رئيس الوزراء التركي يتجرع كأس التسجيلات المسربة عشية الانتخابات البلدية

مساعد إردوغان لـ «الشرق الأوسط»: المحادثة المفترضة مع نجله اجتزئت من تنصت على هاتفه المشفر

محتجون أتراك معارضون للحكومة في مواجهة مع الشرطة في أنقرة أمس (إ.ب.أ)
TT

وصلت اتهامات «الفساد» إلى رئيس الوزراء التركي رجب طيب إردوغان، الذي عد التسجيلات التي بثت الليلة قبل الماضية على الإنترنت، والتي توحي بدور له في قضية الفساد التي ظهرت على السطح في 17 ديسمبر (كانون الأول) الماضي، ملفقة. واتهم إردوغان حينها - بطريقة غير مباشرة - حركة «خدمة» التي يرأسها الداعية الإسلامي المقيم في الولايات المتحدة فتح الله غولن بالضلوع فيها من خلال ما يعتقد أنه نفوذ واسع لها في صفوف القضاء والشرطة.

وبينما وصف إردوغان هذه التسجيلات بأنها «ملفقة»، بدا أن رئيس الوزراء التركي اقترب من لفظ الاسم لأول مرة، مشيرا إلى غولن بـ«رئيس تلك الحركة». لكن طه كينتش، أحد أبرز مساعدي إردوغان، قال لـ«الشرق الأوسط» إن إردوغان حدد بهذه الجملة غولن «مائة في المائة». وكشف أن إجراءات قانونية سوف تتخذ قريبا جدا بحق الداعية غولن، و«كل المتورطين» من جماعته التي تواجه إردوغان بقوة على أبواب انتخابات بلدية مقررة في 30 مارس (آذار) المقبل، فيما طالبت أحزاب المعارضة إردوغان بالاستقالة على خلفية هذه التسجيلات التي شكلت لها مادة دسمة سوف تستعمل في الحملات الانتخابية.

ويواجه رئيس الوزراء التركي، هذه المرة، السلاح الذي استخدم في الانتخابات البرلمانية التركية السابقة، وأطاح برئيس حزب الشعب الجمهوري المعارض دينيز بايكال وعدد من نواب حزب الحركة القومية، حين بثت لهم أشرطة جنسية أدت بهم إلى الانسحاب من السباق الانتخابي.

وفي التسجيل الذي بث الليلة قبل الماضية، وحمل تاريخ 17 ديسمبر (تاريخ انطلاق حملات التوقيف بحق مقربين من إردوغان بتهم الفساد) ينصح رجل قدم على أنه إردوغان لآخر قدم على أنه نجله البكر بلال الذي استمع إليه المدعون في قضية الفساد كشاهد، بكيفية التخلص من نحو 30 مليون يورو. وأتى ذلك بعد ساعات من حملة اعتقالات شنتها الشرطة واستهدفت عشرات المقربين من النظام.

وقال الصوت الذي نسب إلى إردوغان «بني، ما أريد أن أقول هو أن عليك إخراج كل ما لديك من عندك، حسنا؟»، ورد المحادث «ماذا قد يكون هناك لدي؟ ليس لدي إلا المال العائد إليك».

واستغل إردوغان الاجتماع الأسبوعي لكتلته البرلمانية، ليرد بعنف على نشر التسجيل، منددا بما عده «هجمة وضيعة».

وهذا التسجيل الذي لم يؤكد صحته مصدر مستقل هو أول معلومة تشير إلى تورط إردوغان شخصيا في الفضيحة، وأدى إلى تكثيف دعوات المعارضة إلى استقالته. ووصف إردوغان هذا التسجيل بأنه «تلفيق مشين» و«هجمة وضيعة». وقال إردوغان «لن نرضخ» وسط تصفيق وهتافات نواب حزبه. وقال «الشعب وحده، ولا أحد غيره، يمكنه أن يقرر إزاحتنا»، في إشارة إلى الانتخابات البلدية المقررة في 30 مارس (آذار).

وهاجم إردوغان غولن مجددا من دون أن يسميه، واتهمه بأنه يقف وراء هذه الهجمة من خلال «اختلاق مسرحية غير اخلاقية». وأكد إردوغان «لا توجد مزاعم لسنا قادرين على الرد عليها»، مشيرا إلى أنه «لا يخاف شيئا»، وتوعد بملاحقة المسؤولين عن عملية «التلفيق» هذه أمام القضاء.

