عندما يكون مدرب كرة القدم.. كاتبا روائيا

الإسباني بيبي ميل بدأ أول مباراة مع ناديه الإنجليزي بـ«فصل درامي»

بيبي ميل، المدرب الإسباني الجديد لنادي ويست بروميتش ألبيون، مصافحا اللاعب الفرنسي أنيلكا، أول من امس، في مباراة بروميتش مع إيفرتون (أ.ف.ب) و غلاف رواية «الكاذب»
TT

عبّر بيبي ميل، المدرب الإسباني الجديد لنادي ويست بروميتش ألبيون، الذي يلعب في الدوري الإنجليزي الممتاز لكرة القدم، عن أمله في كتابة فصول جديدة مليئة بالنهايات السعيدة، مع النادي الذي يعاني في المراتب المتأخرة القريبة من السقوط. المدرب الإسباني الذي أشرف، أول من أمس، على أول مباراة له مع النادي في الدوري، كان يتحدث كمدرب، وكذلك كروائي سبق أن أصدر بالإسبانية روايتين اعتبرتا مثيرتين، هما «الكذاب» و«الطريق إلى ما بعد الحياة».

بداية المدرب الروائي مع النادي لم تكن أقل إثارة. فقد أعلن موقع شركة «زوبلا» البريطانية، المتخصصة في الإعلانات العقارية على الإنترنت، والراعية لنادي ويست بروميتش، أول من أمس، قبل ساعات فقط من المباراة التي جمعت ويست بروميتش ألبيون بضيفه إيفرتون، إنهاء عقد المدرب مع النادي بنهاية الموسم الحالي، بسبب إشارة اعتبرت «معادية للسامية»، أداها مهاجم النادي الفرنسي المخضرم، نيكولا أنيلكا، خلال احتفال بتسجيل هدف في مرمى ويستهام، في المباراة التي جمعت الفريقين الشهر الماضي.

وتردد أن الشركة المملوكة لرجل الأعمال اليهودي، أليكس شيسترمان، طالبت النادي باستبعاد أنيلكا من مباراة الفريق المقررة أمام إيفرتون. لكن نادي ويست بروميتش، أخذ في الاعتبار، على ما يبدو، تأكيد أنيلكا رفضه الاتهامات الموجه إليه بالعنصرية ومعاداة السامية، وأنه لن يكرر الإشارة مرة أخرى، وأن إشارته المثيرة للجدل كانت ضد «مؤسسة الحكم» في فرنسا، ودعما لصديقه الشخصي الكوميدي الفرنسي المثير للجدل، ديودوني، الذي يعد مؤسس هذه الحركة الشهيرة باليد، التي يطلق عليها بالفرنسية «كينيل» (Quenelle)، أي فرد الذراع السفلى. وكانت مسرحية لديودوني في فرنسا منعت بدعوى عدائه للسامية والتحريض على الكراهية. وهي تهم ينفيها ديودوني، كما ينفي الاتهامات الموجهة إليه بأن حركة الـ«كينيل تشبه التحية النازية»، ويقول إنها مجرد حركة ضد نظام الحكم في فرنسا.

وعلى الرغم من قرار شركة «زوبلا»، والجدل الإعلامي، وحتى السياسي الكبير، والأخبار التي تحدثت عن إمكانية توجيه الاتحاد الإنجليزي لكرة القدم اتهامات لأنيلكا، بسبب إشارة اليد تلك، قد تؤدي إلى معاقبته بخمس مباريات على الأقل، قبل مباراة ويست بروميتش ألبيون مع ضيفه ايفرتون، فإن المدرب الإسباني قرر إشراك نيكولا أنيلكا في المباراة التي لم تقل إثارة هي الأخرى عن الأجواء الروائية للمدرب الكاتب نفسه، حيث كان ويست بروميتش ألبيون مهزوما بهدف مقابل صفر، حتى ربع الساعة الأخير من المباراة، قبل أن يعدل النتيجة وينهي المباراة بالتعادل بهدف لكل فريق.

