استعداء البيئة يقلص الإنتاج الحيوي في السعودية

وكيل وزارة الزراعة: نعد حاليا استراتيجية وطنية للمراعي

ترنو الخطة الوطنية إلى الحد من تعرية الأشجار للحفاظ على التوازن البيئي في السعودية («الشرق الأوسط»)
TT

كشف الدكتور خالد الفهيد، وكيل وزارة الزراعة لشؤون الزراعة، لـ«الشرق الأوسط»، عن أن الموارد الرعوية تشغل مساحة تقدر بنحو 170 مليون هكتار، بما يعادل 85 في المائة من المساحة الكلية للبلاد، وبيّن أن هذه الموارد تتعرض لسوء الاستغلال منذ سنوات، مما أدى إلى تدني إنتاجيتها وتدهورها وتعرض مساحات كبيرة منها للتصحر.

وقال الفهيد: «أدت الطفرة الاقتصادية إلى زيادة أعداد الماشية لمواجهة الطلب الكبير على اللحوم الحمراء لتلبية احتياجات السكان التي زادت». وأضاف: «من جهة أخرى، فإن إلغاء الأنظمة العرفية لاستغلال المراعي في البلاد وإلغاء أنظمة الحمى وتحويل المراعي إلى موارد مشاعة مفتوحة أمام الجميع، أدى إلى انعدام أي حافز على الحد من عدد الحيوانات المسموح لها بالرعي».

وأفاد الفهيد بأن الدراسات توضح أن أعداد الحيوانات المستأنسة بالمملكة في ارتفاع مطرد، وقال: «إن الأعداد الإجمالية للحيوانات بالمملكة، تقدر حسب إحصاءات وزارة الزراعة لسنة 2011 بنحو 6.7 مليون رأس من الضأن، و1.1 مليون رأس من الماعز، و237 ألف رأس من الإبل». وأضاف: «أدى تعدي أعداد الحيوانات للطاقة الإنتاجية للأراضي الرعوية إلى سوء التوازن بين الاحتياجات الغذائية للأعداد المتنامية من الحيوانات والإنتاج الرعوي الآخذ في الانكماش بشكل مستمر إلى تدهور كبير في النظم البيئية الرعوية وسيادة النباتات غير المستساغة والغازية وبعض الأنواع السامة مثل الحرمل والعشار وغيرها».

وأكد وكيل وزارة الزراعة لشؤون الزراعة، أن استمرار الرعي الجائر والمبكر والاحتطاب العشوائي الذي يقضي على الأنواع النباتية الجيدة أديا بشكل خاص إلى تدني إنتاجية المراعي وانحسار التنوع الحيوي وبروز وتوسع مشكلات التعرية والتصحر وزحف الرمال والزوابع الترابية وغيرها، حسب قوله.

من جهته، طالب الدكتور ناصر الخليفة، المشرف على المركز الوطني للتقنية الزراعية بمدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية، ملاك ومربي الماشية في المملكة بضرورة تأجيل الرعي لشهر واحد على الأقل حتى تكتمل دورة حياة النباتات الرعوية. وأوضح الخليفة، في بيان أصدرته أخيرا مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية، أن تأجيل الرعي تتضح أهميته على القيمة الاقتصادية للمراعي ومردوده المباشر على المربين، فضلا عن مردوده الاجتماعي والبيئي اللذين يعدان في بلد صحراوي كالمملكة أكثر أهمية.

وقال الخليفة: «إن خطر الرعي المبكر تعدى موضوع الرعي الجائر المتعارف عليه من قبل المختصين، في ظل غياب الوعي من قبل ملاك ومربي الماشية بالمملكة، بما يؤدي إلى الاستغلال المبكر للمراعي والقضاء على دورة حياة النباتات الرعوية قبل أن تزهر وتثمر وينثر النبات بذوره التي تكوّن مخزونا لسنوات».

وأكد المشرف على المركز الوطني للتقنية الزراعية بمدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية، أن الرعي المبكر أشد خطرا وفتكا بالغطاء النباتي الرعوي للبيئة السعودية، إذ إن هذا المصطلح يغيب عن أذهان الكثيرين من المهتمين من المسؤولين والمختصين ومن باب أولى المربين، حسب قوله.

تجدر الإشارة إلى أن دراسة حديثة على نطاق واسع، أجريت بالتعاون بين وزارة الزراعة ومدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية وجامعة الملك سعود، وغطت مساحة من المراعي تقارب 35.5 مليون هكتار بشمال منطقة الرياض وهضاب الصمان والدبدبة ومنطقة الحدود الشمالية ومنطقة الجوف ومنطقة حائل - القصيم ومراعي شمال المنطقة الشرقية، وكشفت هذه الدراسة عن أن نحو 46 في المائة من هذه المراعي متدهورة، و36 في المائة فقيرة إلى متوسطة، في حين أن 32 في المائة منها تعد جيدة و6 في المائة جيدة جدا.

وهنا يعود الفهيد للقول: «قدرت بعض الدراسات حالة المراعي بالمملكة بأنها في غالبيتها (60 في المائة) فقيرة إلى متوسطة، وأنها تعاني من ضغوط الرعي والاحتطاب، وأن إنتاجيتها في تناقص»، وعلى الرغم من منع نظام المراعي والغابات ولوائحه لعمليات تدمير الغطاء النباتي الطبيعي، فإن الفهيد أفاد بأن بعض الدراسات تشير إلى أن 120 ألف هكتار تصيبها التعرية من الأشجار والشجيرات في المملكة كل عام.

وأوضح الفهيد أن التوسع الزراعي والعمراني وظاهرة اقتلاع الرمال والأتربة على حساب أجود المناطق والمواقع الرعوية؛ جميعها أسهمت في تقلص الموارد الرعوية وزيادة الضغط على المواقع الأقل جودة والأكثر حساسية، مما أدى إلى تدهورها بشكل أكبر.

