المصريون يستعيدون ذكرى «ثورة 25 يناير»

تتزامن مع موجة شائعات وترقب لأعمال عنف

صورة أرشيفية لاحتفالات شعبية في ميدان التحرير لحظة إعلان الرئيس الأسبق حسني مبارك تنحيه عن الحكم في 11 فبراير 2011 (أ.ف.ب)
TT

«أنا خائف من الغد.. لكن سأنزل إلى ميدان التحرير.. لا بد أن نكمل المشوار. لن أصدق أحدا؛ لا ثوار ولا (إخوان) ولا (6 أبريل) ولا (تمرد) ولا التلفزيون. سأصدق صوتي الحقيقي الصادر من داخلي.. لا بد أن نفكر.. نفكر في مصر فقط، ونرى ماذا تريد».

كلمات طارق، وهو شاب تخرج حديثا في الجامعة، رغم بساطتها، فإنها تكاد تكون تلخيصا للحالة المصرية الراهنة برمتها. فلم يكد المصريون يتجاوزون بنجاح لافت اختبار الاستفتاء على الدستور الجديد الذي جرى يومي 14 و15 يناير (كانون الثاني) الحالي، حتى فوجئوا بأن عليهم أن يخوضوا اختبارا آخر للاحتفال بذكرى مرور ثلاث سنوات على الثورة، وهو اختبار ربما أشد تعقيدا، على المستوى السياسي والأمني، وفي ظل صراع خفي في صفوف القوى الثورية بين ثورتي «25 يناير 2011»، التي أطاحت بنظام الرئيس الأسبق حسني مبارك، و«30 يونيو 2012» التي أطاحت بحكم «الإخوان»، ورئيسهم السابق محمد مرسي.

ورغم أن كلتا الثورتين زجت بالرئيسين مبارك ومرسي، وعدد كبير من رموزهما، في السجن، وكسرتا حاجز الخوف الذي جثم على نفوس المصريين لعقود طويلة، فإن غبار الخوف لا يزال يتصدر المشهد.. فما بين تهديدات قوية من نظام «الإخوان» بإشاعة الفوضى في البلاد وارتكاب أعمال إرهابية لترويع المواطنين ومنعهم من النزول والاحتفال بذكرى الثورة، ومخاوف لدى كثير من المواطنين – خاصة الثوار - من عودة من يصطلح على تسميتهم «الفلول» من نظام مبارك، إلى الحكم، بطرق مختلفة وأبواب خلفية، وركوب موجة الثورة والتمسح بها كمظلة تؤمن لهم هذه العودة.

بين هذين القوسين تتبدى حيرة المصريين، ويتعاظم خوفهم من انتشار أجواء يغلب عليها طابع الغيرة الثورية بين الثورتين. الأسطى أحمد، صاحب ورشة نجارة، يرى أن التهمة «الجاهزة» التي يلوح بها «الإخوان» وأتباعهم في وجه كل من يختلف معهم ويحتقر أداءهم، أنه «فلول» ومن أتباع النظام السابق.

وبنبرة غضب وسخرية، يقول الأسطى أحمد: «أنا عمري 60 سنة، عشت نظام عبد الناصر والسادات ومبارك، ولم أجد أكذب وأضل من الإخوان المسلمين. هؤلاء لا يستحون، الشعب المصري كله يعرف أنهم كانوا جزءا من نظام مبارك، مرشدهم بارك توريث الحكم لجمال مبارك، وهذا منشور في الصحف.. المشكلة أنه خلال حكم رئيسهم الإخواني (مرسي) انغرسوا في حشايا الدولة، ولا بد من تطهير الدولة منهم مهما كان الثمن».

وعن الاحتفال بثورة «يناير»، قال الأسطى أحمد: «ثورة (25 يناير) ملك الشعب، قامت بإرادته، وقادها الشباب، ولا بد أن نحتفل بها كلنا.. تهديدات (الإخوان) حشرجة موت».

ويرى مراقبون أن هذه الغيرة بين الثورتين مصطنعة من قبل جماعة «الإخوان»، لشق الصف الثوري، واستمالة بعض الثوار لصفوفهم، خاصة أنهم يعد ما حدث في «30 يونيو» انقلابا على الشرعية. ويؤكد المراقبون أنهما ثورة واحدة، وأن ما حدث في «30 يونيو»، هو موجة شعبية عارمة صححت مسار الثورة الأم في «25 يناير»، بعد أن اختطفها «الإخوان»، وعاثوا في البلاد تخريبا وإفسادا.

ويقول صلاح، وهو كاتب مسرحي شاب، متعاطفا مع مخاوف كثير من الثوار: «يجب أن نعترف بأن الثورة أفرزت فاسدين جددا. وأنهم قادرون على التلون، مع التيار، ويلبسون قناع الثوار، ليسهل لهم الدخول لمنظومة الفساد القديمة».

يضيف صلاح بتأفف شديد: «هذا رأيي بصراحة، وكفى شعارات مخادعة، من قبيل (الأطهار) و(الشهداء) و(الأبرار)». ثم يبتسم وهو يقول: «صحيح أنا ضجِر من الوضع كله، ومدرك أننا في 25 يناير (كانون الثاني) 2011 اجتمعنا على إسقاط نظام مبارك.. لكننا اكتشفنا فيما بعد أن الهدف من إسقاطه ليس واحدا. لكن سأنزل وأحتفل مع أصدقائي بذكرى ثورة (25 يناير)، لأنها تمثل – برأيي - عودة الروح للجسد المصري.. طوبى للذين نزلوا وضحوا من أجل الوطن بمحبة وإخلاص ووطنية نادرة».

وبحزم وإصرار تقول نسرين، وهي موظفة كبيرة بأحد البنوك الحكومية: «رغم دعاوى بعض التيارات غير ناضجة، سأنزل غدا وأحتفل مع أصحابي بذكرى ثورة (25 يناير).. لقد كبرنا، وتخطينا مرحلة المراهقة الثورية.. نريد أن نحرر مصر من كل القوى الفاشية، وإن شاء الله سننجح، ونصل إلى بر الأمان».

يطمئن فرحة المصريين واحتفالهم بالذكرى الثالثة لثورة «25 يناير» موقف حكومي صلب، وتأكيدات من الجيش والشرطة بأهمية الاحتفال بهذه المناسبة وعدم الخوف، وهو ما أشار إليه بيان للحكومة أمس قالت فيه إن «ثلاثة أعوام انقضت وثورة يناير ماضية في طريقها لتحقيق أهدافها.. بعد أن اكتسبت زخما جديدا وقوة دافعة حققتها ثورة (30 يونيو)، وهي الثورة التي جاءت لتؤكد على مبادئ ثورة يناير، وتعلن تمسك الشعب بمكتسبات (يناير)، وأنه لن يسمح لأي نظام حاكم أن يحيد عن تحقيق أهداف الثورة، أو أن يختطف البلاد لصالح جماعة أو فصيل».