وقد دافع بيبي ميل عن خيار إشراكه أنيلكا، في تصريحات صحافية له بالإنجليزية، أعقبت المباراة، وقال إن «أنيلكا لاعب صاحب أخلاق حسنة، ولاعب كبير، وله خبرة واسعة، ولا يمكنني أن أبعده عن المباراة». وبعد أقل من 24 ساعة من تصريح المدرب الإسباني، عرفت قضية أنيلكا تطورات. فقد وجه الاتحاد الإنجليزي لكرة القدم، كما توقعت الصحف البريطانية، اتهامات للاعب الفرنسي، الذي دخل الإسلام قبل سنوات، واختار اسم بلال، بسبب إشارة يده. وقال الاتحاد الإنجليزي في بيان له «ورد إلينا أنه في الدقيقة 40 من المباراة أصدر أنيلكا إشارة مسيئة بما يتعارض مع لوائح الاتحاد. كما أنها تعد خرقا بينا للوائح الاتحاد، لتضمنها مرجعا لأصل عرقي أو ديني، أو معتقدي». وأمام أنيلكا مهلة حتى غد الخميس للطعن في التهم الموجهة إليه، وفي حالة إدانته، فإنه سيواجه عقوبة الإيقاف لخمس مباريات على الأقل. وأمام هذه التطورات التي قد تأخذ أبعادا درامية أخرى، يجد المدرب والروائي الإسباني نفسه، أمام أجواء قد تشكل مادة مثيرة لروايته الثالثة المقبلة. وقد صرح للصحافة البريطانية بأنه يخطط لكتابتها في إنجلترا، خاصة أنه وقع عقدا بثمانية أشهر مع نادي ويست بروميتش. وعن سؤال حول ما إذا كانت رواياته لها نهايات سعيدة، أجاب بيبي ميل بأن ذلك مرتبط بأي تأويل يمكن إعطاؤه لها.

ويقول بيبي ميل، الذي كان مارس كرة القدم كمهاجم قبل أن يدخل عالم التدريب في إسبانيا، حيث برز بشكل خاص مع نادي رايو فاليكانو وبيتيس أشببيلة، إنه يكتب في أوقات فراغه، وإن «الكتابة تساعده على الراحة الذهنية، وعلى أن يكون إيجابيا»، وإنه يفضل الكتابة عن لعب الغولف أو شيء آخر.

ربما يكون بيبي ميل من النوادر والاستثناءات في عالم كرة القدم، بصفته مدربا، وفي الوقت نفسه كاتبا روائيا، إلا أن علاقة كرة القدم بالأدب والثقافة وحتى الفلسفة فيها الكثير من التشابك والتلاقي والمجاز. وهناك نماذج كثيرة لولع كتاب كبار بكرة القدم، سواء من حيث ممارستها أو الكتابة عنها. ولعل أبرز النماذج عربيًا مثلا، نجيب محفوظ، الروائي المصري الراحل، الحائز لجائزة نوبل للآداب، الذي مارس كرة القدم في شبابه. كذلك الكاتب الفرنسي، الجزائري المولد، الراحل، ألبير كامو، الحائز، هو الآخر، لجائزة نوبل للآداب، وكان كامو يلعب في شبابه كحارس مرمى في نادي بالجزائر، وقد كتب يقول «كل ما أعرفه عن الأخلاق وواجبات الإنسان أدين به لكرة القدم». وأعطى بعدا فلسفيا حتى لكرة القدم، عندما قال من منطلق خبرته كحارس مرمى، إن «الكرة لا تأتي مطلقا من الجهة التي تنتظرها». وكذلك يعطي الكاتب والفيلسوف الفرنسي الراحل، جان بول سارتر، الذي رفض جائزة نوبل، حين مُنحت له، بعدا فلسفيا لكرة القدم، عندما قال بأن «كرة القدم هي مجاز الحياة»، وإن «في كرة القدم كل شيء معقد بحضور الفريق المنافس».

ومن أبرز الكتاب العالميين الذين كانت مباراة كرة قدم مسرحًا لأحداث رواياتهم، الكاتب الجزائري رشيد بوجدرة، المولع، هو الآخر، بكرة القدم، وروايته «ضربة جزاء».

وفي المقابل، هناك كتاب عالميون كبار، مثل الإيطالي امبرتو ايكو، والبريطاني جورج أورويل، عبروا عن «مقتهم» لكرة القدم، واعتبروها «وسيلة لشن الحرب وسط صراخ الجماهير الغاضبة».