وكشف الفهيد خلال حديثه لـ«الشرق الأوسط» عن أن وزارة الزراعة تعد حاليا الاستراتيجية وخطة العمل الوطنية للمراعي الطبيعية، بالتشاور والتعاون مع الكثير من الجهات ذات العلاقة، بما فيهم الجهات الحكومية والقطاع الخاص والمربين، حسب قوله، مضيفا: «أُعدّت المسودة، وهي في مرحلة إدخال التعديلات التي اقترحتها الجهات المذكورة قبل رفعها للجهات المختصة للمصادقة عليها».

وأبان أن الاستراتيجية تتمحور حول وقف تدهور المراعي من خلال الحد من أسبابه، ومنها العمل على تعزيز تربية الماشية المكثفة في المزارع والحد من أعداد الحيوانات التي ترعى في المراعي الطبيعية، وتحسين الغطاء النباتي الرعوي كما ونوعا، وتعزيز مشاركة المجتمعات المحلية في إدارة الموارد الطبيعية مع رفع الوعي لديها وتنظيم مؤسساتها وتعزيز قدراتها، وتعزيز وبناء قدرات المؤسسات الحكومية المعنية بالمراعي، وتحسين الظروف الاجتماعية والاقتصادية للمجتمعات الريفية، خاصة صغار المربين، وتعزيز وتنظيم السياحة البيئية في الأراضي الرعوية ودعم وتكثيف البحث العلمي.

وبسؤال الفهيد عن جهود وزارة الزراعة الأخرى بهذا الشأن، قال: «أنجزت وزارة الزراعة بالتعاون مع الجهات الوطنية الأخرى ذات العلاقة في المملكة الكثير من الدراسات النباتية والمناخية والبيئية والاقتصادية - الاجتماعية لحصر الموارد الرعوية وتحديد حالتها وأسباب تدهورها وسبل تنميتها وتحقيق مستلزمات وطرق إدارتها المستديمة»، كما أشار إلى إصدار نظام المراعي والغابات ولوائحه عام 1398هـ وتحديثه في عام 1425هـ ليتماشى مع المستجدات، مع تشكيل الآليات واللجان للعمل على تطبيقه.

وفي ذات السياق، كشف الفهيد عن أن وزارة الزراعة تعمل على تحديد وحماية الكثير من المواقع الرعوية والغابات المتدهورة أو الحساسة المعرضة للتدهور أو التي لها مميزات خاصة من التعديات بجميع أشكالها وتسييج بعضها وحراستها، بواسطة أكثر من 200 حارس غابات، مع تزويدهم بالسيارات وأجهزة الاتصال اللازمة.

وأضاف الفهيد: «عمدت وزارة الزراعة إلى حماية بعض المناطق الرعوية والحراجية المتدهورة أو المعرضة للتدهور، مثل الروضات والفياض بواسطة التسييج أو التبتير لمنع التعدي عليها، وتنفيذ بعض أنشطة التنمية فيها، وبلغ عدد المسيجات نحو 65 مسيجا، تتراوح مساحة كل منها بين 250 دونما إلى 87 ألف دونم، وقد خصص بعض المسيجات للدراسات الرعوية والبيئية والبعض الآخر كاحتياطي علفي طبيعي يفتح للرعي في سنوات الجفاف».

أما المواقع التي أجري لها تبتير، فيقول: «بلغ عددها نحو 30 بطول إجمالي يقدر بنحو 200 كيلومتر، وذلك لحمايتها من عجلات سيارات المتنزهين التي تحدث تدهورا كبيرا للغطاء النباتي والتربة، مع تنظيم الاستفادة منها كمراعٍ ومتنفسات للسكان»، إلا أن الفهيد يؤكد أن احترام هذه المنجزات والمحافظة عليها من قبل المربين والمتنزهين يطرح إشكالات عدة، تبرز حتمية تكثيف جهود التوعية والإرشاد وإشراك المجتمعات المحلية في عمليات الحماية، وفي تنظيم استخدام الموارد الرعوية وإدارتها، مشيرا إلى أن هذا ما تسعى وزارة الزراعة إلى تحقيقه بالتعاون مع كل الجهات المعنية.

وحول إمكانية استزراع أراضي المراعي المتدهورة، يقول الفهيد: «منذ سنة 1980 استزرعت الوزارة بعض مواقع المراعي المتدهورة باستخدام بذور الأشجار والشجيرات عن طريق النثر المباشر أو عن طريق الشتلات، وذلك باستعمال البذارات الآلية، وقد بلغت المساحات المزروعة نحو 100 ألف دونم، موزعة على 69 موقعا بمناطق مختلفة، استخدم فيها أكثر من 22 نوعا من الأشجار والشجيرات».

وعن نتائج ذلك يقول: «أسهمت عمليات الاستزراع في تحسين حالة أراضي المراعي المتدهورة بصورة إيجابية، غير أنه لم يُتوّسع فيها بسبب مشاعة الرعي وقلة إمكانات الحراسة لدى الوزارة وقلة الوعي لدى الرعاة والمتنزهين الذين يدمرون النتائج المتحصل عليها في وقت وجيز»، في حين أكد الفهيد أن الوزارة تبذل سنويا جهودا لرفع الوعي لدى السكان وإرشاد المربين للحد من الاستخدام السيئ للمراعي عن طريق الرعي الجائر والمبكر والاحتطاب، مشيرا إلى أن ذلك يأتي بواسطة إقامة المخيمات البيئية وتوزيع المنشورات ووسائل التوعية وإقامة المعارض وورش العمل والدورات التدريبية وغيرها.