مواجهات عنيفة بين المحتجين وقوات الأمن التونسية في مدينة القصرين

المعارضة تتهم الحكومة بإرباك مؤسسات الدولة قبل مغادرة العريض الحكومة

عضو المكتب التنفيذي في حركة النهضة عامر العريض والنائبة اليسارية سلمى بكار أثناء جلسة للمجلس التأسيسي (البرلمان) في تونس أمس (أ.ف.ب)
TT

تحول الإضراب العام الذي شهدته أمس مدينة القصرين الواقعة وسط غرب تونس إلى مواجهات عنيفة بين المحتجين وقوات الأمن. وأسفرت التحركات المتتالية التي شبهتها المعارضة بـ«الانتفاضة الثانية»، عن اقتحام مقر الأمن الوطني بمدينة تالة وحرقه وإتلاف كافة محتوياته، كما أدت إلى حرق مقر مكتب حركة النهضة بالقصرين من قبل شبان أغلبهم على متن دراجات نارية. وتجمع منذ الصباح الباكر آلاف المحتجين بساحة الشهداء وسط المدينة ورفعوا شعارات تنادي بالتنمية والتشغيل.

وكانت مدينة القصرين قد انخرطت في تأجيج الثورة على النظام السابق مباشرة بعد الأحداث التي عرفتها مدينة سيدي بوزيد وأسفرت المواجهات مع «القناصة» عن مقتل 19 تونسيا خلال ثلاثة أيام بعد إعطاء الرئيس التونسي السابق زين العابدين بن علي أوامر باستعمال الذخيرة الحية. ولا تزال القصرين بعد ثلاث سنوات من نجاح الثورة مثل غيرها من المناطق الداخلية، في انتظار نصيبها من التنمية والتشغيل، ولم تتوقف منذ يومين حالة التوتر الاجتماعي والأمني الغير مسبوق.

وفي غضون ذلك, يواصل القضاة التونسيون اليوم إضرابا عاما عن العمل لليوم الثالث على التوالي دفاعا عن استقلالية السلطة القضائية عن الحكومة.

وكانت الشرارة الأولى للاحتجاجات قد اندلعت أول من أمس بعد تنظيم مسيرات حاشدة مطالبة بإلغاء ضرائب جديدة على أصحاب السيارات والشاحنات الفلاحية، من موازنة 2014. وعبرت بعض أحزاب المعارضة على غرار المسار الديمقراطي الاجتماعي وحركة نداء تونس والجبهة الشعبية عن مساندتها لتلك التحركات الاجتماعية.

وأدت الاحتجاجات وشل حركة المرور بالكثير من المدن التونسية إلى الضغط على الحكومة «الهشة» مما أدى إلى تراجعها عن الزيادة في الضرائب المفروضة على عربات وشاحنات العاملين في القطاع الفلاحي.

وكان نور الدين البحيري، الوزير لدى رئيس الحكومة، وهو قيادي في حركة النهضة قد أشرف على مجلس وزاري حضره إلياس الفخفاخ وزير المالية، وخليل الزاوية وزير الشؤون الاجتماعية، وانبثق عنه التراجع عن الزيادات في تلك الضرائب، بالإضافة إلى تشكيل لجنة لتعميق النظر في الضرائب المفروضة على مختلف الشرائح الاجتماعية خلال السنة الجديدة.

وعبرت حركة النهضة في بيان حمل توقيع رئيسها راشد الغنوشي عن تفهمها لأسباب احتجاجات القطاعات التي مستها موازنة 2014 خاصة أصحاب الشاحنات الخفيفة والفلاحين. ودعا الحكومة إلى مراجعة تلك الإجراءات بما يخفف الأعباء عن القطاعات المعنية بتلك الضريبة.

وحول موعد الإعلان عن حكومة المهدي جمعة، قال عبد الستار بن موسى رئيس الرابطة التونسية لحقوق الإنسان، أحد أعضاء رباعي الوساطة في الحوار الوطني لـ«الشرق الأوسط» إن حكومة جمعة ستكون جاهزة يوم السبت 11يناير (كانون الثاني) الحالي. وأشار إلى استعداد جمعة التخلي عن كافة وزراء حكومة العريض إلا وزير الداخلية لطفي بن جدو. وقال بن موسى إن جمعة لا ينوي تغيير وزير الداخلية لأسباب أمنية بالأساس ولدقة الظروف التي تمر بها البلاد على حد تعبيره.

وفي ظل الاحتقان الاجتماعي، اتهم محمود البارودي، القيادي في حزب التحالف الديمقراطي المعارض، حركة النهضة بمحاولة إرباك مؤسسات الدولة قبل مغادرة علي العريض الحكومة. وأشار إلى ضرب الاستقرار في كثير من المؤسسات انطلاقا من التلفزيون الرسمي، بقبول استقالة إيمان بحرون الرئيسة المديرة العامة، ومحاولة ضرب استقلالية القضاء من خلال تعطيل عمل الهيئة المؤقتة المشرفة على القضاء العدلي المنبثقة عن المجلس التأسيسي (البرلمان). وانتقد كذلك مشروع قانون وزارة الصحة الذي أقر إجبارية العمل في المناطق الداخلية على أطباء الاختصاص، وقال إنها «حملة انتخابية قبل الأوان» هذا بالإضافة إلى ضرب القدرة الشرائية من خلال فرض الضرائب المجحفة على الفلاحين وسائقي سيارات الأجرة والطبقة المتوسطة.

وبشأن المسار الانتخابي، توصل رؤساء الكتل النيابية إلى التوافق حول الأعضاء التسعة للهيئة العليا المستقلة للانتخابات وهم لمياء الزرقوني (قاضي عدلي)، ومراد بن مولى (قاضي إداري)، وشفيق صرصار (أستاذ جامعي)، ورياض بوحوشي مختص في السلامة المعلوماتية، وخمائل فنيش مختصة في الاتصال، وكمال التوجاني في سلك المحاماة إلى جانب كل من أنور بن حسن (خبير مالي)، وفوزية الدريسي (ممثلة التونسيين بالخارج).

ويعد هذا التوافق خطوة حاسمة في طريق تقديم العريض لاستقالة الحكومة وتكليف جمعة رسميا بتشكيل الحكومة الجديدة. وكان العريض قد صرح أن الحكومة ما زالت على عهدها بتقديم استقالتها حال الإعلان عن هيئة الانتخابات ورئيسها من قبل أعضاء المجلس الوطني التأسيسي.

في غضون ذلك, تمسك الباجي قائد السبسي رئيس حركة نداء تونس برحيل حكومة العريض اليوم (الخميس)، وقال أمس في اجتماع الحوار الوطني «لا يمكن لها البقاء أكثر».

وكان الرباعي الراعي للحوار الوطني قد حدد التاسع من الشهر الحالي موعدا لإعلان حكومة العريض استقالتها رسميا ليجري تكليف المرشح الجديد لرئاسة حكومة الكفاءات (جمعة) رسميا لتشكيلها.