أول أمينة عامة للأطباء في مصر ترفع «الراية البيضاء» وتستقيل

منى مينا قالت إنها لا تمتلك «عصا سحرية».. وانسحابها يعكس أزمة القوى المدنية

د. منى مينا
TT

في مفاجئة عكست وجود أزمة حقيقية داخل القوى المدنية في مصر، أعلنت الدكتورة منى مينا، الأمين العام لنقابة الأطباء، استقالتها من منصبها بالنقابة. وقالت أول امرأة تنتخب أمينا عاما، إنه «أصبح مطلوبا منها أن تحل المشكلات بعصا سحرية، وأنها تجد نفسها في موقع مسؤولية في لحظة يعاني فيها الأطباء من ترد بشع لأوضاعهم، بالإضافة لانقسام شديد في مواقفهم، ما يجعل السخط والإحباط غير مترجم لإيجابية أو قدرة على الفعل».

وفي حين قال الدكتور خيري عبد الدايم، نقيب أطباء مصر، إن «هناك محاولات للتواصل مع مينا لإثنائها عن الاستقالة»، مضيفا لـ«الشرق الأوسط» أن «الجميع حريص في نقابة الأطباء على وجودها، ومجلس النقابة سيرفض استقالتها، فهي تلعب دورا كبيرا في العمل النقابي». قال مصدر مسؤول في نقابة الأطباء، لـ«الشرق الأوسط»، إن «استقالة منى مينا جاءت بعد اتهامات الأطباء لها بالفشل في إدارة الإضراب الذي نظمه الأطباء اعتراضا على إهمال وزارة الصحة لتحسين أوضاعهم».

وفازت الدكتورة منى مينا، بمنصب أمين عام نقابة الأطباء، وهي المرة الأولى التي تفوز فيها امرأة بهذا الموقع، وكذلك كأول مسيحية، في 19 ديسمبر (كانون أول) الماضي، بعد أن هيمنت جماعة الإخوان المسلمين على أعمال نقابة أطباء مصر لعدة عقود، وهو ما فسره مراقبون وقتها بأنه «يعكس التراجع الكبير الذي أصبحت عليه القوة التصويتية لجماعة الإخوان التي ينتمي إليها الرئيس المعزول محمد مرسي، لصالح القوى المدنية والتقدمية».

وتعد الدكتورة مينا، 55 عاما، واحدة من الناشطات المصريات اللائي وقفن ضد نظام الرئيس الأسبق حسني مبارك، وواحدة ممن وقفن في ميدان التحرير (بوسط القاهرة) لإجباره على التنحي عن موقعه. وخاضت الدكتورة مينا معركة كبيرة في انتخابات نقابة الأطباء عام 2012 وفازت بعضوية النقابة في بداية العام قبل الماضي لتصبح بذلك رابع سيدة تصل لهذا الموقع في تاريخ النقابة، ووقفت مدافعة عن حقوق الأطباء في مناسبات عدة.

وقالت مينا، في بيان لها مساء أول من أمس عبر صفحتها بموقع التواصل الاجتماعي «فيس بوك»: «أثناء جولات الانتخابات، سواء الأخيرة التي نجحت فيها أغلبية قائمة الاستقلال أو التي سبقتها بسنتين التي نجحت أنا فيها، كنت دائما أوضح ألا أحد يستطيع أن يحقق مطالب الأطباء سوى الأطباء أنفسهم، وأن الطريق الوحيد لتحقيق مطالبنا هو تضامننا وإصرارنا وطول نفسنا، وأنني - أو غيري - لا نملك عصا سحرية لانتزاع حقوق الأطباء الكثيرة في الأجر العادل والدراسات العليا والتعامل المحترم والحماية القانونية والمعاش والعلاج وبيئة العمل المحترمة والمؤمنة، ولكننا نستطيع تحقيق كل ذلك معا»، على حد تعبيرها.

وأضافت في البيان أنه «حاليا أجد نفسي في موقع مسؤولية بلحظة يعاني فيها الأطباء من ترد بشع لأوضاعهم، بالإضافة لانقسام شديد في مواقفهم، ما يجعل السخط والإحباط غير مترجم لإيجابية أو قدرة على الفعل، وهنا المأزق أنه أصبح مطلوبا مني أن أحل المشكلات بعصا سحرية أو أتهم بالخيانة، وبأني تغيرت بعد المنصب، لذلك فأنا أعلن استقالتي من منصبي النقابي، وسأرسل استقالة رسمية للمجلس».

وحاولت «الشرق الأوسط» الاتصال أكثر من مرة بالدكتورة مينا، لكن هاتفها المحمول كان غير متاح على مدار يوم أمس، فيما نفى الدكتور خيري عبد الدايم، نقيب الأطباء، وصول أي استقالة رسمية أو شفوية من مينا إلى النقابة، لافتا إلى أنه سيحاول إثناءها عن تلك الاستقالة.

من جانبه، لمح مصدر مسؤول في نقابة الأطباء، إلى أن «سبب استقالة مني مينا يرجع إلى وجود خلافات نشبت بينها وبين الأطباء خلال اجتماع الجمعية العمومية لنقابة الأطباء الجمعة الماضية، بعد تأجيلها لأن النصاب القانوني لم يكتمل. واتهام الأطباء لمجلس النقابة العامة - المحسوب على تيار الاستقلال - بالتواطؤ مع وزارة الصحة لإحباط الإضراب»، لافتا إلى أن استقالة مينا جاءت «بعد اتهامات الأطباء لها بالفشل في إدارة الإضراب».

وقال المصدر الذي تحدث مع «الشرق الأوسط» إن «النقابة شهدت خلال الفترة الأخيرة انقساما عقب إصدار قانون كادر (الإطار التنظيمي والمالي) الأطباء، الذي رفض الكثير من الأطباء أن يطلق عليه لفظة (الكادر)»، معتبرين أنه قانون مشوه، لأنه لم يخرج عن قانون الحوافز الذي كانت قد وضعته وزيرة الصحة ورفضته جميع النقابات الطبية المشاركة في اتحاد المهن الطبية.

وأكد المصدر، الذي تحفظ على ذكر اسمه، أن «هناك خلافات كبيرة نشأت بين النقابة ووزارة الصحة بسبب اتهام الأطباء للوزارة بالتسبب في وفاة أطباء مؤخرا بسبب أنفلونزا الخنازير وغياب وجود تحصينات للأطباء الذين يتعاملون مع المصابين بالمستشفيات، وهو ما نفته وزيرة الصحة مها الرباط»، مشددة أن الوفيات طبيعية وليست بسبب المرض، لافتا إلى وجود صراع لم يظهر على السطح حتى الآن بين نقابة الأطباء ووزارة الصحة، وهو ما دعا الأطباء إلى تحميل مسؤولية مجلس النقابة الأزمة، والذي سبق وأن نادى في الانتخابات الأخيرة بتحسين أوضاع الأطباء.

وأوضح المصدر أنه «يتردد أيضا في الأوساط الطبية أن الدكتورة مينا مرشحة بقوة لتولي حقيبة وزارة الصحة في التعديل الوزاري الذي سوف يجريه رئيس الحكومة حازم الببلاوي خلال أيام، خصوصا أن هناك مؤشرات على خروج الوزيرة الحالية مها الرباط من الوزارة».