التغطية الإعلامية الغربية لأولمبياد روسيا: الهاجس الأمني في كل مكان

«من روسيا.. مع الخوف» على نغمة أفلام «جيمس بوند»

TT

صباح يوم افتتاح الدورة الأولمبية الشتوية في سوتشي، بروسيا، نشرت صحيفة «واشنطن بوست» عشرة أخبار عنها، منها:

في الصفحة الأولى: صورة كبيرة لمنافس أميركي في التزحلق على الجليد، وهو يتمرن، وكأنه سينتصر. في الصفحة العاشرة: أربعة أخبار، عناوينها كالآتي: «روسيا ترفض استيراد يوغرت (اللبن الزبادي) الأميركي».. و«الشرطة في كل ركن وزقاق».. و«أمن المطارات يمنع حمل معجون الأسنان في الطائرات إلى روسيا».

ثلاثة عناوين سلبية، وعنوان واحد إيجابي: «توقعات بحفل افتتاح رائع من تراث روسيا الثري».

في ملحق الرياضة (على الأقل، كل يوم، تنشر الصحيفة أربعة ملاحق) ستة أخبار. كلها سلبية، عدا واحد محايد: «في منافسات الرقص على الجليد.. الفريق الأميركي يتوقع منافسة قوية من الفريق الروسي».

غير أن أكثر التقارير سلبية كان رسالة من سوتشي كتبها مايك وايز، رئيس القسم الرياضي، بعنوان: «فروم راشا.. ويث فير» (من روسيا.. مع الخوف). هذه إشارة إلى فيلم أميركي مشهور، هو: «فروم راشا.. ويث لاف» (من روسيا.. مع الحب). وهو من أفلام جيمس بوند، ومن أفلام الحرب الباردة بين المعسكرين الرأسمالي والشيوعي. كان رواية، ثم صار فيلما، ثم أغنية، ثم قصة للأطفال، ثم مسلسل كارتون. ومع سلبياته عن ضعف الروس أيام الحرب الباردة، صار رمزا لما يعرفه الأميركيون عن الروس.

لهذا، لا بد أن «واشنطن بوست» تعمدت تحويل كلمة «حب» إلى «خوف» لتقدم صورة سلبية - أكثر - للروس. ومع التقرير، صورة جندي روسي يحمل بندقية أوتوماتيكية ضخمة، ووراءه الحلقات الأولمبية الخمس في علم يرفرف. مع عبارة: «بسبب الخوف (من الإرهابيين) والتفرقة (ضد المثليين) قل حماس المشتركين في الألعاب الأولمبية».

أيضا، صباح يوم افتتاح الدورة الأولمبية، نشرت صحيفة «نيويورك تايمز» سبعة أخبار عنها.. منها:

خبران سلبيان في الصفة الأولى: «روسيا قلقة.. مع بداية الدورة الأولمبية».. و«خوف المتزحلقين على الجليد من انحراف في الممر الجليدي». وكأن هذا لا يكفي، نشرت الصحيفة في صدر صفحتها الأولى خبر مشكلة أخرى بين أميركا وروسيا: «الاستخبارات الروسية وراء كشف اتصال بين دبلوماسيين أميركيين». يشير هذا إلى خبر كشف حديث تليفوني في موقع «يوتيوب»، اشتركت فيه فيكتوريا نولاند، مساعدة وزير الخارجية للشؤون الأوروبية (كانت المتحدثة باسم الخارجية). وانتقدت وساطة الاتحاد الأوروبي لحل الأزمة في أوكرانيا. وفي الانتقاد، احتقار للروس لدورهم في أوكرانيا، وشتيمة بذيئة للاتحاد الأوروبي.

أيضا، صباح يوم افتتاح الدورة الأولمبية، نشرت الآتي:

أولا: وكالة «أسوشييتد برس»: «يوم دورة أولمبية جديدة.. ذكريات دورة عام 1980» (خبر سلبي عن الدورة التي قاطعتها الولايات المتحدة بسبب غزو روسيا لأفغانستان قبل ذلك بسنتين).

ثانيا: وكالة رويترز: «آبي (رئيس وزراء اليابان) يقابل بوتين (الرئيس الروسي) بينما تغيب رؤساء الصين وكوريا الجنوبية».

ثالثا: وكالة «أ.ف.ب»: «سيفتتح بوتين الأولمبياد تحت أزيز طائرات السلاح الجوي الروسي مع أمن على الأرض متشدد جدا».

رابعا: موقع الخارجية الأميركية: «كيري يشجع فريق أميركا.. ويدعوه لعكس طموح وإنجازات ومبادئ أميركا».

خامسا: صحيفة «إندبندنت» البريطانية: «في الافتتاح اليوم.. هل سنشاهد إعدامات على طريقة الثورة البلشفية؟ أو هل سنشاهد مثليين يقبلان بعضهما البعض؟».

سادسا: صحيفة «سيدني هيرالد» الأسترالية: «ها هو بوتين صاحب الشخصية المتشددة يواجه نمرا فارسيا ويحس بالحب له».

