحة لحرب شوارع، حيث اشتبكت قوات الشرطة مع المتظاهرين المنتمين إلى جماعة الإخوان في عدة أحياء، على رأسها محيط قصر القبة (شرق القاهرة) أحد القصور الرئاسية، حيث استخدمت قوات الأمن المياه وقنابل الغاز المسيل للدموع لفض مظاهرة لأنصار الجماعة.

وشهدت ضاحية المعادي (جنوب القاهرة) اشتباكات أيضا بين قوات الأمن والمتظاهرين على خلاف الأسابيع الماضية، حيث تميزت تلك المنطقة باشتباك الأهالي مع المتظاهرين.

وتكررت المشاهد في محافظة الجيزة في حيي الهرم والمهندسين (جنوب القاهرة)، حيث طاردت قوات الأمن المتظاهرين في الشوارع الجانبية مستخدمة قنابل الغاز المسيل للدموع والطلقات التحذيرية، والخرطوش. وقطع أنصار الجماعة عدة شوارع بإشعال الإطارات. وقطع المتظاهرون طريق الهرم الذي يفضي إلى منطقة الأهرامات بعد مواجهة قوات الشرطة للمسيرة التي جابت شوارع جانبية في الحي، وحاول المتظاهرون الاعتداء على سيارة مطافئ تستخدم لتفريقهم بالمياه.

وفي الإسكندرية، تظاهر العشرات من أنصار جماعة الإخوان أمام منزل المستشار أحمد عبد النبي رئيس محكمة جنح سيدي جابر بالإسكندرية، بمنطقة الشاطبي غرب الإسكندرية. وعبد النبي هو القاضي الذي أصدر حكما بالحبس لمدة 11 سنة في قضية فتيات الإخوان. وردد المتظاهرون هتافات منددة بالحكم، ومناهضة للجيش والشرطة والقضاء. وأنهى المتظاهرون فعالياتهم بمجرد وصول قوات الأمن للمنطقة، وتداول أعضاء جماعة الإخوان عنوان القاضي على مواقع التواصل الاجتماعي، ودعوا لتجديد التظاهر أمام منزله اليوم (السبت).

كما شهدت المحافظة الساحلية عدة اشتباكات أخرى بين أنصار الإخوان وقوات الشرطة التي فرقت ثلاث مسيرات لأنصار الجماعة باستخدام القنابل المسيلة للدموع وطلقات الخرطوش، وسط حالة من الكر والفر.

وامتدت الاشتباكات بين أنصار الإخوان وقوات الشرطة إلى محافظات دمياط (شمال القاهرة)، والبحيرة (شمال غربي القاهرة)، والمنوفية والمحلة (وسط الدلتا)، والسويس (شرق القاهرة). وفي صعيد البلاد شهدت محافظات بني سويف والمنيا وأسيوط اشتباكات أيضا.

وظلت عدة أحياء وقرى في العاصمة ومحافظات أخرى بمنأى عن ملاحقات الشرطة، واتسمت تلك المسيرات التي ضمت المئات بالسلمية، ورفع المشاركون فيها أعلاما تحمل إشارة رابعة العدوية (كف سوداء طويت إبهامها على خلفية صفراء)، وهو الميدان الذي تم فض اعتصام لأنصار مرسي فيه خلف مئات القتلى.

وعلى صعيد متصل، أمرت السلطات القضائية بحبس الناشط السياسي علاء عبد الفتاح 4 أيام على ذمة التحقيق، لاتهامه بخرق قانون التظاهر وإثارة الشغب وقطع الطريق والتجمهر والدعوة إلى مظاهرة دون إخطار قسم شرطة قصر النيل أو الحصول على موافقة وزارة الداخلية.

وكانت السلطات قد فضت الثلاثاء الماضي مظاهرة لنشطاء محتجين على قانون التظاهر، والتنديد بمادة في مشروع دستور جديد يبيح محاكمة المدنيين أمام المحاكم العسكرية.