لبنان: لاجئون سوريون لا يتوقعون «الحل السياسي» في «جنيف2»

يأملون في أن يوصي بمساعدات لإغاثتهم

TT

ينشغل المجتمع الدولي في مدينة جنيف السويسرية بإيجاد مخرج للأزمة السورية المستمرة منذ نحو ثلاث سنوات، بينما يعاني لاجئون سوريون هاربون من قسوة الحرب في بلادهم. يعانون الجوع والفقر في دول اللجوء وسط آمال متواضعة وتمنيات يرى بعض اللاجئين أن تحقيقها شبه مستحيل، كما حال أسماء، الشابة السورية التي نزحت من قرية القورية في دير الزور إلى لبنان عن طريق عرسال بعد اشتداد المعارك وفقدان الأمن والأمان.

تزوّجت أسماء من أبو كريم بعمر 13 سنة، ورغم أن مدخول العائلة من عمل الزراعة محدود، لكنهم كانوا يكتفون بما رزقهم الله من نعمة حسب قولها. وبعد اندلاع الأزمة السورية، تغيّرت أحوالهم وبعد مقتل عدد كبير من أقربائها بقصف صاروخي للطيران الحربي السوري، قرّرت أسماء الهرب مع زوجها وأولادها الأربعة إلى لبنان. فساعدها مقاتلو المعارضة على العبور من سوريا نحو عرسال عن طريق حمص قبل الحصار.

في بيروت، تعيش أسماء في غرفة صغيرة يتشارك فيها الحمام والمطبخ وغرفة النوم والجلوس المساحة نفسها. تفوح من المكان رائحة الرطوبة العفنة، وتردد صوت تلفاز صغير يتوسط الغرفة لمتابعة الأحدث السورية لحظة بلحظة.

تعلق الشابة العشرينية وهي تستمع إلى نشرة الأخبار، على ما يطرحه المجتمعون في مؤتمر «جنيف2» بالقول: «زعماء الدول سيجتمعون للمتاجرة بدماء الشهداء وقضية النازحين ستكون في صدارة اهتماماتهم إعلاميا ولكن جديا ستوزع الأموال والمساعدات على جيوب الرؤساء والمسؤولين». وتضيف: «لجأت إلى لبنان منذ سنتين وقدّمت أوراقي للأمم المتحدة للحصول على مساعدات وحتى اليوم لا زلت أنتظر هذه الإعانة»، متسائلة بمرارة: «أين هي الأموال التي تصرف باسم النازحين السوريين في لبنان؟ وأين هي المساعدات التي يخرج بها زعماء الدول على الإعلام وأمام الرأي العام».

تعيش عائلة أسماء ظروفا اجتماعية قاسية دفعتها إلى العمل في المنازل كخادمة، أما زوجها الثلاثيني فهو يعمل في مجال البناء نهارا، وعامل تنظيفات ليلا. تقول لـ«الشرق الأوسط»: «نعيش على وجبة صغيرة في النهار، نتناسى وجبتي الصباح والمساء، وعندما نشعر بالجوع نشرب المياه مع ما تبقى من خبز في المنزل، وفي حالات المرض نشحذ المال من هنا وهناك لكي نطبب أولادنا». وتتابع: «النازح السوري حكم عليه العيش مذلولا بسبب رئيس أراد لشعبه أن يحكم بنظام ديكتاتوري جبار لا يرحم حتى أبناءه فكيف بالغريب؟».

وبرغم معاناة العائلة، وانشغالها بتأمين لقمة العيش اليومية لأولادها، لكن أسماء لا تزال تأمل أن تؤدي نتائج مؤتمر «جنيف2» إلى انفراج حال اللاجئين السوريين، وإن كانت آمالها «ضئيلة»، على حد قولها. ترى أن «العودة إلى سوريا باتت مستحيلة»، وتسأل: «كيف يريدون منا العودة إلى بلدنا؟» قبل أن تضيف بلكنة سورية: «ليش بعد في سوريا؟»، مشيرة إلى أنها «أصبحت ركاما وحطاما تكتسحها أشلاء الجثث وتغطيها دماء الأطفال والنساء». حال رقية المعيشي لا يختلف عن حال أسماء، لا بل يفوقه فقرا وعوزا. هي أم لخمسة أولاد ولجأت إلى لبنان بعد ظروف قاسية سببها حصار حمص الذي فرضه الجيش النظامي على أهالي المنطقة. تروي قصتها بإرهاق شديد تبرز معالمه على وجهها النحيف والتعب: «جئنا لننجو من آلات القتل الحربية التي لا ترحم، فلحق بنا الفقر والجوع إلى لبنان».

تقطن رقية في حي شعبي فقير في العاصمة بيروت، استأجر زوجها غرفة صغيرة مقابل 400 دولار أميركي شهريا. يقصد الزوج منطقة مار مخايل في بيروت يوميا ويقف على رصيف الشارع المخصّص للعمال الأجانب، لينتظر أي فرصة للعمل يجني من خلالها بعض المال لشراء الطعام لأولاده.

تتابع حديثها وهي تلبس رضيعها كيسا من النايلون كبديل عن الملابس الداخلية، وتسأل بمرارة شديدة: «حاربنا رئيسنا من دمنا وقتّل أطفالنا وهدم أرزاقنا فكيف نثق بالغريب الطامع بسوريا؟». وتعرب عن اعتقادها بأن «جنيف2» «لن يفلح في وقف النار ولا حتى في إعمار ما تبقى من بلدنا الحبيب»، مضيفة: «إنهم يتآمرون علينا ويرسمون لنا مستقبلا ويلزموننا به، فلا المعارضة بقيت معارضة ولا النظام سيتغير حاله إذا بقي».

تقاطعها جارتها أم علي ضاحكة، وهي أيضا نازحة سورية، بالقول: «لا أعرف من يمثلنا من المعارضة السورية في جنيف ولا أعرف أسماء القياديين ولا حتى المفاوضين عن نظام الأسد، أعرف فقط أن هناك أولادا بحاجة إلى طعام في حمص وإلى بيوت في حلب وغيرها من المناطق المحاصرة».

جاءت أم علي إلى لبنان منذ شهر بعد أن أقفلت بوجه العائلة كل السبل لتأمين المال مقابل الطعام الذي ارتفع سعره بشكل جنوني في الآونة الأخيرة، فجاءت لتبيع مصاغها ومصاغ والدتها المتبقي لديهم وتشتري المونة لتأخذها معها إلى سوريا وتنقذ ما تبقى من أشخاص على قيد الحياة يأكلون لحم الكلاب والقطط، على حد تعبيرها.