مجمعات تجارية ضاعفت إجراءاتها الاحترازية ورفعت موازناتها الأمنية

الخشية من الانتحاريين والسيارات المفخخة تقلق اللبنانيين عشية موسم الأعياد

الحركة في أحد المجمعات التجارية اللبنانية حيث يكثر إقبال الناس عليها في فترة الأعياد
TT

فاقمت التفجيرات الأخيرة التي شهدتها الساحة اللبنانية مخاوف اللبنانيين عشية موسم الأعياد، إذ اعتادوا في هذه الفترة على الخروج بشكل متكرر من منازلهم استعدادا للاحتفال بالأعياد، في حين تشهد الأسواق والمجمعات التجارية في فترات مماثلة من السنة زحمة خانقة وارتفاعا في نسبة المبيعات. لكن الوضع الأمني المتردي، خصوصا بعد الاعتداءات المتتالية على حواجز الجيش اللبناني في مناطق عدة من لبنان وتكرار التفجيرات ولد حالة من الرعب لدى الناس.

في صيدا، وبعد استهداف انتحاري لحاجز عسكري في مجدليون وقبلها أحداث محلة عبرا، يتردد أبو أحمد، رجل ستيني يسير متكئا على عصاه الخشبي، في التوجه إلى دكان النجارة الصغير الذي يملكه في السوق القديمة، بعد أن اعتاد على ممارسة عمله منذ أكثر من 15 سنة. يقول لـ«الشرق الأوسط» متنهدا: «الإرهاب لا دين له وقد تنفجر العبوات في أي لحظة ويموت اللبناني بلا سبب»، معربا عن اعتقاده أن «من ظن أن أحداث عبرا الأخيرة مرت على سلام يكون مخطئا لأنهم لا يعلمون أن رواسب الإرهاب لا تزال تتحكم بعقول بعض الأفراد». ويخشى أن «يهدد الفلتان الأمني الخطير الذي رأينا تداعياته تطال الجيش اللبناني اليوم حياة أهل مدينة صيدا». ويتابع أبو أحمد متسائلا: «من يدري كم من انتحاري جديد ولدت المعارك الأخيرة (في إشارة إلى المعركة بين الجيش اللبناني وأنصار السير مطلع الصيف في صيدا) ومن يدري كم من ضحية ستذهب نتيجة هذا الوضع»، عادا في الوقت ذاته أن «ما يعرفه عن كثب هو أن الدولة اللبنانية غائبة».

بدوره، يصف محمد وهو لبناني كان يقطن في منطقة الضاحية الجنوبية الوضع الأمني بعد التفجيرات المتكررة، بـ«المخيف». يقول لـ«الشرق الأوسط» إن «جميع الناس يعيشون حالة من الرعب والترقب خوفا من أي انفجار جديد قد ينهي حياتنا ونذهب ضحية عمل إرهابي»، مضيفا: «إننا عرضة للموت في أي لحظة ومن دون أي سابق إنذار، خصوصا أن الإرهابيين وكما بات واضحا لا يميزون بين إنسان وآخر وتزهق أرواحنا».

قرر محمد، بعد استهداف الضاحية مرارا، أن ينقل مكان إقامته إلى قريته في منطقة إقليم الخروب بحثا عن أمان أكبر. ويوضح في هذا الإطار: «بعد انفجار محلة الرويس والتهديدات الأمنية التي تستهدف أماكن وجود حزب الله، أصبحت أقصد منزل القرية بعد الانتهاء من عملي بشكل يومي وذلك للحفاظ على أمني وسلامتي». ويضيف ساخرا: «طبعا منزل الضيعة ليس بمنأى عن الوضع الأمني المتردي في البلد، ولا استطيع أن أصف شعوري عند توقفي على حاجز للجيش، إذ بت أشعر بالقلق خوفا من انفجار قد يوقف حياتي فجأة».

لا يختلف حال المواطن سامر عن محمد. هو رب عائلة صغيرة توفيت زوجته وتركت له طفلة صغيرة. يشكو لـ«الشرق الأوسط» معاناته اليومية: «تقلصت مشاويري بنسبة 90 في المائة ولا أخرج من المنزل إلا بهدف العمل وأقصد المحلات القريبة خوفا على حياة طفلتي». يخشى سامر على طفلته لانا وقرر بعد أن أضاع ابنته في أحد المجمعات التجارية لنصف ساعة ألا يقصدها مجددا. ويستهزئ برجال الأمن الخاصين على مداخل المجمعات والآلات البدائية التي يستخدمونها للكشف عن المتفجرات داخل السيارة. ويقول: «نمر من أمام الحراس من دون تفتيشنا وفي حال فتشنا، يكتفي الحارس بإلقاء نظرة سريعة على وجهي ثم يأذن لي بالمرور وكأنه غير مبال بحياتي وحياة من معي».

أما خليل، شاب عشريني متحمس، فيتعامل مع التفجيرات بروح مرحة ويقول إنه «لا يبالي بما قد يحدث له جراء أي عمل إرهابي قد يطاله». ويؤكد أنه ورغم التحذيرات الأمنية، لا يزال يعيش يومياته كالمعتاد، مضيفا: «لن أستسلم للإرهابيين الذين يريدون منا أن نرضخ لهم ولسياسات مشغليهم، طبعا لا أخفي خوفي على حياة أهلي وأقربائي إلا أنني وكلت أمري لربي، أخرج وأمارس حياتي بشكل طبيعي».

ويبدو أن ظاهرة السيارات المفخخة خلفت حالا من الخوف لدى مديري المراكز والمجمعات التجارية الكبرى، إذ عمدت عشية موسم الأعياد إلى تعزيز الإجراءات الأمنية على مداخلها وزيادة عدد حراس الأمن حول المباني.

على المدخل الرئيس لأحد المراكز التجارية الكبرى في بيروت، يعمل حارس الأمن على تمرير آلة عالية التقنية لمسح السيارة ومعرفة ما إذا كانت تحتوي على جسم غريب أو مواد متفجرة، بينما زميله يتولى فتح صندوق السيارة إذا لزم الأمر، علما بأن كاميرات مراقبة تحيط بجوانب المركز كافة لالتقاط أي حركة غير اعتيادية. وضاعفت بعض المجمعات التجارية من إجراءاتها الأمنية على غرار مجمع «ABC». وقال المسؤول الإداري فيه سابا مخلوف لـ«الشرق الأوسط» إن «الإدارة ضاعفت إجراءاتها الأمنية بسبب سلسلة التفجيرات والسيارات المفخخة التي أرعبت المواطن اللبناني»، مضيفا: «إننا رفعنا الميزانية المخصصة للقسم الأمني في المركز التجاري». ويتابع: «ضاعفنا عدد الحراس الأمنيين على المداخل الخمسة من 40 إلى 80 خلال كل مناوبة، واشترينا معدات متطورة لكشف المتفجرات في السيارات والآليات، يستخدم بعضها في مطار بيروت كتقنية الباب المغناطيسي الذي يمر من خلاله المواطن ويكشف عن وجود أي أجسام غريبة مشتبه بها بمتناول الزبون».

ويضيف مخلوف: «يهمنا أمان المواطن بالدرجة الأولى ونحن نعمل على توفير الراحة والحماية له، ولهذا السبب اتخذنا تدابير وقائية بوجه أي عمل إرهابي قد يحضر قبيل الأعياد فخصصنا دوريات يومية للتجول في محيط المركز ومراقبة الوضع وفي حال الاشتباه بأي سيارة سنتواصل مع الجهات الأمنية وسنعمل على احتواء الوضع بشكل فوري».