أفلام من صندانس:

TT

آخر أيام في فيتنام(*3) مهما يقوله تاريخ حدث ما، تجد، ولو بعد حين، مزيدا من التفاصيل التي تدرك حيالها أن الصورة لم تكن كاملة بعد، وأن ما تداوله الإعلام المختلف وما سطره المتابعون والمؤرخون ليس كل الحقيقة. هذا الفيلم الجديد عن حرب قديمة «آخر أيام في فيتنام» يرفع الغطاء المحكم عن الفصل الأخير من الوجود الأميركي في فيتنام الجنوبية. كان الجيش الشمالي استغل الوضع السياسي في البيت الأبيض سنة 1974 عندما استقال الرئيس نيكسون في أعقاب فضيحة ووترغيت، وأخذ يتقدم في الأراضي الجنوبية. الجيش الأميركي كان يحاول التمسك باليد الأعلى في تلك الحرب، لكن الغطاء السياسي لم يكن متوفرا. العالم كان يريد نهاية لتلك الحرب كذلك الكثير من الأميركيين. الرئيس جيرالد فورد طلب من الكونغرس الموافقة على ميزانية يمكن من خلالها استيعاب نحو 200 ألف فيتنامي جنوبي من المسؤولين الحكوميين أو من المتعاونين مع الجيش الأميركي أو ممن حاربوا لجانبه في أول إشارة لاستعداد الولايات المتحدة لا إجلاء هؤلاء الفيتناميين المذعورين، بل للموافقة على انسحاب أميركي شامل من تلك البلاد.

يدور الفيلم حول تلك الأيام الأخيرة العصيبة عندما سادت الفوضى عمليات الانسحاب، وكيف تركت القوات الأميركية، غالبا بسبب امتناع السفير الأميركي في فيتنام الجنوبية غراهام مارتن، عشرات ألوف الفيتناميين تحت رحمة الشماليين بعدما أوصدت بوابة السفارة ونقلت الطائرات المروحية آخر الأميركيين الموجودين في حضن السفارة. ولولا أن بعض كبار ضباط الجيش الأميركي كانوا بدأوا تهريب فيتناميين إلى بواخرهم الحربية لما تمكن نحو ثلاثين ألف فيتنامي من الهرب أساسا.

يستخدم المخرج روري كندي مادة أرشيفية ضخمة ويضيف إليها مقابلاته وما يختاره من الأرشيف ومن المتحدثين للكاميرا يفصح عن مخرج يعرف ما يريد أن يقول وكيف يوصله.

أتمنى لو كنت هنا(*2) إذا ما كان الأخوان كووين تداولا في فيلمهما الأخير «داخل لوون ديفيز» حكاية المغني الذي يقف عند حافة الحلم طوال الوقت من دون أن يحقق منه شيئا، فإن بطل هذا الفيلم (زاك براف الذي قام بكتابة وإنتاج وإخراج هذا الفيلم بميزانية لا تتجاوز 47 ألف دولار) ممثل يقف عند الحافة ذاتها. أيدن (براف) جاد في رغبته أن يصبح ممثلا، لكن كيف يمكن لممثل أن يشق طريقه إذا ما كان آخر ما ظهر به على الشاشة كانت دعاية لشامبو؟ كلاهما، بطل فيلم كوون وبطل فيلم براف يهوديان، وكلاهما لا يغرفان من الحياة أكثر مما يمكن لمعلقة صغيرة أن تفعل من ماء البحر. الأمور تزداد تعقيدا أمام أيدن عندما لم يعد بإمكانه وزوجته (التي تشغل وظيفة صغيرة في مكتب أعمال) إعالة العائلة. والده (ماندي باتنكين) كان يساعد العائلة والآن لم يعد يستطيع. حاله الصحية (ثم موته لاحقا). بعد ذلك هو فيلم مثير فقط بسبب حكايته وليس بسبب قدرة مخرجه تحويل الموضوع بعيدا عن الدين وإلى مزيد من الوجدانيات التي تتعامل مع الأفراد كأفراد. الأسلوب الذي يسرد المخرج الفيلم من خلاله يحمل ملامح العمل التلفزيونية. ومع أن المخرج أمضى 10 سنوات منذ أن قام بتحقيق فيلمه الوحيد قبل هذا الفيلم، وكان عنوانه «ستايت غاردن»، إلا أن معالجته الفنية لشخصياته ولحبكاته ما زالت على حالها.

أنت التالي(*3) «أنت التالي» فيلم تشويقي مع خيط نفسي وآخر اجتماعي للمخرج آدم وينغارد. الأول ينتمي إلى الحبكة فعليا، والثاني أقل التصاقا بما يدور وهو كناية عن استخدام له مفعول سريع كحبة أسبرين. الزوجان لورا (شيلا كيلي) وسبنسر (ليلاند أوسكار) خسرا ابنهما المجند في أفغانستان لذلك حين يصل رجل غريب يدعي بأنه كان في الوحدة العسكرية ذاتها وأن ابنهما وصاه الحضور والتعرف عليهما، يشعران بالمودة تجاه هذا الرجل الغريب (دان ستيفنز) ويدعوانه للبقاء لفترة. الغرفة التي سيشغلها هي غرفة ابنهما ما يثير حفيظة ولديهما المراهقان ولو إلى حين. ديفيد، ذلك الغريب ينطلق لحياة تبدو طبيعية. يساعد الأب في أعمال صيانة ويدافع عن الابن ضد بعض الشبان الذين كانوا يعنفونه (يبطش بهم في الواقع) ويعطي الابنة الشابة آنا بعض النصائح حين تفصح عن طراوتها وبراءتها العاطفية حيال شاب تعرفت عليه.

المشاهد يعلم أكثر مما يعلمه الأبوان فهناك تحت هذا الخامة المتواضعة من الأحداث شعور بأن الأمور ليست كما تبدو وما تلبث آنا أن تدرك أن الرجل ليس كما أبدى وأنه يشكل خطرا على سلامة العائلة بأسرها خصوصا بعد انتشار حوادث قتل في محيط البلدة منذ وصوله. سرديا ينجح الفيلم في توظيف تفعيلاته مضيفا جديدا في الأوقات الصحيحة قبل أن تتسارع الأحداث. استخدام الكاميرا مؤثر إذا ما كانت الرغبة هي صدم المشاهد أو إشراكه في الخطر، لكنها تأخذ من جماليات فنية كان يمكن لها أن ترفع من قيمة هذا العمل أكثر.