أردوغان يقف على أرضية مهزوزة مع اقتراب موعد الانتخابات البلدية التركية

أكبر حركة دينية تتجه لسحب دعمها عنه.. والليبراليون محبطون من نهجه

TT

بعد هيمنته على السياسة التركية لسنوات، يدخل رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان موسم الانتخابات وهو يقف على أرض مهزوزة، من دون تأييد الجماعات الرئيسة التي ساندته وساعدت على تحقيق انتصاراته الانتخابية السابقة، فضلا عن مواجهته للانقسامات داخل حزبه.

ويواجه أردوغان، الذي يتهمه النقاد بأنه يمثل النموذج الأوتوقراطي بشكل متزايد، الانتخابات البلدية في شهر مارس (آذار)، التي تعتبر بمثابة تصويت للثقة في حكومته الإسلامية بشكل كبير. وحسب تقرير لوكالة «أسوشييتد برس» فإنه، في المقابل، يمكن أن يؤدي تحقيق نتيجة متواضعة في تلك الانتخابات إلى إضعاف موقف أردوغان، لا سيما أنه يسعى للانتقال إلى الرئاسة في انتخابات شهر أغسطس (آب) في حين عليه أن يقنع حزبه باختيار خلف له في منصب رئيس الوزراء في الانتخابات البرلمانية التي ستُجرى العام المقبل.

ويمكن أن يتسبب حدوث انتكاسة كبيرة لأردوغان في إنهاء تفوقه في السياسة التركية الذي استمر لفترة طويلة.

تعتبر تركيا الحليف الرئيس للولايات المتحدة الأميركية وحلف الناتو، بالإضافة إلى تمتعها باقتصاد مزدهر وديمقراطية مستقرة. وفي ظل قيادة أردوغان، سعت الدولة نحو الشرق بصورة متزايدة لإقامة علاقات جديدة في منطقة الشرق الأوسط وآسيا مما ألقى بظلال الشك على هدفها القائم منذ فترة طويلة المتمثل بالانضمام إلى الاتحاد الأوروبي.

لقد سيطر حزب العدالة والتنمية الذي يترأسه أردوغان على البرلمان طوال العقد الماضي واستمر في الحفاظ على دعم القاعدة الدينية والمحافظة له. ويمكن أن تتراجع أغلبية الحزب في الانتخابات أمام بروز الليبراليين وتحول حلفاء الحزب السابقين عنه.

لقد دخل أردوغان في خلاف مع إحدى الحركات الإسلامية المعتدلة التي يقودها رجل الدين فتح الله كولن، الذي يتخذ من الولايات المتحدة الأميركية مقرا له ويعتقد أن له ملايين الأنصار في تركيا وسبق أن دعم حزب أردوغان منذ تأسيسه عام 2001.

علاوة على ذلك، خسر رئيس الوزراء، الذي تولى مقاليد منصبه في عام 2003. تأييد الكثير من الليبراليين، الذين كانوا يعتبرونه في وقت من الأوقات على أنه قائد إصلاحي من شأنه أن يسرع قبول تركيا في الاتحاد الأوروبي. وبالإضافة إلى ذلك، تأثرت صورة أردوغان الدولية عقب الحملة العنيفة التي شنتها الشرطة ضد المتظاهرين في شهري مايو (أيار) ويونيو (حزيران) الماضيين بسبب خطط الحكومة للبناء في متنزه وسط إسطنبول.

وفي نفس السياق، فإن ما يزيد من محنة أردوغان الانقسامات التي ظهرت داخل حزب العدالة والتنمية. فخلال ظهوره على شاشة التلفزيون الرسمي، الشهر الماضي، أعرب نائب رئيس الوزراء بولنت ارينج، الذي أسس حزب العدالة والتنمية مع أردوغان، عن تذمره بشأن معاملة أردوغان له وأعلن أنه لن يترشح لهذا المنصب مرة أخرى. فضلا عن ذلك، استقال مشرع آخر من الحزب بدلا من التعرض للطرد من منصبه بسبب تمرده، وذلك بعد أن انتقد أردوغان على موقع التواصل الاجتماعي «تويتر».

وفي سياق متصل، قال سينجز اكتار، البروفسور في العلوم السياسية لدى مركز إسطنبول للسياسة: «لقد خسر أردوغان تأييد أغلبية الدوائر الليبرالية منذ فترة طويلة، ونرى الآن أن الإسلام السياسي بدأ يشهد خلافات أيضا»، مضيفا أن «الانتخابات المحلية ستبعث برسالة واضحة إلى الحكومة».

لقد زاد التصدع المضطرب مع حركة كولن سوءا وبلغ ذروته مؤخرا بعد إعلان حكومة أردوغان عن خطط لإغلاق «المؤسسات التعليمية الخاصة» التي تعد طلاب المدارس الثانوية لامتحان القبول في الجامعات المنافسة الكبيرة في تركيا. ويصر أردوغان على أن هذا الإجراء هو جزء من الإصلاحات التعليمية التي تجريها الحكومة. ولكن بما أن نحو ربع عدد المدارس تُدار من قبل حركة كولن، يرى الكثيرون هذا القرار على أنه محاولة تجريد الجماعة من المصدر الرئيس لدخلها ونفوذها.

لقد بدأ تدهور تحالف حزب العدالة والتنمية - كولن بعد انتقاد الحركة للسياسة الخارجية للحكومة على مدار السنوات القليلة الماضية، بما في ذلك علاقاتها المتدهورة مع إسرائيل، وكذلك الموقف المتعنت لأردوغان تجاه المظاهرات المحلية.

ويقول المحللون بأن أردوغان سئم من نفوذ حركة كولن، التي يعتقد أتباعها أن لها تأثيرا قويا داخل جهاز الشرطة والسلطة القضائية لتركيا. ويسود الاعتقاد بأن مؤيدي كولن تسببوا في إثارة سلسلة من المحاكمات ضد القادة العسكريين للدولة وهو ما ساعد على فك قبضة الجنرالات على السلطة.

وفي حين يستبعد أن تدفع حركة كولن بمرشحيها في الانتخابات، فإن من المحتمل أن يتحول الكثير من أنصارها عن تأييد حزب العدالة والتنمية. ويقول مصطفى يسيل، رئيس جمعية الكتاب والصحافيين التي يمولها كولن: «لم تبلغ الحركة (أنصارها) لمن يصوتون»، مضيفا: «لكن من الممكن أن نشهد انفصالا وجدانيا (عن حزب العدالة والتنمية)».

وستكون إسطنبول اختبارا رئيسا لحزب العدالة والتنمية في الانتخابات البلدية المزمع إجراؤها في شهر مارس. ويبدو أن مؤيدي العلمانية - المعارضة الرئيسة المتمثلة في حزب الشعب الجمهوري - لديها مرشح قوي لرئاسة البلدية في أكبر مدن تركيا. وإذا خسر حزب العدالة والتنمية أصوات الناخبين في إسطنبول، فمن الممكن تقويض الموقف السياسي لأردوغان، بما أنه سيخوض الانتخابات الرئاسية، إذ إن اللوائح الداخلية للحزب تمنعه من تولي منصب رئيس الوزراء لفترة رابعة.