مستقبل الطاقة في السعودية

افتتاحية الشرق الأوسط

TT

دشنت المملكة العربية السعودية، أكبر منتج للطاقة في العالم، مع بداية عام 2014. أولى خطواتها نحو سياسة طاقة استهلاكية متوازنة وأدنى تكلفة، وذلك بعدما نجحت على امتداد العقود الماضية في إدارة سياسة إنتاجية متوازنة، ما أتاح للمستهلكين الاستفادة من هذه السلعة الحيوية في إدارة اقتصاد عالمي مستقر.

إن دخول السعودية مرحلة الاكتفاء الذاتي في إنتاج وقود الديزل - وهو الوقود الأهم في تشغيل محطات الكهرباء وتحلية المياه في السعودية - ومن ثم، وقف استيراده لأول مرة في تاريخها قبل أيام، ليس مجرد سياسة اقتصادية تسعى من ورائها الرياض إلى تحقيق عوائد تجارية، بل هو تعبير عن رؤية انطلقت قبل سنوات ضمن الأهداف الاستراتيجية للمملكة. وهي تشمل التوسع في مجال تكرير المنتجات النفطية ومعالجتها وتسويقها بغية رفع إنتاجية الاقتصاد السعودي، وتحقيق المزيد من الرفاهية الاجتماعية للمواطنين، وتخفيف المخاطر المتعلقة بحجم الاستهلاك المحلي المتنامي لمشتقات النفط.

لقد أنفقت السعودية مليارات الدولارات على إنشاء مصافي تكرير مشتقات النفط خلال السنوات الست الماضية - مستفيدة من طفرة السيولة الناتجة عن عوائد بيع الخام. وبدأت هذه المشاريع تؤتي ثمارها مع دخول مصفاة الجبيل مرحلة الإنتاج، وهي مشروع مشترك سعودي - فرنسي، مع انتظار ثلاث مصاف جديدة من المقرر افتتاحها في 2015 - 2016. وهو ما يعني أن الخطة تتجاوز تعزيز القدرات السعودية في إنتاج الديزل، بل التمهيد لمرحلة التصدير من المصافي المشتركة، وهو ما من شأنه إحداث فارق، بل وتغيير، في المعادلة القائمة في أسواق مشتقّات النفط العالمية، على مستوى المعروض والأسعار.

أكثر من هذا، بالنسبة للمستقبل القريب ثمة مشاريع لإنشاء ثلاث مصافٍ لتكرير البترول في مدن جازان وينبع والجبيل، ستسهم في إضافة طاقة تكريرية بنحو 1.2 مليون برميل يوميا، أي 400 ألف برميل لكل محطة، لترتفع بذلك طاقة السعودية من التكرير إلى 3.6 مليون برميل يوميا، وهو ما يعني احتلال السعودية المرتبة الرابعة عالميا في تكرير البترول.

غير أن الاكتفاء السعودي من الديزل لم يتحقق ولن يتحقق من خلال المشاريع الحالية والجديدة للمصافي فحسب، بل هو أيضا نتيجة لبرامج ترشيد استهلاك الطاقة الجاري العمل عليها. وتشير التقديرات إلى أن الاستهلاك المحلي من الديزل، على سبيل المثال، تراجع من 3 ملايين برميل يوميا إلى 2.2 مليون برميل بنهاية 2013.

وأخيرا وليس آخرا، لا بد من القول إن الإنجاز السعودي بالتوقف عن استيراد أحد أهم مشتقات النفط في العالم جاء بهدوء، إذ لم تواكبه ضجة إعلامية أو اقتصادية. فالجهات المعنية بالأمر لم تعلن النبأ بشكل رسمي، وإنما أبلغت البائعين الآسيويين أنها ستتوقف عن الاستيراد في المرحلة الراهنة. وهذا، بالطبع، ينسجم مع السياسة السعودية المتبعة دوما في مجال التعامل مع أخبار الطاقة، القاضية بالمضي قدما ولكن بهدوء. وخير دليل على ذلك رد الفعل الهادئ على التقارير التي تحدثت عن أن السعودية ستخسر موقعها كأكبر منتج للنفط في العالم بسبب الوقود الأحفوري أو الصخري المكتشف حديثا في أميركا، أو بسبب تنامي الاستهلاك المحلي.