وهكذا، قبل افتتاح الدورة، انتشرت الأخبار السلبية في كل العالم الغربي تقريبا. ولا بد أن العالم الثالث تأثر بهذه السليبات بسبب اعتماده على وكالات الأخبار الغربية، وبسبب مشاهدته للتلفزيونات الفضائية الغربية. وأيضا، لأن مواقع في الإنترنت، مثل «تويتر» و«فيسبوك»، صارت تنقل آخر الأخبار من «أسوشييتد برس» الأميركية، و«رويترز» البريطانية، و«أ.ف.ب» الفرنسية، وغيرها. لكن، حاول تلفزيون «بي بي سي أميركا» الموازنة. وقدم مقابلة مع ألكسندر زوكوف، رئيس اللجنة الأولمبية الروسية (التي تشرف على المهرجان). ونفى الرجل كثيرا من أسئلة المذيع: أولا: لم تكلف الدورة خمسين مليار دولار.. كلفت أقل من عشرة مليارات.

ثانيا: لم تتأخر شركات المقاولات التي بنت المنشآت الأولمبية في دفع رواتب عمال الإنشاء من جمهوريات وسط آسيا.

ثالثا: لا تركز الدورة على قضية المثليين لأن الدورة رياضية وليست سياسية. وتندر الروسي: «كنا أصلحنا الخط الحديدي من موسكو إلى سوتشي. هل نضع هذا في الحساب؟ هل نقول إنه جزء من تكاليف الدورة؟ وماذا عن تحسينات مطار سوتشي؟». أمام التغطية الإعلامية الغربية السلبية قبيل بداية الدورة، لجأ الروس إلى حملة إعلامية إيجابية، ونشروا ملاحق في صحف غربية. الملحق الذي وزع في الولايات المتحدة هو «راشا بيوند هيدلاينز» (روسيا ما وراء عناوين الأخبار). وهذه بعض عناوينه «أميركي يهاجر إلى روسيا، ويشترك في الفريق الروسي». و«مدرب الفريق الأميركي للرقص على الجليد روسي يتمنى الفوز لفريقه». و«وصفة وجبة تراثية من سوتشي: ساتسفي (دجاج في صلصة وولنت.. الجوز الخشبي)».

وفي ملحق الرأي الآتي: «مثلي أميركي روسي: الأولمبياد للرياضة.. لا للسياسة». وكتب فيه: «صار واضحا أن منظمات معينة في نيويورك هي التي تقود الحملة ضد قرار البرلمان الروسي حول المثليين. صار واضحا أن هناك أميركيين يريدون العودة بعجلة التاريخ إلى الوراء. مثلما فعلوا في أولمبياد عام 1980 (مقاطعته بسبب غزو روسيا لأفغانستان).. يريدون استغلال الأولمبياد لأهداف سياسية».

وأضاف «أنا أميركي روسي مثلي. سعدت جدا بقرار المحكمة العليا (الأميركية التي تفسر الدستور) بالمساواة بين الأميركيين رغم اختلافات الميول الجنسية وسطهم. سعيد لنفسي ولروس آخرين حصلوا على الجنسية الأميركية مؤخرا، والآن صاروا قادرين على إحضار شركائهم المثليين من روسيا». وأضاف «يتناقض تماما قرار المحكمة العليا وقرار البرلمان الروسي. لكن، هذه دورة رياضية، وليست جنسية». هذا ما كان عن التغطية الإعلامية الأميركية (والغربية) صباح يوم الافتتاح، صباح يوم الجمعة. أما صباح يوم السبت، فكانت التغطية أفضل. ليس لأن الأميركيين (والغربيين) غيروا رأيهم. ولكن لأنهم ركزوا على الخبر الرئيس: الافتتاح.

كتبت صحيفة «واشنطن بوست» في صدر صفحتها الأولى: «افتتاح رائع» (مع صورة كبيرة لراقصات روسيات في عرض كان حقيقة رائعا). عنوان إيجابي.

وهناك عنوان تقرير يمكن أن يكون محايدا: «رغم مشاكل الأمن والتكاليف.. الافتتاح عرض لتراث روسي عريق». لكن هناك عنوان تقرير ثالث يواصل السلبية: «مكان مثير.. لكن فيه تعقيدات كثيرة» (يقصد «عقد» الروس.. وحتى «عقدة النقص» عندهم بسبب تفوق الغرب).

كل هذا في الصفحة الأولى.

أيضا، ثاني يوم الافتتاح، كانت هناك عناوين إيجابية وسلبية في صحف أخرى. وركز التلفزيون على مناظر الافتتاح الرائعة، ولهذا يمكن اعتبار هذا التركيز إيجابيا.

وتقريبا، حدث الشيء نفسه في الصفحات الأولي للصحف الأوروبية: صحيفة «بيلد» الألمانية: عنوان كبير، وصورة عملاقة للعلم الألماني في الاستاد (تكررت الصورة نفسها في صحف أخرى، مثل: «فرانكفورت الغيماينه» و«هايلبورنار شيم»).

وأيضا، ركزت صحف أخرى على أعلام دولها في الاستاد. مثل صحف فرنسا، وإيطاليا. ونشرت «الغارديان» البريطانية صورة عملاقة للحلقات الأولمبية الخمس في الاستاد. ونشرت زميلتها «تايمز» صورة عملاقة لراقصة روسية شقراء جميلة، مع زميلاتها.

لكن، بعد الافتتاح الرائع، تبدأ المنافسات القاسية. لا بد أن الإعلام الغربي يريد اكتساح الغربيين للروس، ولغيرهم. ولا بد أن يظهر ذلك في التغطية الإعلامية. أما إذا انهزم الروس هزيمة نكراء، أو إذا وقع حادث إرهابي، أو فضيحة، أو كارثة، فسيزيد الطين بلا.