وأشار مساعد رئيس الوزراء طه كينتش لـ«الشرق الأوسط» إلى أن رئيس الوزراء لديه جوال خاص مشفر مضاد للتنصت، صنعته شركة «سوديتاك» التركية، ولدى رئيس الجمهورية والوزراء أجهزة مماثلة، وكلها جرى التنصت عليها. واتهم كينتش رجالا من تلك المنظمة (جماعة خدمة) موجودون في شركة «سوديتاك» بأنهم من ساعدوا الجماعة على التنصت على تلك الأجهزة، مشيرا إلى أنه جرت فبركة هذه التسجيلات من خلال تسجيلات أخرى اقتطعت من التنصت.

وقال كينتش «التحقيق الجاري في موضوع جهاز التنصت الذي وضع في منزل رئيس الوزراء قد حول من قبل رئيس هيئة التفتيش في رئاسة الوزراء إلى القضاء. ورجلا الشرطة اللذان كانا يعملان في مديرية الأمن التابعة لرئاسة الوزراء اكتشفنا أنهما هربا إلى الخارج لأنهما أدركا أنهما سيلقى القبض عليهما ويودعان السجن.

وأكد كينتش أنه سوف تكون هناك إجراءات قانونية بحق غولن. وقال «سوف تجري ملاحقة كل شخص متورط في هذه الجرائم»، مشيرا إلى أن رئيس الوزراء توجه إلى المديرين العامين في تركيا قائلا لهم «ما الذي تنتظرونه للتحرك؟ أنا أريدكم أن تبدأوا التحقيق القانوني فورا».

ورأى أن الذين نشروا الأفلام الإباحية لرئيس حزب الشعب الجمهوري السابق دينيز بايكال وأنزلوه من منصبه، هم أنفسهم من نشروا هذه التسجيلات اليوم. وهم أيضا من نشروا أفلاما مشابهة لأعضاء من الحزب القومي قبل الانتخابات البرلمانية السابقة. وما إن بث التسجيل الهاتفي الوارد، حتى اشتعلت شبكات التواصل الاجتماعي التابعة للمعارضة التي تندد منذ أسابيع بفساد النظام الإسلامي المحافظ الحاكم منذ 2002. وقال خلوق كوتش، نائب رئيس حزب الشعب الجمهوري، أبرز قوة معارضة، في ختام اجتماع طارئ الليلة قبل الماضية «على الحكومة أن تستقيل على الفور، لقد فقدت كل شرعيتها». وأضاف «على رئيس الوزراء أن يستقيل على الفور.. لا يمكن لتركيا أن تستمر على هذا المنوال». وتبعه رئيس حزب الحركة القومية دولت بهجلي معلنا أن «النهاية المطلقة والأكيدة لإردوغان باتت وشيكة.. على القضاء فتح تحقيق على الفور».

وقال فاروق لو أوغلو، السفير السابق لدى واشنطن، ونائب رئيس حزب الشعب الجمهوري المعارض، إنه يعتقد أنه لا شك في صحة التسجيلات التي أذاعها الحزب على نوابه في اجتماع للكتلة البرلمانية. وأوقفت معظم قنوات التلفزيون التي تسيطر عليها الحكومة إلى حد بعيد تغطية الاجتماع عند إذاعة التسجيلات، ثم استأنفتها بعد ذلك ولم تقطع البث حين واصل لو أوغلو الحديث عن التسجيلات. وأضاف «القول بأنها مزيفة لا يعني إنها لم تحدث. ما الذي يمكنه قوله غير ذلك..؟ في أقل الدول ديمقراطية أول شيء يفعله رئيس الوزراء هو أن يستقيل».

وأمس، أطلقت شرطة مكافحة الشغب التركية قنابل الغاز المسيل للدموع، واستخدمت مدافع المياه في تفريق مئات المحتجين المعارضين للحكومة في جامعة في أنقرة، قبل تدشين طريق سريع في المدينة. وردد الحشد، الذي يتألف بالأساس من طلاب، شعارات تتهم إردوغان باللصوصية وتطالب باستقالة الحكومة. وكان إردوغان الذي يملك أكثرية كبيرة في مجلس النواب نفذ حملات تطهير غير مسبوقة في الشرطة والقضاء، واستصدر قوانين مثيرة للجدل تشدد الرقابة على الإنترنت وتحكم سيطرة السلطة على القضاء. كما طرح مشروع قانون آخر مثيرا للجدل يرمي إلى توسيع سلطات وكالة الاستخبارات التركية التي يديرها هاكان فيدان الذي يثق به إردوغان. ويتوقع التصويت على القانون قبل نهاية الأسبوع.