الصحافيون الباكستانيون يواجهون تهديدات من طالبان

إعلاميون يستعينون بحراس شخصيين.. وآخرون أرسلوا عائلاتهم خارج البلاد

TT

يرى كثيرون في الوسط الإعلامي الباكستاني أن الموقف الذي يواجهونه يشكل خطرا بالغا على حياتهم، مما جعل بعض العاملين في وسائل الإعلام يستعينون بحراس شخصيين يلازمونهم في كل مكان، فيما أرسل آخرون عائلاتهم خارج البلاد لإبعاد أبنائهم عن الأذى.

كانت تهديدات طالبان لوسائل الإعلام الباكستانية قد انطوت على خطر بالغ خلال العام الماضي، غير أن المكالمات الهاتفية التهديدية والرسائل النصية والتهديدات الصريحة من المتحدث باسم طالبان لم تكن كافية لإرهاب هؤلاء الصحافيين.

وقال صحافيون بارزون في لقاء مع «الشرق الأوسط» إن تهديدات طالبان تحولت إلى حقيقة في بداية هذا الشهر عندما قتل ثلاثة من عمال مؤسسات إعلامية في هجوم لطالبان في كراتشي.

قتل المسلحون الذين كانوا يستقلون دراجات نارية ثلاثة عمال في قناة «إكسبريس نيوز»، بعد نصب كمين لشاحنة خاصة بالصحيفة في كراتشي. وقد أعلنت جماعة «تحريك طالبان باكستان» مسؤوليتها عن الهجوم الأخير في اتصال هاتفي مباشر من أفغانستان بمذيع قناة «إكسبريس نيوز» جواد تشودري.

وقال المتحدث باسم جماعة «تحريك طالبان» إحسان الله إحسان: «نعلن مسؤوليتنا عن الهجوم، وأود أن أعرض الأسباب وراء ذلك. تلعب وسائل الإعلام الباكستانية في الوقت الراهن دور الأعداء وناشري الدعاية السوداء ضد (تحريك طالبان). وقد حذرنا وسائل الإعلام في وقت سابق، ونحذرهم مرة ثانية بعدم نشر هذه الدعايات السوداء. لقد حذرنا (إكسبريس نيوز) عدة مرات، واتصلت بالقناة بشكل شخصي ونقلت لهم تعازينا».

غير هذا الهجوم، الذي راح ضحيته ثلاثة من العاملين في قناة إخبارية بارزة، كل شيء في الوسط الإعلامي الباكستاني، فالتهديدات المفاجئة التي يتلقاها الصحافيون الباكستانيون من مصادر مجهولة عبر الهواتف والرسائل النصية (يُعرف المتصلون أنفسهم في الغالب بأنهم طالبان)، تحمل بعدا سيئا.

وقال العديد من الصحافيين البارزين لـ«الشرق الأوسط» إن كثيرا منهم ومن مالكي المؤسسات الإعلامية نقلوا عائلاتهم إلى دول أجنبية لإبعادهم عن الأذى.

وقد التقت «الشرق الأوسط» صحافيا باكستانيا بارزا للحديث حول هذه القضية، وقال الرجل الذي جلس في مكتبه بعيدا عن نافذة ضخمة وذلك نوعا من الحماية ضد انفجار محتمل أو رصاص قناصة.

وقال الصحافي الذي طلب عدم ذكر اسمه: «التهديدات التي ترسلها طالبان لا تستهدف الرموز الكبيرة في الإعلام الباكستاني فقط، فالعديد من المراسلين تلقوا تهديدات مماثلة من طالبان.. الأمر لا يقتصر علينا فقط، فهم يعرفون أرقام الهواتف الخاصة بالموظفين والمسؤولين عن التحرير، التي لا يعرفها أحد من خارج المؤسسة ولا يعلمها سوى عدد محدود للغاية من الأشخاص. فمن المسؤول عن معرفتهم بهذه الأرقام؟».

وهناك تقارير الآن في وسائل الإعلام بأن طالبان تخطط لمهاجمة الشخصيات البارزة في وسائل الإعلام الباكستانية لإحداث تأثير أكبر. وتشير التقارير إلى أن هدف طالبان المقبل ربما يكون شخصية بارزة في وسائل الإعلام، وربما صاحب دار نشر أو رئيس تحرير.

وقد اطلع الصحافي الباكستاني المعروف حسن عبد الله، الذي زار أفغانستان مؤخرا، على قائمة المستهدفين التي أعدتها طالبان باكستان وتضم أسماء صحافيين معروفين.

وقال عبد الله في آخر تقرير له: «تضم القائمة أسماء ما لا يقل عن 20 صحافيا وناشرا، ومالكي قنوات تلفزيونية ورؤساء قنوات تلفزيونية ومذيعين ورؤساء تحرير للصحف الناطقة باللغة الإنجليزية».

عزز هذه التهديدات الموجهة لوسائل الإعلام الهجوم الذي شنه المتحدث باسم طالبان باكستان ضد وسائل الإعلام في رسالة مصورة بثت الشهر الماضي. وقال إحسان: «وظيفة الصحافي أن يكون أمينا وأن يروي كل جوانب القصة. لكننا نعرف أن هناك بعض الصحافيين الذين يبثون الدعاية السيئة. كما نعرف أن هناك صحافيين يعملون جواسيس للشرطة والأجهزة الأمنية الأخرى». وأضاف إحسان: «لكننا تبينا في وقت لاحق أن وسائل الإعلام هي التي تشن بالأساس هذه الحرب وتقود الرأي العام. وحينما تسعى وسائل الإعلام تلك لتشويه صورتنا، فهذا لا يعني لنا شيئا، فليس لدينا الكثير لنخسره، وبالتالي نتعامل معهم على أنهم طرف معاد في الحرب التي نخوضها».

ويؤكد إحسان أنه «يمكن لوسائل الإعلام أن تقوم بتعديل مسارها وأن تلتزم جانب الحياد حتى خلال المرحلة الحالية، وإلا فسوف يكون منطقيا ألا يشعر العاملون فيها بالأمان، حين لن تنفعهم أي حواجز أو أي مواكب أمنية تُخصص لحراستهم. وإذا كنا نستطيع اختراق حصون الثكنات العسكرية، فلن يكون الوصول إلى مقرات وسائل الإعلام بالشيء العسير».

المثير للسخرية أن تهديدات طلبان لوسائل الإعلام تأتي في الوقت الذي أعلنت فيه الحكومة الباكستانية عن أنها تخطط لإطلاق حوار مع التنظيم المسلح، حيث أعلن رئيس الوزراء نواز شريف أنه كلف لجنة من أربعة أعضاء لبدأ محادثات مع طالبان. المثير أن اثنين من أعضاء تلك اللجنة صحافيين بارزين هما رحيم الله يوسفزاي وعرفان صديق.

وقال رئيس الوزراء نواز شريف إن الشرط المسبق الوحيد لإجراء محادثات مع طالبان هو ضرورة وقف الهجمات داخل المناطق الحضرية الباكستانية.

والآن، يسأل مجتمع الصحافيين سؤالا مشروعا عما إذا كانت الحكومة ستطلب من طالبان وقف أي هجوم على الإعلام أم لا.